حوار مع الصحفي عبد الله الزواري القيادي الإسلامي المنفي في وطنه

الجزء الثالث

حاوره فوزي الصدقاوي

Sadkaoui.fwz@gmail.com

7.على إثر خروجكم من السجن لاحقـتْـكم السلطة وعَطّلت نشاطكم وجرى ترحيلكم إلى السجن الأكبر، كيف دافعتم عن قضيتكم و ضمن أي مسوغات مارست السلطة قرار نفيكم ؟

أنا محكوم بأَحَدَ عشر سنة، لكن المدة التي قضيتها هي أحدَ عَـشَر سنة وثلاثة أشهر وخمسة عشر يوماً، أي قضيت ثلاثة أشهر وخمسة عشر يوم إضافية ، فالسلطة السياسية التي تسن القوانين في البلاد هي أول من ينتهكها، ففي عهد بورقيبة إن تم إيقاف أحد يوم 15 من الشهر مثلاً ، فسوف يتم خصم مدة الإيقاف من مدة الحكم. ولأن السلطة الحالية تتظاهر بإحترامها لحقوق الإنسان والمواثيق والعهود الدولية والإجراءات الجزائية وقع سن في بداية التسعينات من القرن الماضي،الإيقاف التحفظي بمدة عشرة أيام ، لكن السلطة التنفيذية ستجد نفسها أمام معضلة فالإيقاف التحفظي القانوني عشرة أيام وبعض الموقوفين قضوا بالإيقاف شهر أو شهرين .وحتى يقع إحترام قانون الإيقاف التحفظي ، يقومون بإخراج السجين في اليوم العاشر إلى ساحة منطقة الأمن أو مركز الشرطة ليلتقي بعائلته ويُسجلون إطلاق سراحه في يومه ذاك ، ثم يُعَادُ إلى السجن ويُسَجـَل إيقافه من جديد وبتاريخ جديد، فأنا مثلاً تم إيقافي في21 فيفري1991 لكن في محضر التحقيق يسجل إيقافي بتاريخ 6 جوان1991 ، وبذلك دفعت ثلاثة أشهر ونصف إضافية على مدة الحكم المقررة من قبل المحكمة . وبعد إحدى عشر سنة في عزلة سجنية مغلظة ، لايرى المرء من وجوه الأدميين غير وجه السجان ، يخرج إلى المجتمع بنية تدارك ما فات ويُصلح ما أفسدته السلطة السياسية في عائلته طوال تلك السنين ،خرجتُ بنية إستعادة علاقاتي العائلية والإجتماعية والجمعياتية وغيرها بقصد العيش حياة عادية ، لكن السلطة كان لها رأي أخر ، فالإبادة التي لم تتحقق من خلال قرارات المحاكم بإصدار أحكام الإعدام في مرحلة أولى ثم بالتدمير المنهجي في مرحلة ثانية في السجون التونسية من خلال التراتيب والسياسات التي تم تنفيذها على السجناء ، سيتم في مرحلة ثالثة ملاحقة السجين خارج السجن بعدد من الإجراءات المجحفة.

ففي حقي مثلاً إتخذتْ السلطة السياسية والإدارية قراراً لايخدم مصالحي العائلية ولا المهنية ولا الإنسانية بقصد تدمير الشأن العائلي والشأن المهني فكان نفييّّ وإبعادي إلى الجنوب التونسي على مسافة خمسمائة كيلومتر من محل إقامة عائلتي لتتواصل بذلك محنة كل العائلة ومحنة بُعدي عن عائلتي ، فبقطع النظر عن الحكم المسلط ضدي ، فأنا حين أغادر السجن ، أغادره لأستعيد حياتي على النحو الذي أرتضيه لنفسي وفق المبادئ والمنهج الذي أرتضيه لنفسي وحين أخالف القانون ، فالسلطة لها أن تحاسبني وتنفذ في حقي العقاب وفق القانون ، غير أن السلطة منذ خروجي من السجن رأت أن إتصالاتي بالصحفيين وبوكالات الأنباء وبالمحامين وبالجمعيات وبعائلات المساجين السياسيين خرقاً للحدود التي رسمتها السلطة لي ولأمثالي من السجناء السياسيين ، خاصة وأنه إلى حدود سنة2002 لاتزال السلطة تسيطر بإحكام على المجتمع مقارنة لما عليه الحال اليوم ، فرجل يزور عشر عائلات مساجين سياسيين في يومين ويتحدث إلى رويتر و(AFT) لا بد أن تنزعج السلطة من نشاطه ، خاصة وأن أخبار السجون لم تكن معروفة بصورة جيدة في ذلك الوقت .

وقع إعلامي بقرار وزاري للمراقبة الإدارية من قبل رئيس (مركز أمن 05 ديسمبرالكرم الغربي) بتاريخ 02 أوت 2002 ، وأعلمته فوراً أن هذا القرار يضر بمصالحي وأنه ليس لي بجرجيس ما يحملني على الإقامة بها، وأن محل سكناي بتونس العاصمة وأنه تم إيقافي في تونس منذ أحد عشر سنة ، لكن رئيس المركز كان يؤكد لي أنني مطالب بالإلتحاق بجرجيس وانصرف ،وهكذا بقيتُ في تونس إلى يوم 19 أوت 2002 تاريخ إختطافي على مقرُبَة من مكتب الأستاذ سمير بن عمر، من قبل مجموعة من أعوان الأمن الذين أخذون

ي إلى الاستعلامات بوزارة الداخلية ، وهناك طلب مني مسؤول أمني كبير أن أكف عن نشاطاتي وأهتم بعائلتي وأعلمني أن مدة المراقبة الإدارية ، علي أن أقضيها في جرجيس ، كما نص على ذلك قرار المحكمة ، فأعدتُ عليه رفضي لأن هذا القرار يضر بمصالحي ولأن مقر إقامتي الفعلي في تونس وأن العنوان الذي أعلمتُهم به عند خروجي من السجن هونفس العنوان الذي كنتُ أقيم به سنة 1991 عندما تم إعتقالي في صالانبو .

ظللتُ في الإيقاف إلى الساعة الواحدة بعد منتصف النهار،إلى حين حزموا أمرهم،وأخذوني في سيارة بإتجاه مركز بوشوشة،حيث تم تغييرالسيارة والتزود بالوقود ثم شدوا رحالهم إلى جرجيس أين وصلنا الساعة9ليلاً وهناك سُلمتُ إلى مركز أمن جرجيس وحرروا محضر لمخالفتي المراقبة الإدارية، واُحِلتُ في الغد على وكيل الجمهورية وعرضتُ على محكمة الناحية بجرجيس يوم 23 أوت وإتخذ القاضي أقصى العقوبة في مثل هذه المخالفة وهي ثمانية أشهر، وفي الاستئناف اُقر الحكم الأول ، أما إدارة السجون فقد رأتْ أن أقضي مدة عقوبتي بالقيروان فقضيتُ هناك نحو شهرين ، ولابد لي هنا من أن أذكر الجهود الجليلة التي قامت بها الأستاذة سهير بالحسن حين شكلت ورفاقها لجنة مساندة التي قامت بحملة دعائية كبيرة فتبنت منظمة« مراسلون بلا حدود» قضيتي والفدرالية الدولية للصحافيين و(CPG) و منظمة هيومن رايتس واتش وعدة منظمات، جميعها قامت بدورها ،وقد تم الإتفاق على إجراء إعتصام أمام السجن المدني بالقيروان في 29 أكتوبر 2002 ، وحين تسرب الخبر قامت إدارة السجون بنقلي قبل يومين إلى سجن قابس حيث قضيتُ ليلة واحدة هناك قبل نقلي في الغد إلى سجن المدنين ، ومع كل ذلك تم الإعتصام أمام السجن المدني بالقيروان، غير أني لم أكن بالسجن ، وقد شارك في الإعتصاب عدد من الحقوقيين منهم الأستاذة سهير بالحسن والأستاذة سعيدة العكرمي والقاضي مختار اليحياوي كما أظن ،و أحمد السميعي ،والمعذرة لمن لم أذكر أسماءهم ..وقد شارك إبني المعتصمين إعتصامهم .

وفي 6 نوفمبر اُطلاق سراحي ، وتم اقتيادي إلى منطقة الأمن بمدنين ثم سيارة أخرى نُـقلتُ فيها إلى منطقة أمن جرجيس حيث علي أن أقضي إقامتي الجبرية مبعداً عن عائلتي . ومنذ ذلك الوقت لم يسمح لي بمغادرة جرجيس إلا في مرة وحيدة لقضاء بعض مصالحي الخاصة في الكاف وإنتقلتُ بعدها إلى تونس حيث قضيتُ بها ثلاثة أيام ومنذ ذلك الوقت لم يَعُـدْ يُسمَحُ لي بمغادرة جرجيس وكل طلباتي التي توجهتُ بها إلى السلط المحلية والجهوية والوطنية للسماح لي بالإلتحاق بعائلتي أو زيارتها رُفضتْ رفضاً تاماً.

و أول محاولة لي للخروج والإلتحاق بالعاصمة كانتْ في 10 ديسمبر 2002 حيث دعيتُ من قبل الحزب الإشتراكي التقدمي إلى ندوة كانت حول السجناء السياسيين وكان هناك عمل آخر مشابه في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان فمُنعتُ من الانتقال إلى العاصمة لكن لم يتم تحديد تاريخ السماح لي بالإلتحاق بالعاصمة إلا بعد ثلاثة أيام من مواعيد الندوات .في تلك الفترة كتب الهادي يحمد عن أوضاع السجون التونسية في مجلة حقائق وتم على إثرها طرده من المجلة وبعدها سافر إلى الخارج.منذ ذلك الوقت وجميع المطالب التي تقدمتُ بها وهي نحو ثلاثة عشر مطلباً قُوبٍلَتْ جميعها بالرفض، كما قامت زوجتي و أبنائي ووالدتي العجوز برفع مطالب إلى رئيس الدولة لإنهاء هذه المأساة لكنها لم تجد آذان صاغية، وقد رفعتُ قضية لدى المحكمة الإدارية بطريق الأستاذة سعيدة العكرمي ويبدو أنها لاتزال في الأدراج ، رفعتُها طلباً لإعادة النظر في محل الإقامة ومكان قضاء العقوبة التكميلية لكن قوبل بالرفض ، بعضهم نصحني بالإتصال بالسيد زكريا بن مصطفى مسؤول الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات العامة ، فكتبتُ إليه رسالة في 3 جوان 2003 وتوجهتْ إليه عائلتي فأعلمها أن هذا الباب موصد ولا يمكنه أن يطرقه .

بعد خروجي من السجن في 6 جوان بادرتُ بالإتصال بالمحامين والحقوقيين وبعائلات المساجين كما تحدثتُ إلى بعض وكالات الأنباء، حين اتصلت بي فلم يرق ذلك للسلطات الأمنية فدعيتُ من قبل الإستعلامات في 10 جوان 2002 أي بعد خروجي بأربعة أيام وتوجهوا إليّ بالنصح أن أعتني بعائلتي وأتوقف عن تلك الأنشطة وأكف عن الشغب الذي أتسبب فيه، مهددين إياي بإرجاعي إلى السجن ،لم أهتم لما يقولون ، وأخبرتهم أنه ربما من الأنسب أن أعود إلى السجن لأني لا أزال أجد صعوبة في الإندماج مجدداً في المجتمع… تابعتُ نشاطي كالمعتاد ، حضرتُ حفل تدشين المقر الجديد للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والذكرى خمسة وعشرون لتأسيسها وجاءت وفود أجنبية أمريكية ومن الإتحاد الأوروبي وعدد من الشخصيات مثل الطيب البكوش و حسيب بن عمار، وضمن الضيوف المرحب بهم ،رحب بي الأستاذ مختار الطريفي وكان تفاعل الحضور تفاعل إيجابي جداً ، لم يلبث أن اتصلت بي الوكالات الأنباء بعد كلمة الأستاذ الطريفي .

تابعتُ نشاطاتي كالمعتاد، إلا أن السلطات الأمنية التي لم يرق لها نشاطي، قدمت إليّ يوم الإثنين مع الساعة الثانية ظهراً ليقتادوني من صالانبوإلى مقر إقامتي ومنها إلى وزارة الداخلية حيث إلتقيتُ المسؤول عبد الرحمان القاسمي( بوكاسة) وبعد تهديد وترغيب هناك أجبتُ كالعادة أنه يمكنهم أن يعيدوني إلى السجن لو شاؤوا ، إذ لم أنجح في الإندماج مجدداً في المجتمع ولازلتُ أحن لأيام السجن ، فكان بوكاسة هذا ، يتركني كل مرة في المكتب لوقت طويل ثم يَعود لـيَعرض عليّ جواز سفر والخروج من البلاد بدون رجعة ، فأجبته بالقول أنك يا سيد عبد الرحمان تعلم أكثر من غيرك أنه كان بإمكاني الخروج سنة 1991 قبل كثيرين ممن خرجوا لاحقاً . قال: أعلم ذلك، وقدكان بإمكانك أن تفعل. قلتُ: رضيتُ لنفسي سنين السجن حتى لاأغادر بلادي أما وقد قضيتُ عقوبتي فأنا متمسك بالعيش في بلادي.

غادر المكتب ثم عاد إلي ليقول : على كلٍ ،المطلوب منك الآن أن لا تخبر أحداً بما كان بيننا من حديث ، ولو فعلتَ فسينالك مني مالم أفعله في حق أحد من قبل والمقصود بما جاء بيننا هو:

      1.إيقاف إتصالاتي بالمجتمع المدني ووسائل الإعلام.
      2.منحي جواز سفر مقابل الخروج بدون عودة
      3.التهديد بالمعاقبة والانتقام في حال تحدثتُ بما كان بيني وبينه.

كان ذلك يوم الإثنين 10جوان 2002 وفي يوم الثلاثاء كان ما جرى بيني وبين عبد الرحمان القاسمي عند الساعة الثامنة ليلاً محور حديثي عبر الهاتف مع قناة الزيتونة من تهديد وعروض ، ويبدو أن وزارة الداخلية قد اتخذت قرارها بإبعادي إلى الجنوب بعد أسبوع فقط من الحديث الذي أذاعته قناة الزيتونة يوم الأربعاء 12جوان.

والواقع أن هذا القانون من أسوء القوانين الخاصة بالمرقبة الإدارية ، فالقانون يمنح وزير الداخلية الحق في أن يتخذ هو دون غيره قرار تحديد مقر إقامة المعني وأن يغيّرها متى يشاء ، وأن لا تغادر منطقة إقامتك دون موافقتك . وهكذا فإن إقامتي في جرجيس تحت المراقبة الإدارية وفرت في الحد الأدنى تسعة مواطن شغل : ثلاثة دوريات، في كل دورية ثلاث أعوان ، كل دورية تعود بالنظر إلى جهة أمنية مختلفة عن الأخرى :المصلحة المختصة وفرقة الإرشاد و مركز الأمن الوطني هذا في الحالة العادية أما أيام إضرابي عن الطعام فقد كان يتجمع حول مقر سكناي ما يزيد عن أربعين عوناً والواقع أن هذا لا يدل مطلقاً على قوة النظام السياسي إنما يدل على ضعفه وعجزه .

8.هل تحدّثونا عن الملاحقة الأمنية التي تلازمكم بصورة لصيقة جراء المراقبة الإدارية ؟

من الآثار النفسية التي تخلفها المراقبة الإدارية ، أن الطفلة الصغيرة مريم عمرها الآن خمسة سنوات ، تحتفظ ذاكرتها منذ أن فتحت عينيها بمشهد سيارة الشرطة متوقفة عند عتبات منزل العائلة ، ربما لاتحفظ وجوه أقربائها قدر ما حفظت وجوه رجال الأمن تصوروا طفلة صغيرة تنشأ في مناخ من المراقبة البوليسية تبعث الخوف في نفوس جميع العائلة كبارهم قبل صغارهم ، بل إن النساء وجراء تلك المراقبة بحكم طباعهم المحافظة الغالبة عليهن تركن خدمة الأرض التي تقع بجوار محل سكنى عائلة أنسابي ، كما أن صهري الذي أقيم عند عائلته ، محروم من أن يستقبل أصدقاءه في بيته ، مخافة أن يتعرضوا للمساءلة في مخافر الشرطة كما حدث معهم مرة .فالآثار السلبية لهذه المراقبة طالت جميع أقربائي ومن كان في محيطي العائلي أو الاجتماعي .

لكن يجب أن أروي بهذه المناسبة بعض الطرائف التي إنجرت على هذه المراقبة الإدارية ، فبسبب صرامة التعليمات في تشديد مراقبتهم عليّ مخافة أن أغيب عن أعينهم فأذهب ، في غفلة منهم ، إلى حيث لا يعلمون ، صارت لديهم هواجس تلاحقهم في الليل والنهار، فالعقاب يتهددهم ومسؤوليهم يتربصون بهم ويشددون عليهم التنبيهات والتوصيات ، حتى إستبطن الأعوان في نفوسهم الخوف من الإفلات من رقابتهم أو الإختفاء عن أنظارهم . وأذكر أنه كان بجوار المنزل سيارة بها ثلاثة أعوان، وكان المكلف من بينهم بقيادة السيارة من الفرقة المختصة، ولأنه يقود السيارة فقد كان يحظى بشيء من التبجيل من قبل زملاءه الذين كانوا يتركون له المجال فسيحاً في السيارة عند النوم. وفي إحدى الليالي وفيما كان هذا العون نائم في السيارة ، وكان يرى فيما يرى النائم ، أن عبد الله الزواري خرج من منزله مستقلاً دراجةً نارية وغادر ، فاُنتفض العون من نومه وحتى لا يضيّع الوقت في تشغيل السيارة وإيقاض أصدقائه فيفقد أثري و أغيب عن نظره ، خرج مسرعاً من السيارة ، وركب دراجة نارية لزميله كانت بالجوار ، وأخذ في ملاحقتي .. ولم أكن قد خرجتُ من منزلي في الحقيقة إلا في منامه ، ولأن الطريق فلاحية غير معبدة وعتمة الليل لم تسمح له بوضوح الرؤية ، فقدَ المسكين توازنه وسقط ، فانخلع كتفه ومنحه الطبيب عدداً من الأيام حتى تشفى كتفه .

أذكر أيضاً أن يوم كأس تونس سنة 2005 بين الترجي الجرجيسي والترجي التونسي ، بعث إلي أعوان مراقبتي عن طريق صديق لي يترجونني أن لا أغادر المنزل حتى يتمكنوا من مشاهدة المباراة على تلفزيون إحدى المقاهي فوافقتُ ولم أر في ذلك من مانع . اليوم فقط في ما كنتُ أتسوق في إحدى المغازات الكبرى طلب مني أحد الأعوان مراقبتي أن أبقى أكثر وقت ممكن في المغازة حتى يتمكن من الذهب لقضاء بعض شؤونه الخاصة ويعود ، ففعلتُ وهي من الأشياء المعتادة إذ ليس لي رغبة في أن أورطهم مع مسؤوليهم .

في الأسبوع الماضي قضيتُ أربعة أيام في المنزل دون أن أغادره ، ولأن المنزل في منطقة ريفية وبعيدة عن مركز مدينة جرجيس فقد قضى معي أعوان المراقبة أربعة أيام أمام المنزل تحت حر الشمس ، منقطعين عن المدينة ، حتى إذا قدم أحد أصدقائي للزيارة قالوا له: ( بالله عليك قل لـسي عبد الله يخرج « يحـوّص بينا ».. فقد سئمنا البقاء هنا منقطعين عن العالم .)

9. عزلكم عن العاصمة وإبعادكم إلى الجنوب التونسي كان له معنى حين كانت بعض قيادات النهضة لا تزال في السجن لكن بعد خروج السادة حمادي الجبالي وعلي لعريض و زياد الدولاتلي والحبيب اللوز و محمد العكروت.. وإنخراط بعضها في الحراك السياسي والمدني ، أصبح عزلكم وإبعا دكم بدون معنى فهل تتوقعون أن تغادروا جرجيس بنهاية الخمس سنوات مراقبة إدارية [1]

في الأصل ، ما كان النظام يخشى من عبد الله الزواري أن يحققه من خلال تحركاته في المجال السياسي والحقوقي والإعلامي قد تحقق على يد غير عبد الله الزواري ، وعليه فأنا أتساءل ماالذي إستفاده النظام من معاقبتي بهذا الإبعاد غير أن أساء لنفسه وسمعته ، سواء على المستوى المحلي أو الدولي ؟ أي صورة طيبة يمكن أن يقدمها نظام سياسي عن نفسه حين يجعل من تسعة أعوان يتداولون مراقبة رجل واحد في كل مكان في المقهى وفي الجامع وفي السوق وفي الشارع وحول محل الإقامة وأينما ذهبتُ؟ لكن مع ذلك أتمنى أن تنتهي هذه المأساة ويريح النظام أعوانه من هذه الملاحقة الأبدية.

10.كيف تقيّمون دورالمنظمات الحقوقية في تعاطيها معكم وماذا تقترحون لدعم قضيتكم والدفاع عنكم ؟

لكل جمعية أو منظمة أولوياتها ونحن نعلم أنه حين ألقي القبض على زهير اليحياوي تبنت قضيته جريدة فرنسية…وحين زارني (Julien Pain) ممثل (Reporters sans frontières) قال لي: لقد أعيانا البحث عمن يتبناك من الصحف أو المنظمات، قال: والسبب في ذلك هو أنك إسلامي.

ففي سنة 2002 زارتني سهام بن سدرين وقامت بأخذ لقطات بكاميرا فيديو حول الرقابة والحراسة المضروبة من حولي ، وقالت أنها ستقوم بعرضها عبر قناة الحوار للسيد طاهر بن حسين ، لكن وإلى اللآن لم يتم عرض تلك المشاهد على قناته إذ يبدو أنني لم أكن من ضمن أولوياته ليدافع طاهر بن حسين عني.

وأتساءل ماذا قدمت رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان ؟ وماذا قدم المجلس الوطني للحريات؟ وماذا فعلت أيضاً جمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين؟ كم بيان نشرته متعلق بقضيتي، هل هناك من سُلِطتْ عـليه أحكام بالعقاب أكثر مما سُلط علي ؟ أو أحكام قضائية أكثر قسوة من تلك التي اُصدرت ضدي؟ فأنا لا يمكنني أن أقترح على هذه الفعاليات برنامج عمل أو أشكال عمل فهي وحدها التي تـلزم نفسها بالدفاع عن قضية دون أخرى وفق أولوياتها و بهذه الوسيلة دون غيرها..

فكم بيان صدر عن الجمعيات الحقوقية في حق محمد عبو ؟ و كم من مساحات خصصت لمحمد عبو في الصحف..؟ هل المظالم المسلطة على محمد عبو أكثر وأشنع من تلك المسلطة على دنيال زروق أو لطفي السنوسي أو عبد الله الزواري ؟ أقول هذا وأنا أتمنى أن يطلق سراح محمد عبو في الغـد بل ويطلق سراح الجميع [2] ، لكن أجري المقارنة مع محمد عبو لما يمكن لتلك المقارنة أن تقدمه من مؤشرات تفاعل المنظمات الحقوقية مع قضيتي وغيرها من قضايا الإسلاميين .

لأضرب لك مثلاً فرئيس فرع مدنين للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بمدنين زارني مرة حين جاءني وفد أجنبي (Switzerland/IFEX Member) كمال العبيدي و Sarah Carr و Alexis Krikorian ، ولم يعد بعدها ثانية إلا أخر يوم إضراب عن الطعام لما جاءت سهير بالحسن .

أما نقابة الصحفيين فلم أتلقى من لطفي حجي خلال السنوات الخمس أي مكالمة هاتفية والمرات التي جرى إتصال بيني وبينه كنتُ أنا المبادر في الإتصال به عندما جرى إيقافه في بنزرت أو في غيرها وهو يعلم ذلك ،أما الأستاذ محمود الذوادي فقد هاتفني لمرتين وأعرب عن التقصير من جهة نقابة الصحافيين ، ووعدني بالزيارة ، لكن لم تتم الزيارة ..! وفي اعتقادي أن الداء الذي ينخر الجمعيات عادة هي تلك الحسابات التي تكون بعيدة عن مسألة حقوق الإنسان.

خرجتُ من السجن يوم 6 جوان 2002 أي أن نهاية العقوبة التكميلية ستكون في جوان 2007. أما قرارالمراقبة فقد أمضى عليه الوزير بتاريخ 15 جويلية 2002 وتم إعلامي به في 2 أوت 2002 لكن قبل هذا التاريخ كنتُ خاضعاً للمراقبة الإدارية ،فأنا لم أغادر السجن لأجد نفسي في الشارع بل تم تسليمي لفرقة الإرشاد ببشوشة وهناك طلب مني أحد المحققين القدامى عنوان إقامتي فأخبرته أني مقيم في تونس وطلب مني أن أتصل بمنطقة حنبعل التي يرجع إليها النظر بحكم إقامتي في دوائرها ، وعند إتصالي بمنطقة حنبعل بتاريخ 7 جوان 2002 أعادوا علي السؤال عن محل إقامتي فقلت أني مقيم بصالانبو فطلبوا مني أن ألتحق بمركز الأمن الوطني بشارع 5 ديسمبر بالكرم الغربي فتم ذلك ، إذا من يوم خروجي من السجن كنتُ تحت المراقبة الإدارية وعندما أردتُ مغادرة تونس العاصمة بإتجاه الجنوب قصد الزيارة ، طلبوا مني الحصول على إذن بذلك قبل المغادرة ، ففعلتُ وعند وصولي إلى الجنوب أعلمتُ مركز الأمن بالوصول ولستُ أعلم ما الذي يحاك لي الآن والخمس سنوات مراقبة إدارية لم يبق منها غير بضعة أسابيع [3] ؟

11.هل من كلمة أخيرة توجهونها لمن شئتم ؟

أقول أولاً لإخواننا في الشتات ، أنهم على ثغرة من الثغورفلا يجب أن نُأتى من قبلهم، أما بالنسبة للمعارضة الجادة فهي في بداية طريق العمل و بقدر صعوباتها بقدر ما تكون هناك رابطة أنضج وأفضل. والواقع أن الخصم الألد لنا جميعاً ليست أطراف في المعارضة وإنما خصمنا الأول هو النظام المستبد والنظم القهرية ،ويجب أن نكون في خندق واحد ، فاليوم وغداً يجب أن نعمل معاً من أجل القضايا المشتركة مثل حرية التنظم وحرية التعبير والحق في الإعلام والصحافة والحق في التنقل… باعتبارها قضايا مقدسة لدى جميع الأطراف ، أياً كان الطرف الذي سيصل غداً إلى السلطة عليه أن يحترم تلك المبادئ و المشتركات ، وأن لاتذهب بنا أحلامنا إلى أن »«النهضة» ستكون « التكتل» أو «الديمقراطي التقدمي» أو« العمال الشيوعي التونسي» ومن الخطأ أن نطلب الإتفاق في التفاصيل ، إذ كلما ذهبنا إلى التفاصيل والبحث عن الوفاق فيها فإننا في الواقع نذهب إلى الإختلاف ثم الفرقة

نحن مدعوون للدخول في حوارات مع جميع الأطراف السياسية ، فنحن إعتقادنا راسخ أن النقاش والحجاج يطوّرنا إذا إستوفينا الشروط اللازمة للحجاج وتوفرت لدينا أدوات البحث ووسائله ، لكن إذا كنا نتجه نحو هذه المعارضة بالحجاج والنقاش فيجب أن لايغيب عن أذهاننا أن الساحة فيها أيضاً عدداً واسعاً من الشباب الذي لم يعش تجربتنا ولم يحتك بوجوه وشخصيات ووقائع عايشناها ،فهم تلقوا تدينهم من التلفاز والقنوات ولم يكن، بحكم غيابنا بسبب المحنة، إحتكاك بيننا وبينهم ،فنحن قد نتخذ قراراً مع تقدير المصلحة على النحو الذي نرى لكن هذا الجيل الذي يشكل اليوم الصحوة الجديدة لا يستطيع أن يفهم تقديراتنا للمصلحة على النحو الذي قررنا ، بسبب فارق التجربة والفهم .وأياً كانت الدواعي فإن هذه الفوارق ستكون سبباً في شق الصف ، لذلك يجب أن يكون هناك نقاش وجدالات مع هذا الجيل وإلا سنجد أنفسنا في عزلة عن أبنائنا وربما نُرمى بأوصافِ لن يتورعوا في وصفنا بها .فداخل 18 أكتوبر حين يثار موضوع الهوية العربية الإسلامية سنجد أن الطرف المقابل سيتفاعل مع المسألة بصورة متشنجة ، كما لو أن بعض أطراف المعارضة ترغب في دفعنا إلى الزاوية وحشرنا فيها .

ثم كلمة أخيرة أوجهها للتجمعيين الدستوريين هل هناك من مبرر للوطنيين داخل هذا الحزب أن يبقوا فيه بعد أن أسفر عن وجهه المعادي للحضارة العربية الإسلامية وهوية التونسيين ولقيم الإسلام وشعائره ، لاسيما بعد أن إجتمع الديوان السياسي وأقر موافقته للقرارات الخاصة بالحجاب وتأيده لمنشور108 وأنه لباس دخيل ولا علاقة له بثقافة البلاد :كما لو أن الذي يرتدونه من طقم وربطة العنق هو لباس آبائهم وأجدادهم ، وكأنما العولمة التي يعملون على تنفيذ متطلباتها مواكبة للعصرو لم تذهب بأصالتهم ولم يقدموا لها تنازلات مجانية …../

1 | 2 | 3

[1] طرحنا على الأستاذ عبد الله الزواري هذا السؤال في لقائنا به في أفريل 2007

[2] في أفريل 2007 تاريخ الجزء الثاني من الحوارمع الأستاذ عبد الله الزواري لم يكن أستاذ محمد عبو قد اُطلق سراحه بعد ، أما الفرز الذي دأبت على القيام به عدد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية ، فقد أقره أسفاً الأستاذ محمد عبو في الحوار الذين أجرينه معه فور سراحه في24 جويلية2007 قائلا:

[.. فعندما دخلت إلى السجن بتاريخ 01 مارس 2005 وجدتُ سجناء سياسيين ينتمون إلى حركة النهضة أو يشتبه في إنتمائهم إليها. وهم بالنسبة لي دخلوا السجن لممارستهم لحقهم في إبداء الرأي والمطالبة بتغييرات وهو حق كل تونسي ،لذلك فحال إيقافي تصورتُ أنه سيقع ربط قضيتهم بقضيتي لمصلحتهم وأأكد لكم أني أرسلت رسائل في هذا المعنى حتى للمساجين السياسيين المقيمين في سجن الكاف ، إذ كان لي إمكانية للإتصال بالسجناء خلافاً لما تعتقد الإدارة . فكان السجناء الإسلاميون يرفضون هذا الربط حرصاً على مصلحتي، وفعلاً أفهم أسبابهم لأنهم يعتقدون أن المجتمع المدني ليس متعاطفاً مع حركة النهضة ، وكان هذا يزعجني فعلاً لأنه من غير المعقول أن لا نتعاطف مع الضحية حتى إن كنت أختلف معهم في الرأي . إذا يجب أن يكون ثابتً واضحاً ولا نقاش فيه و لا متاجرة ولا إستثناء فيه أن كل تونسي عبر عن رأيه فسجن لأجل رأيه ظلماً بدون موجب قانوني يجب أن نعتبره ضحية كما يجب أن نقاوم سلمياً بكل الوسائل من أجل إطلاق سراحه. فحركة النهضة لم تتمتع بمثل ما تمتعتُ به إطلاقاً وهذا يؤسفني وأأكد لك أني اليوم وغداً إذا بقي البعض من السجناء السياسيين لم يغادروا السجن فسأناضل بالطرق السلمية والقانونية من أجل أن يطلق سراحهم جميعاً بل ومن أجل أن يعترف النظام بالأخطاء التي إرتكبها في حقهم. وبقطع النظر عن رأيي الشخصي في الموضوع، يمكنني أن أفسر الأمر بالقول أن شخصاً وقع إلقاء القبض عليه كان يتهم في وقت من الأوقات على أنه إسلامي لكن المعارضة الجدية لا تصدق ذلك فالمسألة تتعلق بالثقة بين المحامين ، كما أن جو المعارضة ليس دائما على ما يرام فقد تسقط في تغليب النزاعات الجانبية وتنصرف عن النظام ومراقبة سياساته ، بالنسبة لي أنا على علاقة جيدة بالجميع والجميع متأكدون من أنني أقف مع كل المضطهدين سواءاً كانوا إسلاميين أوغيرهم وقد أثبتُ ذلك طيلة مباشرتي مهنة المحاماة فأنا لا أفرق أبداً بين حمة الهمامي وعبد الله الزواري فللجميع حقوق متساوية والحرية تضمن الوجود للجميع إسلاميين وغيرهم بما في ذلك المتدينين من غير الإسلاميين.. ] حوارمع السجين السياسي الأستاذ محمد عبو

[3] بعد أن أنهى عبد الله الزواري مدة الخمسة سنوات مراقبة إدارية التي كانت المحكمة قد سلطتها ضده قررت السلطات الأمنية تمديد المراقبة بـ26 شهراً إضافية يقضيها في ضواحي جرجيس بعيداً عن عائلته المقيمة بالعاصمة( مسافة 500 كلمتر) وقد رفض رئيس المركز الذي قام بإبلاغه هذا القرار أن يمكنه من وثيقة تتضمن هذا الإعلان فقام الأستاذ عبد الله الزواري بتقديم شكوى في الموضوع سجلت تحت رقم 13106 بتاريخ 13 جوان 2007 رغما عن إ عتقاده أن هذه الشكوى لن تر النور مثل قضية المحكمة الإدارية التي رفعها في شهر أوت 2002…