لا تقتصر المشاكل المتعلّقة بمسار تنظيم هياكل السلطة المحلية وصلاحياتها وطرق تسييرها لتحقيق اللامركزية والديمقراطية المحلية على مدى تعطّل النقاشات البرلمانية حول مجلّة الجماعات المحليّة أو مدى تقدّم تجهيز وإعداد البلديات المحدثة. إذ على غرار ما شهدته ولاية تطاوين من احتجاج أهالي بلدية تطاوين الجنوبيّة على خلفيّة تعارض رغبات أهالي العمادات حول تسمية البلدية (شننّي الديورات) تشهد عمادة سيدي علي بن سالم في ولاية القيروان حالة تململ ورفض لقرار إحداث بلديّة عبيدة الذّي اعتبروه مسقطا من السلطة المركزيّة التّي تجاهلت جميع الاعتبارات التاريخية والتقنية والجغرافية التي تجعل من عمادتهم أحقّ بالبلديّة الجديدة.
سيدي علي بن سالم ترفض قرار التقسيم البلدي
المنشور الصادر في الرائد الرسمي بتاريخ 26 ماي 2016 والقاضي بإحداث بلديّة جديدة مقّرها عمادة عبيدة من ولاية القيروان كان القادح لموجة استنكار ورفض من أهالي عمادة سيدي علي بن سالم الذّين تمّ إلحاقهم بالمجال الترابي للبلدية الجديدة رفقة همّاد والكرمة.
وتعود حيثيات التقسيم البلدي الجديد إلى مسار اللامركزيّة والإعداد للانتخابات البلديّة المبرمجة بتاريخ 17 ديسمبر 2017، حيث تمّ إحداث سبع بلديات جديدة في ولاية القيروان وفقا للأمر الحكومي عدد 601 لسنة 2016 مؤرخ في 26 ماي 2016. هذا القرار الذّي تمّ بموجبه حسم مسألة التقسيم البلدي والترابي للبلديات المحدثة في انتظار تركيز البلديات الجديدة وتأهيلها، جُوبه بموجة رفض من أهالي سيدي علي بن سالم التابعة لبلدية عبيدة وفق التقسيم الجديد. في هذا السياق أشار محمد بن حمودة، رئيس المجلس القروي لسيدي علي بن سالم سابقا، أنّ “معتمد الشبيكة ووالي القيروان سدّوا أفق الحوار والتفاوض من أجل مراجعة قرار التقسيم الجديد”، مؤكّدا أنّ المسؤولين في مركز الولاية أكّدوا لهم استحالة إلغاء تركيز مقرّ البلدية الجديد، خصوصا مع انطلاق أشغال الإنشاء وإصدار البطاقات الوصفيّة والاعتمادات الماليّة. ليضيف هذا الأخير أنّ المطالب تحوّلت من إعادة النظر في الأمر الحكومي عدد 601 إلى إصدار قرار جديد بإحداث بلديّة أخرى بالإضافة إلى عبيدة يكون مقرّها سيدي علي بن سالم.
موجة الرفض التي قوبل بها الأمر الحكومي المذكور لم يقتصر على التفاوض واللقاءات الثنائيّة بين المسؤولين الجهويّين وممثّلي عمادة سيدي علي بن سالم. إذ دفعت سياسة التجاهل ومحاولة إجبار الأهالي على قبول الأمر الواقع إلى تصعيد الرفض وترجمته إلى تحرّكات احتجاجيّة ومواجهات مع قوّات الأمن، إذ عمد متساكنو المنطقة في 15 مارس الفارط إلى غلق الطريق الرابط بين القيروان وحاجب العيون ومقاطعة الدروس في المدارس الابتدائيّة والمعاهد الثانوية، وهو ما أدّى إلى تدخّل قوّات الأمن لفضّ الوقفة الاحتجاجيّة باستعمال الهراوات وقنابل الغاز المسيّل للدموع. وقد أدّت المواجهات حينها إلى إيقاف 23 فردا تمّ إخلاء سبيل معظمهم فيما بعد.
تواصل التجاهل الرسمي لمطالب أهالي سيدي علي بن سالم وفشل جلسات الحوار مع والي القيروان فرض على أهالي المنطقة اتخاذ قرار مقاطعة الانتخابات البلدية المقبلة حسب ما أكّده رئيس المجلس القروي السابق محمد بن حمودة، واعتبر هذا الأخير أنّ مسار اللامركزيّة والديمقراطيّة المحليّة صار لا يعنيهم بعد أن تعرّضوا إلى هذه المظلمة التي فرضت عليهم قرارات أقصت رغبات المجتمع المحليّ وتجاهلت مطالب يعود تاريخها إلى عشرين سنة خلت.
بين منطق الدولة ومتطلّبات المواطنين: اللامركزيّة المُسقطة تنسف الديمقراطيّة المحليّة
تخضع عمليّة التقسيم البلدي بالضرورة إلى محدّدات واضحة كالمؤشّرات التنموية والديمغرافية والثقافية والتي تهدف بالأساس إلى تقريب الهياكل المحليّة من المواطنين وتشريكهم في إدارة الشؤون السياسيّة والاقتصادية التنموية للدوائر البلدية المنتمين إليها. من هذا المنطلق نشأ ما يمكن تسميته بمأزق “سيدي علي بن سالم”، حيث تعارض قرار التقسيم مع رغبة متساكني هذه العمادة مفسحا المجال أمام ارتدادات أخطر على غرار تنامي النزعات القبليّة ومراكمة الخلافات بين مختلف مواطني العمادات المكوّنة لبلدية عبيدة المُحدثة.
تعتمد الدولة في تبريرها لقرار التقسيم على مبدأ التمييز الإيجابي وانعكاسات إحداث البلديات على المسار التنموي لمنطقة ريفيّة وفلاحيّة بالأساس كعمادة عبيدة. وفي المقابل يتمسّك أهالي سيدي علي بن سالم بأحقيّتهم بالمقرّ البلدي لعدّة اعتبارات تاريخيّة وديمغرافية وجغرافيّة. إذ يرتكز مواطنو هذه العمادة على أسبقيّة منطقتهم بقرار إحداث المجلس القرويّ وذلك منذ سنة 1995 وفق الأمر الحكومي الصادر في الرائد الرسمي بتاريخ 23 ماي 1995. وهو ما انعكس على التهيئة العمرانية للعمادة والتطوّر النسبي لبناها التحتيّة على غرار الربط بشبكة المياه الصالحة للشراب والتنوير العمومي والمراكز الصحية والمنشآت التعليمية والثقافية. أمّا على المستوى الجغرافي، فيرتكز دفاع متساكني سيدي علي بن سالم عن مطلبهم على مثالية موقع العمادة مقارنة بعبيدة. وهو ما توضّحه الخريطة المرفقة، حيث تتوسّط بن سالم باقي العمادات على غرار همّاد والكرمة وعبيدة، في حين يقع المقرّ البلدي الجديد في أقصر شرق الدائرة البلديّة بمسافة تتجاوز 25 كم عن الطرف الغربي وعمادة الكرمة، وهو ما اعتبره الأهالي تجاوزا لقاعدة تقريب الهياكل البلدية والمصالح الحكومية من المواطنين.
أمّا على الصعيد الديمغرافي فيتمسّك رئيس المجلس القروي محمد بن حمودة ببطلان التعداد السكني الأخير مشيرا إلى أنّ ما ورد من معطيات في تقرير التنظيم البلدي الأخير الصادر في ماي 2016 يعتمد إحصائيات تعود إلى سنة 1994 حسب تأكيده، ليذهب محدّثنا إلى أنّ عمليّة التقسيم البلدي خاضعة بأسرها لمنطق المحاصصة السياسيّة بين الأحزاب الكبرى المراهنة على الانتخابات البلدية المقبلة.
القرار الأخير لمتساكني عمادة سيدي علي بن سالم المتمثّل في مقاطعة الانتخابات البلديّة، يسلّط الضوء على مسار اللامركزيّة برمتّه والذّي حمل وعودا ومضامين كبرى تتعلّق بدمقرطة إدارة الشأن المحليّ وكسر احتكار الخيارات السياسية والتنموية كمقدّمة لإنهاء نموذج الدولة المركز التي أدّت إلى اختلال شاسع بين المركز والأطراف. لكنّ إصرار السلطات المركزية والجهويّة على فرض قرارات التقسيم وتجاهل مطالب المجتمعات المحليّة وحاجياتها الخاصّة تؤكّد تلكؤ الدولة المركز في المضيّ قدما في هذا المسار خصوصا مع تواصل الجدل القائم حول الاعتمادات المالية للبلديات وإعادة النظر في توزيع الموارد الجبائيّة للدولة لصالح الجماعات المحليّة.
iThere are no comments
Add yours