منذ مدة تعالت في كامل جهات الجمهورية الأصوات المحتجة على انقطاع المياه المتكرر إلى درجة الإخلال بسير الحياة اليومية للمواطنين.
و اتسعت رقعة الاحتجاجات التي و إن كان انقطاع الماء قاسمها المشترك فإن الأطراف التي يلقي عليها المحتجون المسؤولية تختلف حسب أسباب إنقطاع الماء. فالشركة التونسية لاستغلال و توزيع المياه SONEDE ليست الجهة الوحيدة المسؤولة عن توفير الماء في كامل مناطق الجمهورية بل إن مجامع التنمية هي المسؤولة عن هذه المهمة في الوسط الريفي.

هذه المنظومة تشمل صنفين من الجمعيات المائية صنف أول يهتم بالقطاع السقوي و صنف ثان يهتم بالتزود بمياه الشراب حيث تقوم مجامع التنمية بمهمة استغلال و توزيع المياه بالإضافة إلى صيانة المنشآت المائية والمحافظة عليها.

و تقوم الجمعيات المائية بدورها في التصرف في الموارد المائية في إطار مجموعات محلية تتم إدارتها من طرف هيئة ينتخبها المنتفعون تتولى التسيير الفني والمالي والإداري للمشروع وتسهر على صيانة المعدات وحماية المياه من التلوث ومنشآت المشاريع من العبث من أجل استخدام و إستغلال المياه بشكل متكافئ.

و باعتبار المهمة الموكلة إليها، فإن الجمعيات المائية غالبا ما توجه لها أصابع الاتهام خصوصا مع أحداث انقطاع الماء الصالح للشراب في بعض المناطق الريفية بصفة متكررة في الاونة الأخيرة.

هذه الاتهامات هي ما دفعنا لسؤال تقنيين عاملين ببعض مجامع التنمية عن أسباب إلقاء اللوم على هذه الأخيرة، ليتبين لنا أن من أكبر الاشكاليات التي تعترض عمل هذه الجمعيات اخفاق الفلاحين في اختيار من يمثلهم في تولي الاشراف على عمليات التسيير، إضافة إلى غياب الوعي بقيمة المشاركة الجماعية والتهرب من تحمل مسؤولية سداد المستحقات المتخلدة بالذمة، كما يلتقي سوء التصرف و التسيير مع العجز المالي ليزيدوا الأمر سوءا.

و لكي نضع الأمور في نصابها، اثرنا الإطلاع على رأي مختص فاتصلنا بالسيد مولدي الماكني تقني أول خلية متابعة مجامع التنمية (ماء صالح للشراب و الري) بولاية جندوبة ليحدثا عن العراقيل التي تعيق إنجاز مهمة هذه المجامع على أكمل وجه و ليفسر لنا أسباب التقصير.

في البداية طرحنا مسألة عدم تزود جميع أرياف الشمال الغربي بالماء الصالح للشراب خصوصا داخل المنازل رغم كون هذه المنطقة تحتوي على احتياطي هام بل أكثر من ذلك فالشمال الغربي يزود مناطق أخرى من البلاد بالماء كالساحل مثلا في حين يبقى هو للعطش.

و في هذا السياق، قال السيد مولدي الماكني أن هذه المسألة مرتبطة بالكلفة الغالية لاستخراج المياه بداية من القيام بدراسة المشروع ثم أعمال الحفر و شراء الالات و التجهيزات الضرورية خاصة و أن أسعار توزيع المياه بالكاد تغطي الكلفة وليس فيها أي هامش للربح بما أن المنتفع يدفع قيمة دينار واحد للمتر المكعب في حين أن كلفة الإستخراج تفوق ذلك بكثير.

كما أشار محدثنا إلى النقائص التي تعيق عملهم الذي يتطلب التنقل و الزيارات الدائمة إلى المناطق التي تخضع لإشراف الجمعيات المائية في حين أنهم يملكون سيارة واحدة و هي ليست صالحة للاستعمال لأنها غالبا ما تكون معطبة كما لا يمكنهم شراء قطع غيارها كل هذا بسبب نقص الموارد التي تتأتى أساسا من سداد فواتير استهلاك المياه سواء مياه الشراب أو مياه الري التي يمتنع المنتفعون عن سدادها.

و أضاف مفسرا الأسباب التي تمنع مجامع التنمية من التدخل السريع و الفوري ليقول إنها أساسا تتمثل في شح التجهيزات، و التي في الأصل هي تجهيزات قديمة تحتاج إلى التجديد و الصيانة، كذلك ضعف الإمكانيات البشرية و المادية.

و حسب السيد مولدي الماكني فالحل لمجابهة كل هذه النواقص يكمن في وعي الفلاحين بأهمية سداد مستحقاتهم لمجامع التنمية بما يمكن هذه الأخيرة من تجنب عجزها المالي الناتج عن التأخر أو الإمتناع عن السداد و بالتالي يسهل عليها تسيير أمورها و إنجاز مهمتها.

كما أعلمنا محدثنا بأن مجامع التنمية تقوم بحملات توعية و زيارات دورية للفلاحين للتعريف بأهمية دورها و حيويته و أيضا لحث المنتفعين على سداد ديونهم. و لكن في الاونة الأخيرة، و خصوصا منذ اندلاع الثورة التونسية، و مع إرتفاع مديونية الفلاحين أصبح هؤلاء يمتنعون عن السداد كما لم تعد جمعيات التنمية قادرة على القيام باجتماعاتها المعتادة مع الفلاحين نظرا لتعكر الأجواء بينهم حيث لا يتردد المنتفع بخدمات الجمعيات المائية من إلقاء اللوم على هذه الأخيرة مع أول مشكل يعترضه فيما توعز هي بدورها مشاكلها هذه إلى عجز داخلي أولا.

ففي ظل التخبط في طاحونة العجز الداخلي الذي يتلخص في الافتقار إلى الامكانيات المادية و التقنية و البشرية، يبقى الحل الأمثل لكل ذلك هو مراجعة منظومة مجامع التنمية بما يمكنها من مستوى أفضل من حسن التصرف و التسيير يجعلها قادرة على تجاوز عجزها و القيام بمهمتها على أكمل وجه.