أصدرت المحكمة الابتدائية بصفاقس حكما يقضي بسجن الناشطة مريم البريبري مدّة 4 أشهر وتسديد غرامة ماليّة بقيمة 500 دينار. وتعود أطوار هذه القضيّة إلى أكتوبر 2020، حيث تقدّم أحد أعوان نقابة الأمن في صفاقس بشكاية ضدّ الناشطة على خلفيّة نشرها مقطع فيديو على صفحتها بفايسبوك، انتقدت فيه سلوك عون أمن إزاء مواطن.

توظيف مُمنهج واستخدام كتهمة كيديّة

عبّرت منظّمات دوليّة ووطنيّة في أكثر من مناسبة عن قلقها إزاء التوظيف المُمنهج لقضيّة هضم جانب موظّف عمومي واستخدامها كتهمة كيديّة إزاء “من يُعكّر صفو النّظام العامّ”. حيث دعت منظّمة هيومن رايتس ووتش في 2017 البرلمان التونسي إلى إلغاء الفصل 125 من المجلة الجزائية “لأنه يُهدّد حقوق الإنسان بطرق شتى”. فهو لا يعرّف الممارسات الّتي تُعتبر هضما لجانب موظّف عمومي، ممّا يفتح باب التأويل ويُقيّد، تبعا لذلك، الحريّات. فيما أصدرت منظّمة العفو الدّولية في نوفمبر 2020 تقريرا حول القوانين المُستخدمة لقمع حرية التعبير في تونس رصدت فيه حالات إيقاف عدد من المواطنين على معنى الفصل 125 من المجلّة الجزائيّة بسبب نشرهم مقاطع فيديو تنتقد ممارسات السلطة المحلّية. كما أنّ توظيف الفصل 125 من المجلّة الجزائيّة من طرف قوات البوليس لقمع المحتجّين من شأنه تكريس اللامساواة بين المواطنين أمام القانون، لأنّ “الشاكي هو من يثير الدّعوى العموميّة، وهو من يمارسها” وفق ما ذكره الأستاذ ياسين عزازة. وفي ذلك تضارب للمصالح من ناحية، لأنّ البوليس خصم وحكم في آن واحد، فهو الشاكي وهو الّذي يثير الدّعوى العمومية، ومن ناحية أخرى يُشرّع لنوع من اللا مساواة أمام القانون، وهو ما يتعارض مع الفصل 21 من الدستور الّذي يكرّس المساواة التّامة أمام القانون بين كلّ المواطنين دون تمييز.

وقد تقدّمت “نواة” بمطلب نفاذ إلى المعلومة إلى وزارة حول عدد القضايا المفصولة في جريمة هضم جانب موظّف عمومي منذ 2011 إلى غاية 2021، فكانت إجابتها كالتالي:

المجلّة الجزائيّة: تركة ثقيلة

تُعدّ المجلّة الجزائيّة القانون الأساسي للجرائم والعقوبات في تونس. وقد تمّ إحداثها بمقتضى أمر عليّ صدر في عهد محمّد الناصر باشا بتاريخ 9 جويلية 1913، وتمّ تنقيح العديد من فصولها، لعلّ أبرزها الأحكام المتعلّقة بجرائم الاغتصاب والتحرّش الّتي تمّ إدراجها في القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة. ولكنّ عددا من الفصول الّتي تطرح إشكالا لم يتمّ إعادة النّظر فيها،  منها الفصل 125 الّذي يتحدّث عن هضم جانب موظّف عمومي.

كيّف فقه القضاء الجزائي جريمة هضم جانب موظّف عمومي على أنّها تعني احتقار وظيفته أو المسّ بشرفه أو كرامته. وينصّ الفصل 125 من المجلّة الجزائيّة على ما يلي:

 يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا كل من يـهضم جانب موظف عمومي أو شبهه بالقول أو الإشارة أو التهديد حال مباشرته لوظيفته أو بمناسبة مباشرتها.

ويُعرّف الفصل 82 من المجلّة الموظّف العمومي على أنّه “كل شخص تعهد إليه صلاحيات السلطة العمومية أو يعمل لدى مصلحة من مصالح الدولة أو جماعة محلية أو ديوان أو مؤسسة عمومية أو منشأة عمومية أو غيرها من الذوات التي تساهم في تسيير مرفق عمومي”. فيما ” يُشبَّه بالموظف العمومي كل من له صفة المأمور العمومي ومن انتخب لنيابة مصلحة عمومية أو من تعيّنه العدالة للقيام بمأمورية قضائية”. فصفة الموظّف العمومي تنطبق على كلّ من يعمل لدى المصالح والإدارات والمرافق العمومية للدولة، ولكنّ الفصل 125 “يتمّ توظيفه سياسيّا، وتستفيد منه قوات الأمن في مقام أوّل، وبدرجة أقلّ القضاة”، وفق ما ذكره المحامي ياسين عزازة لنواة. فعادة ما يتمّ تلفيق تهم كيديّة في شأن الصحفيّين والناشطين الحقوقيّين خلال الاحتجاجات لقمع المتظاهرين ونشر الخوف من ممارسة حريّة التّظاهر السّلمي والتّعبير.

وفي سلسلة الإيقافات الأمنية، تقترن تهمة هضم جانب موظّف عمومي بتهم أخرى، تتعلّق بنسبة أمور غير قانونية لموظّف عمومي على معنى الفصل 128 من المجلة الجزائيّة، أو القذف وادّعاء ما من شأنه أن يهتك شرف شخصيّة رسميّة بمقتضى الفصل 245 من نفس المجلّة، أو الإساءة إلى الغير عبر الشبكات العمومية للاتصالات المُجرًّمة بالفصل 86 من مجلّة الاتّصالات. وهي فصول تتضارب مع دستور 2014 الّذي خصّص بابا كاملا تعهّدت فيه الدّولة بحماية حريّة التعبير. فكيف يمكن لنصوص أقلّ مرتبة من الدستور أن تتضارب معه؟ “لو كانت هناك محكمة دستورية لسقطت هذه القوانين لمخالفتها الدّستور”، يقول الأستاذ عزازة لنواة.