بعد مرور 40 سنة، يمكن القول أن يوم الخميس 26 جانفي 1978 شكّل لحظة تاريخية تكثفت فيها تعقيدات الواقع التونسي بأنحائه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. منظومة الحكم تسخّر أجهزتها الأمنية والقضائية والإعلامية من أجل الإجهاز على حالة شعبية منتفضة، غذّاها الإضراب العام الذي دعى إليه الاتحاد العام التونسي للشغل والذي كان أشبه بسَكب الزيت على نار مشتعلة منذ زمن. الإدارة النظامية لحدث التمرد الشعبي والنقابي اتخذت شكل الجريمة التاريخية، التي استقرت في الذاكرة الجمعية رغم إرادة الطمس. جزء من معالم الجريمة تفصح عنه دفاتر النظام نفسه، وهنا يبرز نص الحكم الصادر عن محكمة أمن الدولة ضد النقابيين، أول أكتوبر 1978، كإحدى الوثائق الكاشفة عن طبيعة منظومة الحكم وأدواتها في إدارة الصراع الاجتماعي والسياسي.
