Les articles publiés dans cette rubrique ne reflètent pas nécessairement les opinions de Nawaat.

تتعرض السياسة الخارجية لتونس لشيء من الاهتزاز يبعث استمراره على الانشغال وإن لم يقع تداركه عاجلا فسيكون له تداعيات سلبية على المصالح الحيوية للبلاد

ما هي مواضع هذا الاهتزاز وما هو السبب في ذلك ؟

هناك ما واكب زيارة رئيس الدولة إلى ليبيا من تصريحات نقلتها العديد من الصحف ووكالات الأنباء على نطاق واسع وبشيء من التحريف فيها من التبسيط ما يلقي بالمسؤولية كاملة على عاتق الدولة الجزائرية في أحداث العنف التي شهدتها الجزائر في عشرية التسعينات من القرن الماضي و تعطي كامل البراءة للمجموعات الإرهابية التي جرفت المجتمع الجزائري إلى ما هو أكثر دموية ومأسوية من الحرب الأهلية هذه التصريحات كما قدمت في مختلف وسائل الإعلام تختزل مرحلة مؤلمة ومخضبة بالدماء الجزائرية الزكية في وجهة نظر شخصية متعسفة على تعقيدات الواقع و من ناحية التراتيب الدبلوماسية لا يمكن أن تمثل رأي لرئيس دولة في زيارة رسمية لدولة أخرى حول شؤون دولة ثالثة فهي لم تكن في ظرف مناسب ولا في مكان مناسب ومن مصدر مناسب و كان لها وما زال تداعيات سلبية على العلاقات مع قطاعات معتبرة من الرأي العام في الجزائر

كانت زيارة رئيس الدولة للشقيقة ليبيا في محلها وفي أوانها لما تحمله من تأكيد تضامن الشعب التونسي ومؤازرته لثورة الشعب الليبي المنتصرة و كذلك لها كامل الوجاهة نظرا للمشاكل المستعجلة الحاصلة خاصة على الحدود وهي مسائل اقتصادية و أمنية تستوجب معالجة عاجلة في إطار التحكم في الوضع الأمني في المنطقة الذي يحتاج إلى تنسيق وتشاور في أعلى مستوى نظرا لانتشار الأسلحة والموارد البشرية لدى المجموعات المتطرفة المتغلغلة في الفضاء الصحراوي

ولكن هذه الزيارة خلفت شيئا من التشويش على الملامح الجديدة لسياسة الجوار و على رئيس الجمهورية أن يبذل مجهودات لدى الأخوة الجزائريين لإزالة حالة الامتعاض من بعض ما جاء في تصريحاته وكذلك عدم الرضاء عن تقديم زيارة ليبيا في حين تعتبر أن الجزائر هي الجار الأكبر لتونس وهي الأجدر بأسبقية الزيارة

وهناك زيارة السيد إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة والتي لا نعرف هل هي زيارة رسمية أم هي زيارة خاصة لحزب حركة النهضة وفي كلتا الحالتين هو ضيف للشعب التونسي يستحق كل الترحاب الجدير بزعيم يمثل المقاومة الفلسطينية في جانب من كفاحها المستميت

غير أن هذه الزيارة أحدثت في ترتيباتها ومراسم الاستقبال كثيرا من الاهتزاز في العلاقات مع السلطة الفلسطينية و كان يجب أن تتخذ كل الاحتياطات والإجراءات الدبلوماسية اللازمة لكي تنسجم هذه الزيارة مع التزامات الدولة نحو السلطة الفلسطينية الممثلة الشرعية للدولة الفلسطينية

وتجدر الإشارة كذلك إلى ما واكب هذه الزيارة خلال الاستقبال الشعبي الذي استأثرت بتنظيمه حركة النهضة من الهتاف بشعارات عنصرية مستوردة من أعماق التعصب والجهل والتطرف الغريب عن العقلية التونسية هذه الشعارات تناقلتها وكالات الأنباء العالمية على نطاق واسع كانت نتائجها تشويه صورة تونس ما بعد الثورة وتشويه لمطالب الشعب الفلسطيني إلى جانب انعكاساتها السلبية على الحركة السياحية التي تهم بلادنا

إن مصدر صياغة السياسة الخارجية لم يعد واضحا

هناك أولا التدخل المباشر للسيد رئيس حزب حركة النهضة وهو ليست له صفة رسمية في الدولة تخول له ذلك ثم أن هذا التدخل يسعى إلى دفع سياسة البلاد الخارجية نحو مراجعات جوهرية لتوجهات الدولة ليس لها من دافع سوى التقارب الفكري و العقائدي التي لا علاقة لها بالمصالح الحيوية للبلاد

عندما يصرح السيد الغنوشي بأن دولة قطر هي شريك للشعب التونسي في ثورته فذلك معناه تحريف لطبيعة الثورة و تغيير لوجهتها يضعها في فضاء عقائدي تتصارع فيه محاور للنفوذ ماانفك ينشط كل منها للالتفاف على ثورات الشعوب العربية والزج بها لخدمة مشاريع لا علاقة لها بدوافع ومنطلقات وأهداف هذه الثورات

أن تكون قطر شريكا لتونس في مختلف مجالات التعاون الدولي وفي تبادل المصالح فذلك شيء مطلوب و يستجيب لحاجيات البلاد ويخدم مصالح البلدين في إطار الاحترام التام لسيادة كل منهما وهو ما يجب تهيئة كل العوامل لتحقيقه أما أن يرتهن ذلك بدفع السياسة الخارجية في اتجاه يجعل البلاد مجرورة إلى مخططات إقليمية مريبة تخضع إلى اقتسام مناطق النفوذ فذلك أمر مناقض لاستحقاقات الثورة ويضع المصالح الحيوية لبلادنا تحت الوصاية التي من نتائجها المباشرة المس من استقلالية القرار الوطني
وهناك ازدواجية في صياغة السياسة الخارجية بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة لم تكن متناسقة وغلب عليها جانب التلقائية وهو أمر يجب تفاديه بشيء من التنسيق بينهما حول التوجهات الأساسية للسياسة الخارجية ثم مع المجلس الوطني التأسيسي بحيث نضمن التوافق حول الإجراءات و المبادرات التي تفضي إلى مراجعات أساسية

أما القائمين على شؤون هذه السياسة للبلاد الذين لهم صفة رسمية في الدولة و بالنظر لما تفرضه المرحلة الانتقالية حيث أنهم يتحركون وفق قانون مؤقت لتنظيم السلطات العمومية فمن واجباتهم الوطنية تأمين المصالح الحيوية للبلاد حسب منهج عقلاني يحترم التزامات الدولة ويجسم سيادتها و يشتغل وفق ميزان قوى عالمي تحكمه المصالح المتصادمة بعيدا عن الاستجابة لإغراءات التقارب الفكري أو الضغوط العقائدية أو الاعتبارات الحزبية