بقلم: فوزي الصدقاوي

إعتاد الحقوقيون في بنزرت أن لا يتخلّفوا يوم العيد عن تهنأة عمّ علي بن سالم رئيس فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ، ولم يكن ذلك في يوم خروج عن مألوف الناس و لا مروق عن« تقاليدنا الوطنية» غير أنه منذ أن تقرر غلق بوابات الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ، مقرها المركزي بتونس ومقراتها الفرعية في الجهات، في سبتمبر 2005، صار مقر فرع الرابطة ببنزرت ممنوع عن رواده وصار محل سكنى عم علي بن سالم (الطابق الأول، فوق مقر فرع الرابطة ببنزرت) ممنوع عن زوّاره ، ممنوع عن أقربائه وأبنائه وحفدته.

ولأن السلطات الأمنية صارت بفعل قرارات الغلق تلك ، تعتبر وضع اليد على باب منزل عمّ علي أو حتى الإقتراب من جدرانه ، إعتداء على هيبتها وعدم امتثال لأوامرها ، وجندت لتنفيذ الأمر عشرات من أعوانها لمراقبة المنزل ليل نهار، باتت وجوه الأعوان «معالم للطريق» و وهوامهم أكسيسورات الحيّ ، يرمقها بعين كل مارق بشارع فرحات حشاد .

ولأن عم علي بن سالم هو بالتعريف رئيس فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ،ورئيس ودادية قدماء المقاومين ولأنه عضو مؤسس للمجلس الوطني للحريات وعضو مؤسس ونائب رئيس لجمعية مقاومة التعذيب ولأنه أيضاً عضو في منظمة العفو الدولية –فرع تونس ولأنه عضو هيئة 18 أكتوبر المركزية للحقوق والحريات ،ولأنه بكل حال رجل عند النوازل وقبلها وفارس الميادين عند التظلمات وبعدها ولأنه أينما حلّ تدثر مَنْ حَولَهُ بالتاريخ و تفيأ بظله ، فقد كان كلما عزم الحضور في إجتماع من إجتماعات تلك الجمعيات التي أسهم في تأسيسها، لاحقته فلول البوليس عند المعابر بين بنزرت وتونس ومنعته من «مجاوزة الحدود » .

ولأن الرجل كان له ضد الإستعمارالفرنسي مواجهات وضد النظام السابق جولات وضد النظام اللاحق صولات ، فقد صدرت في حقه « فَـرَمَاناتٌ » أن يُضرب الحصار من حوله ويُعزل عن الخلائق وتُـكال ضده التهم والإدانات، فيُحرَم من الشغل ويُطرد وتقطع عنه جراية التقاعد وتسحب منه بطاقة المعالجة.. ويُستهدف، في «البلد الأمين والركن المتين»، بالاغتيال في مناسبات كثيرة، فيُـكسر ظهره وتخلع يديه.

لأجل ذلك وغيره ، جعل المناضلون من أبناء بنزرت، بعد غلق مقر الفرع ، من معايدة عم علي بن سالم مهمة نضالية سنوية ، فليس أقل من ذلك واجب أن يتوافد الناس على منزله ليقولوا للرجل«عيدك مبروك عمّ عليّ» ثم يغادروا .غير أن رجال الأمن ،تهيؤوا في صبيحة هذا العيد من يوم الجمعة 12 أكتوبر2007 ، ككل يوم عيد ، عند باب المنزل يمنعون القادمين من الإقتراب من الباب ، مؤكدين أنه لايمكن لأحد، كان من كان ، أن يجاوز باب منزل عم عليّ ، وأنه« لِـيُسمِِع الداني منكم القاصي ولـيُعلِمُ الحاضرُ منكم الغائب » أن :«الوصول إلى عم عليّ بن سالم ممنوع وأن المعايدة . .أيضاً ممنوعة ».

لم يرق ذلك للمناضلين من أبناء بنزرت ، فقرروا الدخول عنوة ، كان جدار الصد محصناً بعضلات بشرية ، تُغلّق عليهم الممر و تسد في وجوههم الباب وتمنع عنهم القفز فوق حصونهم ، فراحوا كما هي العادة عند انسداد الطرق ، يرفعون الشعار تلو الشعار معلنين بصوتٍ ، إندهش لسماعه مئات المارة ، المترجلين منهم والمستقلين للسيارات وركاب الحافلات ، والجيران من على الشرفات

:« حريات..حريات.. لا رئاسة مدى الحياة »

كان التدافع شديدا لكنه على درجة معقولة من الإنضباط من جهة أبناء بنزرت من المناضلين الذين لم يبدؤوا الدفع ولم يجتهدوا في إختراق جدار الصد و فك «المتاريس البشرية» إلا بعد أن حيوا أعوان الأمن وقدموا لهم تهنئة العيد .

ففي مثل هذا العيد يعلم الجميع أن «التعليمات» هي وحدها التي فرّقت أبناء الوطن الواحد ، فالمواجهات المتكررة ، في الفضاءات العامة ، منذ سبتمبر 2005 بين المناضلين وأعوان الأمن ، كشفت عن ذلك البعد الإنساني الغائب في معادلة الصراع ووهجه، فبدلاً من أن يقضي رجال الأمن في صبيحة ذاك العيد ساعات من الإنشراح بين أهاليهم ، يصطحبون صغارهم إلى ملاهي الأطفال ويتنقلون بهم لمعايدة الأهل والأقارب ، ستسرِق منهم تلكم «التعليمات» عيدهم وفرحة أطفالهم وستنزع عنهم تلك المهمات، الإحساس باليوم والطمأنينة للغد. لتضعهم قسراً على عتبات شيخ الحقوقيين عم علي بن سالم، يمنعون عنه البسمة و ويحرمونه حق التلذذ بفرحة العيد هو ومن يأنس من أهل بيته ورفاقه وأبنائه وأحفاده ، لكنهم مع كل ذلك لن يُخفي أياً من أعوان الأمن ما تعتمل به نفسه من رغبة في أن يَـقبـَل عم عليّ منهم تهاني العيد وأن يصفح عنهم خضوعهم وخنوعهم لتعليماتٍ فقدت معناها وخبا بريقها و نزعت عنهم طعم العيد ومذاقه .

لم تمنع« التعليمات» في غفلة من «صاحب التعليمات» ، أبناء الوطن الواحد من أن تتصافح أيديهم مُهنئين بعضهم بعضاً بالعيد، فالعيد في«تقاليدنا الوطنية» عيد لأجل التسامح ووصل أرحام الوطن ، ولأن الذين يَسرُقون كل سنة أعياد عمّ علي بن سالم «بتعليماتهم» ، لايزالون يسرقون أعياد آلاف من السجناء السياسيين وعائلاتهم كل يوم .ولأن الذين يسمحون لأنفسهم أن يكونوا متاريساً في النهار وأسواطاً تسلخ جلود الأبرياء بالليل و يحلفون لك بالله أنهم: [وطنيون[+] زائد تعليمات بوليسية] فإنه ليس لهم ، والعيد عيد التسامح ،إلا واجب المعايدة ، لكن معايدة من موقع الخنادق المتقابلة ، ثم ليلزم كلٌ موقعه وليبدأ النزال و لتُـرفع الأصوات مجدداً:

« حريات.. حريات.. لا رئاسة مدى الحياة».

Sadkaoui.fwz@gmail.com