بسم الله الرحمن الرحيم

ابتداء أدعو قبل التوغل أشواطا أخرى في طرح ماهو مطلوب من التيار الاسلامي الوسطي في المقبل من المراحل الى شيء من الانصاف عند تناول الأفكار وذلك بنسبة الاراء الى أصحابها وعدم التحرج في ذكر أسماء أصحاب الرأي المخالف

أما بعد
فكما هو معلوم أن النهضة التونسية توصلت الى خلاصات كثيرة والى قناعات راسخة الى أهمية الحوار الداخلي والتقويم ,بل انني أعتقد أن مسألة المراجعة واعادة النظر فيما ثبت عجزه من السياسات أصبحت تقليدا راسخا لدى هذا الحزب منذ أمد طويل
لكن المشكلة تكمن في أن مايتوصل اليه من خلاصات وقناعات داخل المؤسسات,يتحول مع الوقت الى واحة جميلة من التنظير الذي يعجز التيار عن تنزيله عمليا في أرض الواقع
وخذ على ذلك مثالا مااتفق عليه من محدودية المشاركة السياسية في انتخابات 89 ,لينقلب الأمر بعد ذلك الى مشاركة واسعة أدخلت حالة من الهلع على السلطة وبقية اطياف المعارضة
والمثال الثاني يتعلق بالتوافق منذ أواسط التسعينات على صحية التعدد الحزبي في الحقل الاسلامي ,لينقلب الأمر بعد ذلك الى خوف وتوجس من كل خلاف في الرأي قد ينشأ عنه التأسيس لمبادرة سياسية جديدة
وقس على ذلك مسائل تتعلق بالتدرج في التغيير وعدم التعجل في طلب المشاركة السياسية,ولكن ماكانت تؤول اليه الأمور غالبا هوالن! زول الى الميدان بكل الثقل السياسي
الاشكال في نظري المتواضع يطرح سؤال عمق الالتزام بالمقررات واللوائح التي تنبثق عن المؤتمرات أومايتوصل اليه داخل المؤسسات الأخرى كالتنفيذي والشورى من مقررات
وفي تقديري البسيط فان الأمر يعكس خللا فادحا في الديمقراطية الداخلية,حيث أن صوت الجسم الواسع لأبناء الحركة يبقى في كثير من الأحيان قابلا للتصرف من قبل هيئات مثل المكتب السياسي أو هياكل أخرى كمؤسسة رئاسة الحركة أو غيرها من المؤسسات
وهو مايؤدي في كثير من الأحيان الى غياب معاني الديمقراطية الداخلية بما يعنيه ذلك من تنفيذ أمين لمايطلبه الجمهور العريض لهذا التيار وهو مالايحصل في الممارسة
يمكن ا! لقول حينئذ أن من جملة ماهو مطلوب من الحركة الاسلامية في تونس هو التقيد بصوت الجماهير في الحزب وفي أوساط المحبين وعدم التعالي عليها في التنفيذ وذلكم على خلفية الزامية الشورى وعدم اخباريتها في فقه النهضة على ماأنا متأكد منه من خلال أدبيات هذا الحزب
النهضة اليوم مطالبة بمراجعة سلوكها بشكل عام تجاه أبنائها الذين دفعوا الضريبة الغالية سجنا وتشردا في المنافي وحرمانا من أبسط الحقوق البشرية, واظن أنه لاعاصم لها مما هي فيه سوى رب العالمين والأخذ باسباب الاصلاح الداخلي وعلى رأسها تجسيد الديمقراطية الداخلية والتي أقصد بها عدم التحرج من الراي المخالف وعدم المجاملة مع القيادة والالتزام الأمين برأي الجمهور
الديمقراطية التي عنيتها أيضا تقتضي أيضا تصحيح العلاقة مع مسألة الولاء
فليس من ينق! د رئيس الحركة او رئيس المكتب السياسي على سبيل المثال ,يصبح التعامل معه شيئا فشيئا مبنيا على قاعدة التشكيك في ولائه للجسم
ان قواعد التربية الديمقراطية تقتضي محاسبة المسؤولين ,وبناء عليه من حق المنخرطين في الحزب أن يحاسبوا مسؤوليهم عن الاخفاق والفشل وهو مالايحصل عمليا عبر التجريد من التجديد للمسؤولية,بل انه تاريخيا يقع التجديد وبشكل مستمر للصف المؤسس بمجرد استعادة مساحة من مساحات حرية العمل
ان الأحزاب الديمقراطية تحاسب على السياسات الفاشلة ,كما أنها تحاسب المسؤولين عن هذه السياسات الفاشلة ,فهل يحصل الجزء الثاني من عملية المحاسبة داخل الحركة الاسلامية عموما؟
الاخوة الكرام ,ثمة نهج تربوي خاطئ يسود عموم التيار الاسلامي المعتدل,وهو أن القادة ينظر اليهم في كثير من الأحيان عل! ى أنهم مشائخ ومربون ودعاة وربما علماء يستحقون الاتباع في السراء والضراء وكأنهم كيانات مقدسة ينبغي الانقياد وراءهم دون بصيرة أو عمق نظر,فان فازوا ونجوا فزنا من ورائهم ونجونا جميعا وان وقعوا في مهلكة هلكنا من ورائهم جميعا
لقد بات على النهضة كتيار وقع في كثير من الاخفاقات أن يراجع مسألة الديمقراطية الداخلية من خلال اعادة الاعتبار للفرد المناضل وعدم اتخاذه مجرد اداة اعتصام أو تجمهر أو تظاهر أو توزيع مناشير وانما كيان محترم له رأيه وتصوره وكل الحظوظ في أن يراجع من يقوده ويضع حدا لكل التجاوزات التي من شأنها الضرر بالفضاء العام والوطن وليس مجرد الجسم الحزبي الذي ينتمي اليه

وختاما أقول مستعينا في ذلك بالله :
لقد اخترت في هذا المقال أو الحوار أسلوبا صريحا لايعرف المجاملة وذلك حرصا مني على أمانة الكلمة وصدقها ووفاء مني لمن سقط في ساحات الشهداء أو دفع ضريبة الحرية سجنا أو منفى أو حرمانا من أبسط حقوق الانسان كالشغل والعمل والعلاج والتنقل الحر
فالى كل أولئك أهدي هذه الكلمات وأرجو بعدها وقبلها من الله سبحانه أن يصلح أحوال البلاد والعباد وعلى رأس كل هؤلاء دعاة الاصلاح

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم مرسل الكسيبي في 20-12-2005