بقلم صلاح بن عياد، شاعر تونسي،

1

تجميد أنشطة هؤلاء المتمثلة أساسا في الكتابة وغيرها من الأنشطة الثقافية هو أقل ما نطالب به حتى لا نطالب بالقبض عليهم ومتابعتهم عدليا إلى حدود ورشات كتاباتهم المسمومة. ليس لأنهم بلا سلاح واضح ومباشر من أسلحة بيضاء وغيرها حتى لا يشبهوا تلك العصابات التي تسرق وتنهب الملكية الواضحة والمباشرة للمواطن التونسي والتي تتابعهم وزارة الداخلية التونسية ميدانيا وحتى اعلاميا بإصدار البيانات المتتالية.

هؤلاء عصابات من نوع آخر. أسلحتهم ملونة ومتنوعة وغير واضحة لذلك هم أخطر من تلك العصابات الواضحة التي نجد وزارة بكاملها لا تكف عن متابعتهم. هم ما سنسميهم “العصابات الثقافية” الحاملين لأسلحة فريدة ومثيرة للاستغراب منها:

ـ القلم: هذا المكسب الإنساني العظيم وقد عزمت تلك العصابات على افراغه من محتواه ورمزه النبيلين.

ـ اللغة: هذه الرحم الخصبة التي منها تولد الميزة الإنسانية الكبرى، بوصف الإنسان كائنا وحيدا قادرا على ممارسة تلك اللغة عبر تفكيكها وتركيبها وغيرهما كما تبين فلسفات اللغة وهو ما لا يخفى على القارئ الكريم، هذه اللغة تتحول مع تلك العصابات إلى سلاح يستخدمونه متنكرين لمفاهيمها ومميزاتها وإنسانيتها.

ـ الاعلام، الثقافة، الفلسفة، الأدب ومنه الشعر الشفيف… كلها أسلحة بأيادي هؤلاء من أجل جريمة نأتي على تفصيلها والتدليل عليها في سياق مادتنا، جريمة في حق الثقافة والشعب التونسيين.

2

قد يتجاوز مفهوم الجريمة المفهوم المباشر المتعارف عليه إلى مفاهيم أخرى منها السكوت عنها لكن أيضا تبريرها أو تغييمها وتعتيمها أو تبييض وجهها، وهو ما أقدمت عليها تلك العصابات باستخدام الأسلحة المذكورة أعلاه.

الغريب في الأمر أنهم ـ أعضاء تلك العصابات ـ يحاولون في هذا الوقت من التاريخ التونسي الميال للشفافية أن يجربوا تلك الأسلحة في سياق آخر وقد لا نصدق ـ طبعاـ أنه نوع من التراجع. فلا شيء يشير إلى ندم أو توبة أو اعتذار بل وبالبساطة نفسها التي كتبت وفقها تبييضا وتعتيما وتغييما لجرائم النظام المطرود من تونس ها هي تكتب على الثورة التونسية.

طبعا هو أمر مثير للأسئلة لكن تحت وطأة الأسئلة الكثيرة سنختار عدم طرح أي سؤال تاركين للقارئ تخيلها.

3

خذ مثلا “الناقد الفذ” لطفي العماري رئيس تحرير جريدة حقائق الأسبوعية بعدما كان رئيسا مساعدا ـ وقد يكون هذا الارتقاء بفضل الثورة ـ الذي انتقل ببساطة من افتتاحيات تلك الجريدة المسبحة باسم “بن علي” مثل العدد 76 [ 10ـ 23 نوفمبر] التي جاءت تحت عنوان “خوانجي “على ما يبدو : “كلمة حق”. وهي كلمة تبدأ بمغازلة تشبه إلى حد بعيد مغازلة الحبيبة في عيد ميلادها بقوله ” يضيئ التغيير هذه الأيام شمعته الحادية والعشرين” وهي مادة لم تخل من تلك النقاط الثلاثة المتتالية والمكثفة والتي نلجأ إليها في رسائلنا التي نوجهها لحبيباتنا في فيض عاطفي لا نجد له ما يكفي من كلام. فهو يقول متحدثا عن المجرم الملفوظ “بن علي” ونحن أوفياء إلى إيراد ما يقول السيد لطفي العماري مع تلك النقاط ولن نزيد ولو نقطة: “وامتدت يد من الأمواج العاتية لتحقق كل ما كان المواطن يحلم به…تونس الكرامة…تونس الاستقرار…تونس الأمان…تونس الاعتدال”. ليشبه سارق البلاد والعباد في نفس الافتتاحية بـ”الربان” الذي وصل بتونس إلى “شواطئ الأمان” إلى آخره من كلام صار يخدش “طبلة” أذني كل تونسي. فهذا العماري نفسه يكتب بعد الثورة في نفس الجريدة العدد 131 الصفحة الثالثة “حقائق” مقالة تحت عنوان “خلع الرئيس[ وهنا وضع نقطتين لا غير] وليس خلع الوطن. والعجيب أن هؤلاء الذين أكلوا من فتات مائدة “بن علي” يشتركون حول نوع من الرداءة كتابة وفكرا. فلنا أن نلمس اللاعمق الذي تتحلى به عنونة السيد العماري وتتكحل. فهذا “الناقد” لم يكن ربما يستمع إلى مطالب تلك الثورة ولا يرى شعاراتها المرفوعة هنا وهناك من الوطن التونسي مثل تكرار “الشعب يريد اسقاط النظام” معناه أن العنونة كانت لا بد أن تكون ” خلع النظام الديكتاتوري بديكتاتوره” وكلمة الرئيس الواردة هنا ستُعتبر زلة وعي من “الناقد” لأنه قد تعود على هذه الكلمة سنينا طويلة، فنحن نتوقع أن بيت الكلمتين “خلع” و”الرئيس” كان تلميح ما يطل بكلمة كتبها “الناقد” الثاقب وقالها في أكثر من مناسبة أ لا وهي “سيادة”.

ولقارئ لهذه المقالة أن يعاني حتى يأتي عليها إلى آخرها فهذا الإعلامي كغيره من الإعلاميين يقشرون لغتهم من خشب وقد نفهم أخيرا هذا الخشب الذي أصاب الإعلام والكتابة الصحفية والأدبية وهو خشب منبعث من مكتبة بن علي الخشبية الكائنة بقصره في “سيدي بو سعيد” على إثر تقرير انفردت بتقديمه “القناة الوطنية التونسية” المصابة بالخشب هي الأخرى. تلك المكتبة التي تبين وأنها مليئة بكتب خشبية لا حقيقية. تلك الكتب التي نقشت على اللوح على هيأة مجلدات تسحر اللب في خلفية “بن علي” الذي لا ندري كم خطابا توجه به إلى الشعب التونسي من هناك ووراؤه تلك الخلفية الخشبية ونحن لسنا مطالبين إلى تجاوز تلك الخلفية المدلسة إلى ما ورائها من كنوز يشبهها الإعلام بكنز علي بابا الذي لم يكن سوى حطاب ابتسم له الحظ لا غير، فهو لم يسط على أحد مع أن تلك الحكاية “على بابا والأربعون لصا” التي ندرسها لأطفالنا لامتلاكها النفس الحكمي والبيداغوجي وهو نفس أبعد من تحتويها كتب “بن علي” التي لا تفتح ولا تحتويها لغة السيد العماري وغيره من الراقصين هنا وهناك وإن كان في النقيض.

4

ستتمثل جريمة هؤلاء في تزييف الحقائق ونحن سلطنا الضوء على الاعلامي لطفي العماري كما فعلنا نفس الأمر مع “مواطنته” آمال موسى الشاعرة التونسية المزعومة [جريدة الشعب] على إثر تغطيته لأحداث “منطقة الحوض المنجمي” تحت عنوان يتلون بنفس ذاك اللون الرومنسي المعهود “عائد من مدن الحوض المنجمي: ليس كمن رأى كمن سمع” في جريدته التي يسميها “حقائق” في عددها 76، تلم الأحداث العادلة التي غطاها الصحفي “الفاهم بوكدوس” ليزج به في السجن على إثر تلك التغطية. والسيد العماري رئيس تحرير هذه الجريدة يقدم على تبييض الجريدة وتبييض مغالطته تلك التي وصفها بـ”المزايدة” والتي وردت على إثر زيارة ميدانية عبر نشره لخوار مع الفاهم بوكدوس في عدد الجريدة الـ 131، حوار عنوانه “نظام بن علي وقع وثيقة موتي” والكلمة على لسان الصحفي الذي غطى تغطية ميدانية مناقضة لتغطية الإعلامي الأشهر “لطفي العماري” الذي يملك منبرا آخر إلى جانب جريدته وذلك في استديو قناة “حنبعل” الخاصة عبر برنامج ثقافي مزعوم بدوره اسمه “بلا مجاملة” ينشطه متلاعبون سطحيون على اللغة “الرحم العميقة”.

5

هؤلاء إعلاميون وكتاب لا يملكون عمق الكتابة، العمل الأصعب والأنبل. لذلك ستلحظ أيها القارئ أنهم لا يحسنون من العمل الإعلامي والكتابي سوى التلاعب السطحي بالكلمات وقد لمعت أسماء عديدة توخت أسلوب اللعب على قشور لغوية خشبية. فالسيد العماري أرفق تغطيته للحوض المنجمي بصورتين من داخل أحد البؤر التي يتجمع فيها مرتزقة التجمع حاملة لصور بن علي وشعارات مساندة له وهو يقدم الصورتين على أنهما ولاية قفصة برمتها. ونحن لسنا بحاجة الآن إلى مزيد إصابة القارئ بحديث طويل على نظام مخلوع مكشوف الأوراق والأسرار وما صنعه بقفصة وغيرها وما نقله من صور لا تخرج عن “شارع البيئة” أو “شارع 7 نوفمبر” الوجه اللامع اللاغي لوجه متعبة.

هؤلاء كتبة ساندوا ما بات يعرف بـ”العصابة” وغالطوا وشوهوا التونسي وتراقصوا فوق آلام التونسيين وتحصلوا على ظروف مملوءة بأوراق نقدية تابعة للتونسيين ما زال بعضها يرقد في خزائن “بن علي” خلف تلك المكتبة الخشبية التي مثلت وستمثل أفق هؤلاء الكتبة.