معلقة تشكل تجاوزاً لقواعد الحملة الإنتخابية. تونس، جويلية 2022

انطلقت حملة الاستفتاء على مشروع الدستور الذي اقترحه قيس سعيّد يوم 3 جويلية، قبل اثنَين وعشرين يومًا من تاريخ الاقتراع. حملة على شكل مسار ينطلق قبل فترة من تاريخ الاقتراع، يُعرّفها القانون الانتخابي في فصله الثالث على أنّها “مجموع الأنشطة التي يقوم بها المترشحون أو القائمات المترشحة أو مساندوهم أو الأحزاب خلال الفترة المحددة قانونا، للتعريف بالبرنامج الانتخابي أو البرنامج المتعلق بالاستفتاء باعتماد مختلف وسائل الدعاية والأساليب المتاحة قانونا قصد حث الناخبين على التصويت لفائدتهم يوم الاقتراع”. وتخضع الحملة إلى مبادئ حياد الإدارة وشفافية الحملة ومصادر تمويلها وتكافؤ الفرص بين المترشّحين، وهو ما لم تلتزم به الأطراف الدّاعمة لمشروع الاستفتاء، وفق ما لاحظه عدد من المراقبين والخبراء في المجال الانتخابي.

نسق بطيء للحملة وخروقات جسيمة

“حملة الاستفتاء ضعيفة، ونسقها بطيء. جداول الحملة ليست موزّعة على مختلف الدّوائر. لاحظنا أيضا مواكب لسيارات إدارية تشارك في حملة دعم الاستفتاء، وصفحة إحدى المندوبيات الجهوية تنشر تهنئة على صفحتها الرسمية في فايسبوك وتضع علامة “نعم” في المنشور ذاته، إلى جانب اللافتات الإشهارية كبيرة الحجم داخل مناطق العمران في حين أنّ أبعاد المعلّقات لا يجب أن تتجاوز 29/42 سنتيمترا A3″، تقول رجاء جبري، رئيسة شبكة مراقبون” المختصّة في ملاحظة الانتخابات لنواة، في حين يمنع القانون الانتخابي الإشهار السياسي الّذي يهدف إلى”استمالة الناخبين أو التأثير في سلوكهم واختياراتهم عبر وسائل الإعلام […] أو عبر وسائط إشهاريّة ثابتة أو متنقلة، مركزة بالأماكن أو الوسائل العمومية أو الخاصة”.

وعبّرت المنظّمة عن موقفها إزاء “تراخي” الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تطبيق القانون على المخالفين لتراتيب الحملة في بيان صدر يوم 14 جويلية، ندّدت فيه باقتصار هيئة الانتخابات على “التذكير عبر صفحتها الرسمية على منصة فايسبوك بالقانون الانتخابي ودعوة هيئاتها الفرعية لاتخاذ الإجراءات القانونية في شأن هذه المخالفات دون القيام بأي اجراء فعلي”.

“هيئة الانتخابات اكتفت بالتنبيه، والمعلّقات ما زالت موجودة إلى الآن!” تستنكر رئيسة شبكة مراقبون، مضيفة أنّه تمّ رصد عديد المعلّقات في “المنار وبن عروس والمرسى وحي الخضراء وغيرها”.

معلقة في دار تونس بباريس تجسد عدم إحترام مبدأ حياد الإدارة

إضافة إلى اعتماد لافتات كبيرة الحجم، لم يتمّ إلى الآن تحديد سقف الإنفاق الانتخابي الّذي يُحدَّد وفق الفصل 81 من القانون الانتخابي بأمر حكومي، بناءً على عدد من المعايير من بينها خاصةً حجم الدائرة الانتخابية وعدد الناخبين فيها وكلفة المعيشة. “يجب أن نعرف حجم المبالغ التي دفعها أنصار الاستفتاء لوضع تلك اللافتات”، تقول رجاء الجبري لنواة.

كما ارتكبت رئاسة الجمهورية مخالفة انتخابيّة تتمثّل في نشر مذكّرة تفسيريّة يوم 5 جويلية، أي بعد يومين من انطلاق الحملة، “توضّح محتوى النص المعروض على الاستفتاء وأهدافه”، دعا فيها رئيس الجمهورية مباشرة إلى التصويت بنعم على مسودّة الدستور، وهي وثيقة لا تخلو من الجانب الدّعائي. وفي وقت سابق، أبدى وزير الشباب والرياضة مساندته لمشروع الدستور في حوار إذاعي، وهو ما يُعدّ خرقًا لمبدإ حياد الإدارة، ممّا يُحتّم على وسائل الإعلام مزيدًا من اليقظة في مراقبة المحتوى.

الإعلام العمومي: الهايكا ورصد المخالفات

“مبدئيّا لم نسجّل خروقات جسيمة، في انتظار صدور تقريرنا الأوّلي المتعّلق برصد الأسبوع الأول من حملة الاستفتاء”، يُصرّح نجيل الهاني، مدير وحدة الرصد بالهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري لنواة، موضّحًا أنّ مسألة رصد المحتوى الإعلامي في هذا الظّرف معقّدة، نظرا لأنّ رئاسة الجمهورية تمارس نشاطها المعتاد الّذي تغطّيه وسائل الإعلام وترصده الهيئة، وفي الوقت ذاته هي صاحبة المشروع السياسي.

إذا تناول رئيس الجمهورية أو أحد أعضاء الحكومة موضوعًا يتعلّق بنشاط رسمي يتمّ احتسابه. ولكن لاحظنا أنّ أحد الوزراء (يقصد وزير الشباب والرياضة) ثمّن فصولا في مشروع الدستور، وهو ما يُعتبر دعاية سياسيّة،

يضيف مدير وحدة الرّصد.

من ناحية أخرى، أصدرت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات يوم 7 جويلية بيانا عاينت فيه “انخراط صحفيين ومعلّقين في بعض القنوات الإذاعية في حملة الاستفتاء وإخلالهم بواجب الالتزام بمبادئ الموضوعية والحياد”، واعتبرت أنّ في ذلك “خروقات جسيمة” للقانون. وتعليقا على ذلك، يرى نجيل الهاني أنّ “المعلّقين التلفزيّين والإذاعيّين في التجارب المقارنة يكونون مختصّين في مجال معيّن، ويقدّمون خبراتهم ووجهات نظرهم في هذا الإطار. ولكنّ الوضع في تونس يختلف، فمن الممكن أن تكون للمعلّق خلفيّة سياسيّة معيّنة”.

وإلى حدّ الآن، لم تتمّ ملاحظة خروقات جسيمة تخصّ الإعلام العمومي واستغلاله للحثّ على التصويت بنعم للاستفتاء. ووفق مدير وحدة الرصد، فإنّ التلفزة الوطنية خصّصت برنامجًا لتفسير بعض فصول الدستور، دون الحثّ على التصويت لفائدتها.

مع اقتراب موعد التصويت على مسودّة الدستور الجديد، تتزايد الضغوطات على هيئة الانتخابات للقيام بدورها وتحسين أدائها، خاصّة مع صعود خلافاتها الداخليّة إلى السطح وتوجه منظمات مثل أنا يقظ والنساء الديمقراطيات إلى القضاء، رفضا لجملة الخروقات وغض طرف الهيئة عنها وانخراطها في الدعاية للتصويت بنعم. هذا الارتباك يعزز المخاوف حول سلامة الإجراءات ونزاهة المسار برمته، ويحول الأنظار إلى القضاء وما بقي له من سلطة وهيبة مجتمعية وضعها الرئيس سعيد على المحك بعد حملاته المتواصلة على مرفق العدالة التونسية.