المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

tunisie-libre

أخيرا تكلم الشيخ عبد الفتاح مورو فقال كلمة الحق التي انتظرها كل مسلم غيور على دينه، خاصة بعد ما حدث من أمر جلل ببلادنا، ولات وقت تردد أو سكوت. فاليوم تبدأ النهضة الإسلامية الحقيقية بتونس، نهضة الإسلام العلمي الكوني، الإسلام التنويري، إسلام الرسول العربي الأكرم، لا إسلام الأعراب كما نراه عند من يدعي السلفية وهو لا يتعاطى إلا الأكاذيب والزيف على السلف الصالح وعلى الإسلام الحقيقي.

اليوم إذا بتونس تتواصل من جديد نشأة الإسلام المستأنفة، هذا الإسلام الذي هو ثورة مستدامة؛ فلهذا الإسلام الحق بنات وأبناء بررة يخدمونه حتى لا يصبح غريبا بين أعراب لا يفقهون من دينهم نقيرا.

لقد ظهر الحق مؤخرا ممن تعلق بصدق بتعاليم الإسلام السمحة كما عهدناها، متسامحة ومتفتحة على الآخر، فأزهق باطل من ادعى على الإسلام ما ليس منه جاعلا الدين العربي دين أعراب لا يأخذون من تعاليمه السمحة إلا السذاجة والعنجهية والكره والعنف وإهدار الدماء.

إن حزب التيار الإسلامي المسمّى بهتانا بالنهضة أثبت بما لا يدعو للشك أنه ليس في شيء بنهضة للإسلام بعد أن غالط طويلا نفسه، مخادعا إياها وهو يعتقد خداع من كان واسع البال معه ليفيق إلى رشده ويعود من غيه.
لقد دلل حزب الشيخ الغنوشي بما يكفي من الأدلة الشافية أنه ليس بنهضة للإسلام، بل إنهاض مخادع لنظرة متزمتة لدين ثوري وإجهاض صريح لتنوير إسلامي حقيقي.

فالنهضة الإسلامية الصحيحة لهي النهضة الصوفية، وهي تيار إسلامي صريح له في حزب النهضة الحالي بعض الأنصار، ولكنهم للأسف بقوا من القلة بمكان مما جعل وزنهم فيه غير ذي شأن للتأثير على توجهات الحزب الأساسية.

ولا شك أن الدماغ المفكر لهذا التيار هو المؤسس الحقيقي للحزب، الشيخ عبد الفتاح مورو، الذي سكت طويلا على تجاوزات خلانه في الحزب لتمسكه بسماحة دينه وتعاليمه القاضية بمقابلة الظلم بالحلم ولأمله في الوصول بالتي هي أحسن لخير الحزب من تطور نحو الأفضل.

ولكن بما أنه لا ينفع العقار في ما أفسده الدهر وبما أن المصلحة العليا للدين ومصير البلاد يقتضيان التضحية بالغالي لما هو أغلى وبالنفيس لما هو أنفس، فهوذا شيخنا الجليل، كما ناشدناه عديد المرات، يتكلم للتذكير بالحق ودفع الباطل؛ وكان الباطل دوما زهوقا.

لقد عمل الشيخ على رأس هذا التيار، من خارج الحزب ومن داخله، للنهوض بالنهضة ورفع فهمها للإسلام؛ فما نجح، وكان فشله ذريعا. ذلك أنه رغم ما كان يبديه الشيخ راشد من بوادر تفتح على روح الإسلام الحقة، فإنه حين المحنة يتنكر لقناعاته المزعومة ويتصرف كمن يخاف على ماحصل بيده أن يضيع دون الحصول على ما يتمنى؛ وكأن الإسلام له مطية للوصول لأغراض دنياوية !

لقدكان حقا الشيخ الغنوشي في تصرفه منذ الثورة قليل الإسلام، لأن في دين محمد ثقة لا متناهية بالله وبما يكتبه لنا عندما يكون تصرفنا حسب أخلاقية الإسلام السمحة، إذ عندها يكون كسبنا لمَضمون من الله بدون أدنى شك.

إن حزب النهضة أصبح اليوم كسائر الأحزاب في تلاعبه السياسي، مثله تماما كمثل التيار السلفي المتزمت في فهمه للدين. وقد بينا أن السلفية الحقة في تونس هي صوفية الحقائق، إذ الصوفية هي التي فهمت الإسلام على حقيقته فأولته تأويلا صحيحا، صارفة تعاليمه عن الرسم الخداع، آخذة بها حسب روحها لا نصها.

أما السلفية الظالمة نفسها وظالمة غيرها اليوم، فهي سلفية الأكاذيب، إذ هي تفتري على نفسها وعلى السلف الصالح، فهي أعرابية في فهمها للدين لا تفقه منه شيئا، بل تضر به أشد الضرر. وقد صرح بذلك القرآن وبينته السنة بلا مجال للتذكير به.

لذا، فالتيار الإسلامي الحق في ربوع تونس الخضراء، بلاد الأنس والمؤانسة، خضراء الإمتاع والإبداع، هو النهضة الإسلامية الجديدة المتجددة، التي هي نشأة مستأنفة وتجدد مستدام في ثورة على التحجر لا تهدأ، كما بينت ذلك صوفية الحقائق، ومنها الجنيد السالك.

وبما أن النهضة الحالية، نهضة الشيخ راشد الغنوشي، نهضة كاذبة للإسلام، فإنه لم يعد بدا لكل مسلم كان فهمه للدين عربيا لا أعرابي أن ينفصل عن النهضة الحالية، التي مآلها اندثار نور الإسلام، ليبني لدينه بيتا آخر يكون بحق بيت الإسلام الصحيح في هذه البلاد، الإسلام التنويري.

وبما أن هذه الدعوة موجهة لكل مسلم سليم الإسلام، صحيح العقيدة، فهي أيضا تخص كل من كان في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية لأجل مبادئه الأساسية أومن غادره بعد، مثل جماعة وفاء، وذلك للإنضمام لهذا الحزب الجديد، حزب الشعب التونسي المسلم حتى يكون خير ممثل لخاتم الأديان، إسلام ما بعد الحداثة.

فلهذا الحزب ستكون تونس كلها بيته الآمن الأمين، سقفه سماء العالم السني في تسامي منظومته الإنسانية، وجدرانه أفق الحرية الرحب في ترامي أطرافه على كل ما أفرزه العقل البشري من أخلاقيات عالمية، وأرضيته أرض عزيزة علينا في تفتحها على العالم حولها وتسامح شعبها وصفاء الحياة معه.

إن التاريخ يُكتب اليوم ببلادنا، إذ الإسلام بها يتجدد أخيرا؛ فعاشت تونس الإسلامية في دين تنويري ما بعد حداثي! فإنها ثورة الإسلام المستدامة، وهي استمرار لثورة الشعب التونسي العظيم في انقلابه على كل ديكتاتورية، دنياوية كانت أم سماوية. وعاش شعب تونس أبيا متمسّكا بإرادته العصية، إرادة الحياة التي لا تُقهر!

فرحات عثمان