نبيل القروي، صورة لأحمد زروقي

التقرير الذي نشر يوم الجمعة الماضي، يؤكّد أن البنك المركزي ووزارة المالية لم يتعاونا مع محكمة المحاسبات ولم يتخذا الإجراءات اللازمة للحيلولة دون التمويل الأجنبي للانتخابات. استنادا إلى أحكام الفصل 90 من القانون الانتخابي، الذي كلف البنك المركزي التونسي ووزارة المالية باتخاذ الإجراءات اللازمة بما يحول دون التمويل الأجنبي للانتخابات، “لم يتقيد البنك المركزي التونسي من جهته بأحكام الفصل 90 من القانون الانتخابي، الذي أوكل له مهمة الإشراف على عملية فتح الحسابات البنكية والسهر على عدم فتح أكثر من حساب لكل مترشح واتخاذ الإجراءات اللازمة بما يحول دون التمويل الأجنبي للانتخابات”. كما لم يتبين خلافا لأحكام الفصل 90 من القانون الانتخابي وضع وزارة المالية إجراءات للحيلولة دون التمويل الأجنبي للانتخابات الرئاسية لسنة 2019 بدورتيها.

الجرائم الانتخابية لنبيل القروي

استغل نبيل القروي المترشح للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها سنة 2019 جمعية “خليل تونس” وقناة “نسمة” بشكل مخالف للقانون، وجاء في التقرير أن مشاركة مترشح للانتخابات الرئاسية في إنجاز الأعمال الخيرية من شأنه أن يخفي حملة انتخابية سابقة لأوانها، وهو ما يخالف أحكام الفصل 18 من قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عدد 20 المؤرخ في 8 أوت 2014 والمتعلق بضبط قواعد تمويل الحملة الانتخابية. كما أنه تم الوقوف على تمويلات أجنبية مجهولة المصدر تم تحويلها إلى جمعية “خليل تونس” التي شارك في أنشطتها المترشح نبيل القروي، عن طريق منصة .Eurogiro وذلك في غياب أي تنصيص يتعلق بهوية المانح، حيث بلغت هذه التمويلات خلال سنوات 2017 و2018 و2019 ما قدره، على التوالي، 21.097 ألف دينار و57.955 ألف دينار و20.587 ألف دينار، بما يخالف أحكام الفصل 99 من القانون الأساسي عدد 26 المؤرخ في 7 أوت 2015 والمتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال.

في نفس الإطار، أكّد التقرير أنّ محكمة المحاسبات توصّلت، عبر مقارنة البيانات التي تحصلت عليها من مركز “إفادة” بخصوص أعضاء الهيئة المديرة للجمعيات مع قائمة أعضاء القائمات التشريعية، إلى وجود عدد من المترشحين للانتخابات التشريعية تجاوز 400 مترشحا ينتمون إلى هياكل تسيير جمعيات، وما يمكن أن ينجر عن ذلك من تداخل بين العمل الجمعياتي والعمل السياسي. وقد تبين كذلك، على سبيل المثال، أن رئيسة قائمة عيش تونسي المترشحة بالدائرة الانتخابية تونس 1 ترأس جمعية عيش تونسي التي تم إحداثها سنة 2018 وائتلاف عيش تونسي.

ضابط استخبارات إسرائيلي سابق يتدخل في الانتخابات

اتضح من خلال الأعمال الرقابية المنجزة وفحص الوثائق التي تحصلت عليها محكمة المحاسبات، والوثائق المدرجة بالموقع الالكتروني لوزارة العدل الأمريكية، وجود قرائن متطابقة حول تعاقد أشخاص وأحزاب مترشحة إلى انتخابات 2019، سواء بصفة مباشرة أو عبر وسطاء، مع شركات أجنبية قصد الضغط وكسب التأييد لصالح مرشحين بعينهم خلال الفترة الانتخابية. في هذا الإطار، تفيد الوقائع التي تم الوقوف عليها من خلال الأعمال الرقابية إبرام عقد تأييد مع شركة اللوبيات الكندية “Dickens and Mason”. التي يديرها ضابط  المخابرات الإسرائيلي السابق آري بن ميناشي بتاريخ 19 أوت 2019 بقيمة حوالي 2,85 مليون دينار، ما يقارب مليون دولار أمريكي، لفائدة نبيل القروي. ويهدف هذا العقد لتمكينه، بصفته مترشحا للانتخابات الرئاسية، من كسب التأييد من قبل الهياكل والمنظمات الدولية وعقد لقاءات مع الرئيس الأمريكي وكبار المسؤولين الأمريكيين قبل تاريخ الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية. وقد ثبت لمحكمة المحاسبات من خلال أعمال التقصي التي قامت بها أنه تم تحويل جزء من هذا المبلغ بقيمة 427,5 ألف دينار، ما يقارب 150 ألف دولار أمريكي، بتاريخ 1 سبتمبر 2019، من الحساب البنكي لزوجة نبيل القروي المفتوح لدى بنكHSBC  بدبي، وغير المصرح به لدى البنك المركزي التونسي، والمتهم دوليا بتبييض الأموال. بذلك، تصل قيمة الأموال المدفوعة من قبل حملة نبيل القروي لشركة ديكنز آند مايسون 712.6 ألف دينار تونسي، ما يعادل 250 ألف دولار أمريكي. وثبت من خلال الأعمال الرقابية أن المبلغ الذي تم تحويله لفائدة الشركة الأجنبية لم يكن مصدره تونسيا حيث أكد البنك المركزي التونسي ضمن مراسلته المؤرخة في 11 ديسمبر 2019 أنه لم يتم تسجيل أي عملية تحويل أموال تعود للمعنية بالأمر إلى الخارج من قبل الوسطاء المقبولين لديه، وأنه لا يتوفر لديه معلومات تفيد حيازتها لحسابات بنكية بالعملة الصعبة بالخارج.

لماذا صمتت النيابة العمومية؟

لقد ثبت بشكل قاطع لدى محكمة المحاسبات، أن المترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة نبيل القروي حصل على تمويل أجنبي سدد به فاتورة رجل المخابرات الإسرائيلي السابق آري بن ميناشي لدعم ترشحه، إذ تعتبر الأموال مجهولة المصدر في الحملات الانتخابية جرائم انتخابية موجبة للتتبع. السؤال المطروح هنا، لماذا لم تقم محكمة المحاسبات بواجب إعلام النيابة العمومية فور حصولها على المعلومة المؤكدة  بخصوص اكتشاف جرائم ماليّة قبل إعداد التقرير بأشهر؟ ولماذا لم تتحرك النيابة العمومية للقيام بالدعوى العمومية فور علمها، وفي أسوأ الحالات فور نشر هذا التقرير؟

لقد كشف تقرير محكمة المحاسبات أن الانتخابات التشريعية لسنة 2019 تلوّثت بدورها بالمال الأجنبي، حيث حامت شبهات حول ستة مترشحين للانتخابات منهم من فازوا بمقاعد بالبرلمان. وقد كان هؤلاء محل تتبع من قبل لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي قبل خوض الانتخابات. وجاء ضمن جدول تفصيلي في تقرير المحكمة، أن هنالك مرشحين تداولوا مبالغا تقدر بمليون دينار منهم من عرفت حساباته البنكية تحويلات مالية ضخمة بالعملة الصعبة. وكانت اللجنة التونسية للتحاليل المالية أفادت أن ستة مترشحين للانتخابات التشريعية يمثلون خمس قائمات فائزة وقائمة غير فائزة تعلقت بهم تصاريح بالشبهة قبل سنة الانتخابات أو خلالها.

ومن بين المترشحين الستة من هو مدرج بقاعدة لجنة التحاليل المالية بسبب شبهات تتعلق باستعمال بطاقات بنكية قصد التحيل وغسل الأموال وتكوين مكاسب بالخارج على غير الصيغ القانونية.