لافتة تؤيد الرئيس بن علي معلقةٌ على واجهة مكتب إقتراع. الانتخابات الرئاسية و التشريعية التونسية 2004

أعلن منذ أيام على إثر قبول الرئيس زين العابدين بن علي للأستاذ عبد الوهاب الباهي عن تكليف هذا الأخير برئاسة و تشكيل مرصد للإنتخابات الرئاسية و التشريعية و قد أعلن هذا الأخير يوم أمس (30 جويلية 2009) خلال ندوة صحفية عن تشكيل و أهداف هذا المرصد.

و أعطت الدعاية المكثفة هذه المبادرة الخاصة التي لم تتخذ أي شكل من الإشكال المحددة لأعمال السلطة بعدا و طنيا و تصدرت أخبارها عناوين مختلف الصحف و أخبار أجهزة الإعلام بما يبعث على الإعتقاد أن الأمر يتعلق بمؤسسة دستورية جديدة لدعم شفافية الإنتخابات و حيادها و مصداقيتها. كما ساهمت تصريحات الرئيس المعين لهذه الهيئة في هذه المغالطة الإعلامية الواسعة حول حقيقة الطبيعة القانونية لهذه المؤسسة التي أمره بتشكيلها أحد المرشحين للإنتخابات الرئاسية القادمة و تم تعيين أعوانها دون تدخل أو استشارة غيره و تعهد بمفرده بتمويل نشاطها كما أنه حدد الغرض منها في إعداد تقرير تقدمه لشخصه دون غيره بعد نهاية أعمالها و هي بالتالي أقرب للشركة الخاصة منها للمؤسسة السياسية أو حتى الجمعية. فماذا سيحصل لو قام كل مترشح من المرشحين للإنتخابات الرئاسية القادمة بتكوين مرصد خاص به لهذه الإنتخابات و كلفه بتقديم تقرير له عندما يصبح رئيس للجمهورية؟

طبعا السؤال لا يحتاج إلى جواب لأن المراقبة الوحيدة التي اعتمدها القانون هي تلك التي يقوم بها نوابهم داخل مكاتب الإقتراع خلال عملية التصويت و وفق الشروط المحددة بالقانون أو تلك التي تسمح بها السلطة المشرفة على الإنتخابات للهيئات الدولية و المحلية. لذلك يصبح السؤال الحقيقي ماهي صفة هذا المركز الذي يفاجئنا ببعثه الرئيس زين العابدين بن على للمرة الثالثة على التوالي و كلما أراد تجديد رئاسته لمدة خمس سنوات إضافية و الحال أن النتيجته الفعلية لم تتعدى قطع الطريق دون تمكين أي هيئة قانونية محلية من مراقبة الإنتخابات.

و لكن المفارقة الأغرب في وضعية هذا المرصد ليست في كونه قائم على أساس غير قانوني فحسب و لكن في كونه قائم على انتحال صفة لا يملكها و لا يمكن أن يدعي امتلاكها أي عضو من أعضائه و لعلهم وهم في أغلبيتهم من الأكاديميين في ميدان القانون و أساتذته و خبرائه يعرفون أكثر من غيرهم معنى ذلك و تبعته. فالقانون التونسي الذي ينضم بدقة ووضوح العملية الإنتخابية و سير عملية الإقتراع و تشكيل مكاتب التصويت و عدد وصفة و دور المراقبين خلالها لم يتعرض في أي فصل من فصوله إلى هيئة باسم “مرصد مراقبة الإنتخابات” و بالتالي لا يمكن لهذا المرصد أو لأعضائه مجرد دخول مكاتب الإقتراع فضل عن التدخل في مراقبة سير الإقتراع داخلها او أي عمل من الأعمال العملية الإنتخابية.

كما أن تبعية هذا المرصد لمرشح بعينه و لو كان حاليا في موقع رئيس الجمهورية يجعل من حشره في العملية الإنتخابية جزء من عملية تزويرها لصالحه بتمكينه من إزدواجية في أدوات المراقبة لا يسمح بها القانون و ليست متوفرة لغيره. و لكن الدور الأهم الذي اوكل لهذا المرصد يندرج في المغالطة الكبرى التي أحيطت بها هذه الإنتخابات المعروفة النتائج سلفا بقصد الحيلولة دون تطوير القانون الإنتخابي الذي أثبت نصف قرن من الممارسة قصوره عن السماح بإجراء إنتخابات حقيقية وفق المعايير المعترف بها في كل القوانين و الأعراف الدولية و التي من أساسها إسناد سلطة الإشراف عليها و على سير مختلف أطوارها إلى إعلان نتائجها إلى هيئة وطنية محايدة معترف بها و مقبولة من كل الأطراف المشاركة في العملية الإنتخابية دون إقصاء أو تمييز ولها من الصلاحيات ما يضمن للجميع منافسة حقيقة و نزيهة تسمح للمواطن ممارسة حقه المشروع في الإختيار و تعطي لصوته وزنا في تحديد من سيحكمه.

و في انتضار ذلك لا أعتقد أن استغفال المجتمع التونسي أو الرأي العام بمثل هذه الخزعبلات الديماغوجية لا زالت تنطلي على احد غير القائمين عليها و المطبلين لها.

المختار اليحياوي
تونس في 31 جويلية 2009