airport-guard-title


* حقائق وشهادات و وقائع خطيرة تُكشف لاوّل مرّة حول الانقلاب الابيض داخل المطار

تونس/ نواة / انجاز وليد الماجري

لم يكن الامر سهلا، ولكنّه لم يكن مستحيلا.. في مطار تونس قرطاج الدولي يوجد جهاز امنيّ مهمّته احتواء الامن الموازي وتكوينه وتوزيع المهامّ المشبوهة على عناصره تحت غطاء ما يُسمّى بفرقة حماية الطائرات التّي تحتوي بدورها على خليّة تشرف على التدريب على الرماية وفنون القتال مسجّلة رسميا تحت مسمّى “مكتب الدراسات والتكوين” ليتمّ تغيير تسميتها الى “التكوين التنشيطي والرسكلة” بمجرّد ان كشف الصحفي زياد الهاني عن معلومات تُفيد بوجود ما وصفها ب”خليّة اغتيالات” يشرف عليها المدير العام للمصالح المختصّة بوزارة الداخلية محرز الزواري تتلقّى تدريبا خصوصيّا لتنفيذ مهمّات تدور في فلك الاغتيالات السياسية. انّها دولةٌ الظلّ أطلّت برأسها.

في هذا العمل الاستقصائي نرفع الستار عن حقائق كانت مدفونة في تقارير الاجهزة الاستعلاماتية..ونُجيب عن اسئلة تتعلّق بملابسات تأسيس هذا الجهاز الامني الموازي وعن هويّات من يشرفون عليه وعن طبيعة المهمّات المحتملة التي تمّ تكليفه بتنفيذها فضلا عن وضع النقاط على الحروف في ما يخصّ السيرة الذاتية لبعض عناصره.

“دولة داخل الدولة” .. بهذا التعبير المقتضب أراد مصدرنا الرئيسي (مسؤول سام في الاستعلامات) اعطاء توصيف دقيق لما يحدث داخل مطار تونس قرطاج الدولي منذ تاريخ صعود حركة النهضة الى سدّة الحكم بعد انتخابات الثالث والعشرين من اكتوبر 2011 ، حيث تمّ زرع ضابط شرطة مساعد (اختصاص ارشاد، وحدات التدخّل) يدعى عبد الكريم العبيدي (يلقّبونه بالحاج) بناء على نقلة من الادارة المركزية للارهاب الى محافظة مطار تونس قرطاج اين التحق بفرقة الارشاد وفق ما توضّحه السيرة الذاتية الرسمية الخاصة به والتي يطلق عليها اسم “البطاقية” ، ليتمّ بعد ذلك تنفيذ ما تمّت تسميته بعملية انقلاب بيضاء داخل المطار اسفرت عن خلط كل الاوراق واعادة هيكلة الجهاز الامني بصورة ضبابية تكاد لا تمتّ لهيكل وزارة الداخلية بايّ صلة.

رجل النهضة الحديدي .. السّيرة المحرّمة

لفهم خفايا الامن الموازي كان لزاما علينا العودة الى ملابسات التغيير الجذري او الانقلاب الابيض الذي حصل في المطار بعد تولّي النهضة الحكم . ولفهم هذا الانقلاب وجدنا انفسنا مضطرّين للتنقيب في سيرة اللاعب الرئيسي عبد الكريم العبيدي الذي مثّل التحاقه بالمطار نقطة تحوّل جذريّ قلَبت موازين القوى وخلقت جهازا جديدا تربطه علاقة غير طبيعية بمحيطه المهني.

رحلة البحث المضنية قادتنا للحصول على نسخة سرّية من “بطاقية” عبد الكريم العبيدي الذّي اتّسمت مسيرته المهنية بالاضطراب وتخلّلتها عديد الهزّات لعلّ ابرزها –وفق ماهو مبيّن في الوثيقة- استنطاقه سنة 2006 من قبل التفقدية العليا لوزارة الداخلية في موضوع يتعلّق بمعاملات مالية مشبوهة بالعملة الصعبة تبلغ قيمتها 276 الف اورو فضلا عن شبهات اخرى ذات صلة بممارسة انشطة نفعية مرتبطة بالسمسرة بالملاكمين. وقد اضطرّ العبيدي الى مغادرة البلاد والاحتماء بمنزل احد افراد عائلته في دبي (تحصّل على ترخيص للسفر) قبل ان يعود الى تونس على اثر غلق الملفّ نظرا لكثرة اللّغط الذّي اثير حوله.

وتبيّن الوثائق التي بحوزتنا انّ نَقل العبيدي الى محافظة مطار تونس قرطاج الدولي بعد الانتخابات تزامن مع سلسلة من الاحداث المتسلسلة والمترابطة فيما بينها بشكل يُفهَم بطريقة واحدة : هدم الموجود لبناء المنشود.

وتمثّلت هذه الاحداث في اجراء نُقل جماعية غير متوقّعة لمجموع القيادات الامنية السامية واستبدال محافظ امن المطار السابق سامي الزواري بآخر محسوب على حركة النهضة يدعى فتحي بوصيدة وتغيير رؤساء الفرق بآخرين لا يملكون كفاءة نظرائهم السابقين ما جعل نقابة اعوان امن المطار تطلق صيحة فزع عبر بيان لها بتاريخ 07 ماي 2012 تمّ على اثره ضرب النقابة وايقاف كاتبها العام عصام الدردوري عن العمل وايداعه السجن لفترة من الزمن.

ولكي تكتمل جميع قطع طاولة الشطرنج كان لابدّ من توفير الارضية القانونية الملائمة لضابط الشرطة المساعد عبد الكريم العبيدي لينزع عنه عباءة عون الارشاد ويتسلّم القيادة الفعلية للاشراف على تنفيذ مخطط الانقلاب الابيض المبرمج في المطار .ولكن كيف لضابط شرطة مساعد ان يكون له من النفوذ ما يَكفيه لقلب الطاولة رأسا على عقب.

للاجابة على هذا السؤال المفصلي بحثنا مجدّدا في بطاقية العبيدي فجاءتنا الاجابة سريعا : لقد تمّت ترقيته الى رتبة ضابط شرطة اوّل ثمّ تمّ ارداف تلك الترقية باخرى استثنائية بتاريخ افريل 2012 لا تُمنح عادة الاّ لمن قدّموا خدمة جليلة للوطن (حسب الفصل 25 من الباب الثاني في الانتدابات والتسميات والترقيات المنصوص عليها في القانون عدد 70 لسنة 1982 المتعلّق بقوّات الامن الداخلي فانّه يمكن :

-ان تسند المكافئة الاستثنائية في شكل ترقية الى رتبة اعلى او تدرّج بدرجة او عدّة درجات او في شكل منحة جملية تحدّد حسب الحالة لاعوان الامن الداخلي الذين :

* انجزوا طريقة عمل ترتّب عنها تحسّن في نوعية الخدمات الادارية والمهنية

* او قاموا بعمل جنّب الادارة اضرارا فادحة او تميّزوا بدرجة عالية من الاتقان في اداء مهامّهم وتسند هذه المكافئة الاستثنائية مباشرة من قبل رئيس الجمهورية او باقتراح من وزير الداخلية بناء على تقرير معلّل.

– ان يمنح مكافئة استثنائية في شكل ترقية الى رتبة اعلى او تدرّج بدرجة او عدّة درجات لاعوان قوّات الامن الداخلي الذين يتميّزون بشجاعتهم واخلاصهم للصالح العام او يصابون بجروح خطيرة او يتوفّاهم الاجل اثناء مباشرتهم لوظيفتهم .) ، فاصبح بذلك محافظ شرطة وبات مؤهّلا لتحمّل مسؤولية قيادية ،عندها تمّ نقل رئيس فرقة حماية الطائرات المسمّى عبد المجيد الصغيّر (كفاءة عالية من خرّيجي فوج كومندوس الحرس) ليحلّ محلّه العبيدي الذّي لم تكن لديه ادنى فكرة عن كيفية تسيير جهاز حماية الطائرات ما جعله يستنجد ببعض قدماء الفريق لفهم هيكلة الفريق وكيفية اشتغاله خاصّة وانّه يضمّ نخبة المؤسسة الامنية (الفوج الوطني لمجابهة الارهاب ،الدرجة الثالثة من فوج طلائع الحرس والدرجة الثالثة من الوحدات الخاصة في سلك الشرطة).

عبد الكريم العبيدي
عبد الكريم العبيدي

وفي الوقت الذّي يبيّن فيه الفصل اعلاه شروط الترقيات الاستثنائية والجهة المخوّل لها منحها يصرّ العبيدي على انّ مجلس الترقيات هو من نظر في ملفّه بناء على طلب منه لتسوية وضعيّة مساره المهني علما انّ مجلس الترقيات يتكوّن من كوادر الوزارة ممثّلين المديرين العمّين والمتفقّد العام.

وبعد ان جمع ما يكفيه من معطيات، وفق مصادرنا المؤكّدة، انطلق الرئيس الجديد لفرقة حماية الطائرات في وضع أولى لبنات “برنامجه الاصلاحي” لتكون ضربة البداية بحلّ الفريق القديم ونقل اغلب عناصره وفتح الباب امام سيل جارف من الانتدابات المريبة التي سنأتي على كشف ملابساتها بالتفصيل استنادا الى تقارير استخباراتية – نحتفظ بنسخ منها – رفعها مسؤول في الاستعلامات الى وزير الداخلية علي العريّض قصد احاطته علما بما يقوم به العبيدي بالتنسيق التام مع مدير المصالح المختصّة محرز الزواري ،بصفته المدير العام للمصالح المختصّة مرجع النظر بالنسبة الى العبيدي، وفق ماهو مدوّن في التقارير.

فريق جديد على المقاس

رحلة البحث عن ملامح تركيبة الفريق الجديد حتّمت علينا تنويع مصادرنا والتعويل على شهادات حيّة وردت على ألسنة مسؤولين امنيين وقيادات ومدرّبين ممّن شملتهم النّقلة فضلا عن الالتقاء بعدد من المنتدبين الجدد الذّين ينتمون الى اختصاصات مختلفة ويتّسم اغلبهم بعدم الالمام بأبجديات حماية الطائرات (قادمون من اختصاصات مختلفة)، غير انّنا تفطنّا في اخر المطاف الى وجود خليّة لا يتجاوز عدد عناصرها السبعة تمّ تشكيلها حديثا تختصّ في الرماية وفنون القتال ويتمّ تعريفها في الوثائق الرسمية تحت اسم “التكوين التنشيطي والرسكلة”. وكانت هذه الخليّة تحمل اسم “فريق التدخّل الخاصّ” غداة انطلاق العبيدي في تنفيذ برنامجه منتصف العام المنقضي ثمّ تمّ تغيير اسمها الى “مكتب الدراسات والتكوين” بمجرّد ان تحدّث الصحفي زياد الهاني بتاريخ 08 فيفري في قناة نسمة عن وجود خليّة امنية سرّية قال انّها على علاقة باغتيال شكري بلعيد (انظر المقارنة بين الوثيقتين).

⬇︎ PDF

وجاء في مراسلة رسمية (نحتفظ بنسخة منها) رفعها مسؤول نقابي امني رفيع المستوى الى وزير الداخلية علي العريّض بتاريخ 11 ديسمبر 2012 تتعلّق بملابسات تكوين فريق حماية الطائرات الجديد ما يلي :” حيث انّ المعني (يقصد عبد الكريم العبيدي) وجد حظوة ادارية مجهولة المصدر فتمّ تمكينه من آليات عمل ضخمة جعلته يستغلّها ليكوّن وحدة امنية مستقلّة مجهّزة ومدعّمة لا تخضع الاّ لتعليماته الشخصية بعيدا عن كل رابط اداري او قانوني قوامُها حوالي 120 عون امن مُوهمًا الادارة بانّه يسعى الى تكوين نواة متكاملة لحماية الطائرات، مستغلاّ في ذلك تعليمات ادارية سابقة تدعو الى العمل على تأمين الرحلات الجوية في اطار منظومة التوقّي من الارهاب ، ليستغلّ تجاوب الادارة من اجل توظيف الامكانيات البشرية والمادية لتنفيذ مخطّطه”.

ما ورد في مراسلة المسؤول النقابي لوزير الداخلية تكرّر باعتماد توصيف شبه متطابق في تقارير استخباراتية رفعها مسؤول بجهاز الاستعلامات للوزير موضّحا فيها بانّ:”

*اكثر من ثلثي العناصر التي تمّ استقدامها كان بناء على معرفة سابقة ووفق مبدأ المحسوبية وردّ الجميل والصداقة والنسب وهو ما يبرّر تعيين صهره لسعد بن رحومة ضمن الفريق لتامين الرحلات الحسّاسة والحال انّه قضّى كامل مسيرته المهنية ضمن ادارة امن الدولة.

*انتداب عنصر (يدعى ياسين البركاتي) من بين العناصر التي تولّت استنطاقه في التفقدية العليا سنة 2006 على خلفية قضيّة تهريب العُملة. (وهو ما اكّده عبد الكريم العبيدي خلال مكافحة اجريناها معه مشيرا الى انّه تمّ بحثه على مدى شهرين سنة 2006 ولكن في اطار مجموعة من التقارير الاستعلاماتية المرفوعة ضدّه والتي تتّهمه بالاتّجار في الملاكمين).

*ابعاد عناصر فرقة حماية الطائرات والمتكوّنين صلب الوحدات الخاصّة (مصطفى البلدي، عادل حمّودة، العربي نصيب، علي المزوغي …) وتعويضهم بعناصر جديدة تفتقر للخبرة في ابسط قواعد الطيران (على غرار انور بلحاج سالم عون تفتيش امني وعلي الدريدي عون امن مكلّف بالحراسة في المطار تمّ الحاقهما بحماية الطائرات بعد تربّص قصير في بوشوشة) ما يعتبر تلاعبا بسلامة الطائرة وركّابها في حالة حصول طارئ او خطر.

*اصدار تعليمات واضحة لمنظوريه بعدم التعامل مع ايّ وحدة امنية وعدم تطبيق ايّ تعليمات الاّ بالرجوع اليه بما في ذلك اوامر رئيس المحافظة أعلى سلطة امنية في المطار.

*انشاء خلية تابعة للفرقة تعمل في اختصاص العدلية والارشاد والمتابعة والتدخّل صلب فرقة حماية الطائرات موزّعة بالمطار ومجهّزة لاسلكيا ولا سلطة لايّ كان عليها ولا يتمّ تعدادها ضمن تعداد العاملين بالمطار وهو ما خلق حالة من التذمّر في صفوف الامنيين في المطار بدعوى وجود تمييز بين الامنيين .

*انشاء فريق خاصّ به تمّ تمكينه من كلمة عبور للاطّلاع على قائمات المسافرين المسجّلين ضمن مختلف الرحلات . ويتكفّل هذا الفريق باعلامه بشكل حينيّ عن بعض الاسماء من التجار ورجال الاعمال والمعارضين السياسيين قبل قيامهم بعمليات التسجيل”.

وتفتح هذه النقطة الاخيرة الباب على مصراعيه للتساؤل حول مدى قانونية هذا الاجراء الذّي يحيلنا مباشرة الى جهاز البوليس السياسي الذّي كان على مدى العقدين المنقضيين سيفا مسلّطا على رقاب الحقوقيين والخصوم السياسيين لنظام الحكم السابق، وعن الهدف من احيائه من جديد في مطار تونس قرطاج الدولي اذا لم تكن هنالك نيّة مبيّتة للتجسّس على تلك الشخصيات خدمة لاجندا حزبية.

شهادات مفزعة من رحم فرقة حماية الطائرات

لتأكيد جملة المعطيات التي وردت في تقارير استخبارتية ونقابية او نفيها ربطنا الصلة بعنصرين من عناصر حماية الطائرات القدامى الذين لم يشملهم التغيير بالاضافة الى مسؤول امني سابق بالمطار (رفضوا كشف هويّاتهم) لرصد انطباعاتهم حول اداء رئيس الفرقة الجديد عبد الكريم العبيدي ومدى نجاح الانتدابات التي قام . وقد اتّفق المستجوبون الثلاثة على انّ ما حصل في المطار بعد صعود حركة النهضة للحكم يعتبر “انقلابا حقيقيا” تغيّرت بموجبه ملامح المطار واصبح يشبه الى حدّ كبير ثكنة للامن الموازي.

ويقول الشاهد الاوّل (عون حماية الطائرات من القدامى الذين تمّت المحافظة عليهم) بانّه اصبح يفكّر بجدّية في طلب النقلة والالتحاق بثكنة بوشوشة لانّه بات يشعر بانّه مجنّد لخدمة طرف حزبي وليس لخدمة الوطن حسب قوله حيث يتمّ تجنيد بعض العناصر من الفرقة للسهر على راحة قيادي حركة النهضة خلال سفرهم واستقبال ضيوفها الاجانب. ويضيف مصدرنا ذاته بانّ الفريق الجديد لحماية الطائرات يفتقر الى ايّ خبرة او كفاءة في الاختصاص وهو ما يعرّض حياة المسافرين وطاقم الطائرة للخطر فضلا عن انّ وجود عدد من المدرّبين الاكفّاء على ذمّة “مهمّات اخرى” لا علاقة لها بحماية الطائرات يطرح اكثر من سؤال حول طبيعة هذه المهمّات السريّة.

وفي ما يخصّ طبيعة ما قال انّها “مهمّات سرّي” يؤكّد مصدرنا بانّها على علاقة بحماية مسيرات رابطات حماية الثورة.

الشاهد الثاني (عون قديم في فرقة حماية الطائرات موضوع على ذمّة الادارة) انطلق من المستوى الذي انتهى اليه زميله الاوّل حيث اكّد بانّ بعض المدرّبين القدامى في فرقة حماية الطائرات اصبحوا يتذمّرون ممّا وصفوه بتورّط بعض المدرّبين الاخرين في تدريب مجموعة امنية تتولّى الاندساس في مسيرات رابطات حماية الثورة لتاطيرها وتأمين الحماية اللازمة لها ومنع قوّات الامن من اعتقال عناصرها.

وقد شوهدت هذه المجموعة الامنية –وفق مصدرنا- يوم اغتيال شكري بلعيد في شارع الحبيب بورقيبة والحال انّها مدرجة ضمن المصالح المختصّة في خطّة حماية الطائرات ولا علاقة لها بما يحصل من تفاعلات ميدانية خارجه.

الشاهد الثالث (مدرّب قديم ، درجة ثالثة، تمّ تجميده من فرقة حماية الطائرات ووضعه على ذمّة الادارة) ذهب الى ابعد من ذلك مؤكّدا بانّه يملك ادلّة وضَعَها على ذمّة الجهات المختصّة تفيد بتورّط ما وصفه بالجهاز الامني الموازي في تدريب عدد من الشبّان المتشدّدين دينيا. وقد اتّضح لاحقا ،وفق مصدرنا، بانّ عددا من هؤلاء الشبّان تمّ ارسالهم من قبل جمعيّة حقوقية الى سوريا للجهاد بالتنسيق مع القيادي العسكري الاسلامي الليبي عبد الحكيم بلحاج الذي يتكفّل – بحسب تصريحات مصدرنا- باستقبال الشبّان التونسيين في الغرب الليبي وتأمين تسهيلات لوجستية لنقلهم الى تركيا ومنها الى سوريا.
وتفيد مصادرنا الخاصّة بانّ بلحاج كان قد زار تونس في مناسبات عديدة بعضها معلن وبعضها الاخر سريّ والتقى قيادات امنية وسياسية ورجل اعمال معروف. وقد احتضن نزل بوسط العاصمة (نحتفظ باسمه) بعض هذه اللقاءات السرية.

عمل امنيّ مسيّس

وبالتوازي مع المصادر الثلاثة السابق ذكرها تحصّلنا على وثيقة سرّية تكشف جملة من التجاوزات التي حصلت في المطار خلال الفترة الفاصلة بين 03 مارس و13 مارس 2012 نوردها كما وردت في الوثيقة وفق التسلسل الكرونولوجي التالي:

*03/03/2012 : تمّ السماح بدخول داعية سعودي (سعيد الغامدي) رغم انّه محلّ اجراء منع دخول بعد صدور تعليمات شفاهية تقضي بدخوله دون الحصول على (دي آف أوُ) كتابية اي الموافقة الحدودية التي يُفترض ان تصدر عن ادارة الحدود والاجانب.

*23/03/2012 : “اسلام” عون امن تعرّضت للمضايقة والتدخّل في عملها في التاشيرات من قبل المدعوّ (م ج) الذّي يقدّم نفسه كمكلّف ببروتوكول حركة النهضة بالمطار . وقد تمّ تهديد العون بالنقلة بعد رفعها لتقرير تظلّمت فيه لنقابة اعوان امن المطار. وانتهى المطاف بنقلة “اسلام” الى مقرّ ادارة الحدود والاجانب بتدخّل مباشر من عبد الكريم العبيدي.

*25/03/2012 : مواطن بريطاني من اصل سوري يدعى عبد المنعم حليمة ، الاسم الحركي “ابو البشير” ، مُشتبه في ضلوعه في عمليات ارهابية ، تمّ ادخاله عنوة من قبل مجموعة محسوبة على التيار السلفي بعد التنسيق مع محافظ المطار فتحي بوصيدة ورئيس فرقة حماية الطائرات عبد الكريم العبيدي رغم صدور تعليمات اولى بسحب هاتفه الجوّال وحاسوبه وارجاعه على متن الطائرة نظرا الى وجود اجراء حدودي ضدّه.

*19/03/2012 : تداخل رئيس فرقة حماية الطائرات عبد الكريم العبيدي في مهمّة قدمت للقيام بها مجموعة من اعوان الادارة المركزية لمكافحة الارهاب تتمثّل في بحث مجموعة مرحّلين محسوبين على التيار السلفي وهوما تسبّب في تعطيل عمل اعوان الادارة المذكورة.

*خلال الفترة المتراوحة بين 25/03 و 13/03/2012 : عبد الكريم العبيدي يتدخّل من جديد في عمل اعوان الادارة المركزية للارهاب وهذه المرّة لغاية التأثير في عمل الاعوان المذكورين اثناء سماعهم لمُرحّل محسوب على التيار السلفي قادم من قوانتنامو وهو ما اثار امتعاض الادارة المركزية لمكافحة الارهاب.

جملة هذه المعطيات الخطيرة الواردة في الوثيقة السرية التي نحتفظ بنسخة منها تقودنا الى قناعة راسخة مفادها انّ مطار تونس قرطاج الدّولي ليس مجرّد مؤسّسة بصدد التغيّر والتلوّن حزبيّا بل هو بوّابة اريد لها ان تكون منطلقا لتغيير طبيعة الدّولة برمّتها.

نفي وتضارب في الروايات

اتّجهنا الى مكتب رئيس فرقة الطائرات بمطار تونس قرطاج الدولي عبد الكريم العبيدي ونقلنا له جملة المعطيات والوثائق التي حصلنا عليها من جهات مختلفة والتي تشير في مجملها الى وجود مجموعة امنية تدار من المطار ويُعهد اليها تنفيذ مهمّات موازية للنشاط الاصلي الذي يفترض ان تمارسه في اطار حماية الطائرات.

لم يخرج لقاؤنا عن المتوقّع فقد انكر العبيدي جانبا كبيرا ممّا نُسب اليه ، وعندما واجهناه بتقارير ومعطيات موثّقة في بطاقيّته الخاصّة ذهب الى اتّهام مجموعة من الامنيين “المطردودين” من الفرقة وعددهم ثمانية بالوقوف وراء ما وصفها بحملة التشهير والتشويه التي تطال شخصه. واكّد العبيدي بانّ الاعوان الذّين وصفهم بالفاسدين كانوا قد تورّطوا في انشطة مشبوهة تتعلّق بالتهريب وخدمة اجندات بقايا الطرابلسية لذلك كان من الضروري ابعادهم مضيفا في السياق ذاته بانّ فرقة حماية الطائرات ما تزال تحتوي على عناصر “فاسدة” تعمل على عرقلته بكلّ الطرق لانّها تدرك جيّدا – والكلام له- بانّ الدور سياتي عليها لا محالة.

وقد لفت انتباهنا في حديث العبيدي الينا استعماله لمصطلح “الدعوة للتوبة” بدل المصطلحات القانونية الاخرى. حيث اشار الى انّه تحصّل على معلومات مؤكّدة حول تورّط بعض عناصر فرقته في عمليات تهريب وفساد على متن الطائرة فقام باستدعائهم عارضا عليهم “التوبة” حتّى لا يضطرّ الى اتّخاذ اجراءات تأديبية في حقّهم.

ولئن واجهناه بفرضيّة خدمته لاجندا حزبية ذات خلفية دينية على اعتبار جنوحه نحو تطبيق اجراءات عُرفية (الدعوة للتوبة) بدل تطبيق القانون فانّ العبيدي تنصّل من هذه الشّبهة ملقيا ايّاها على اطراف اخرى داخل المطار مؤكّدا بانّ “هنالك من اصبح منتميا لحركة النهضة من بين كوادر المطار وقد بات سلوكه مفضوحا”.

ويتّضح من خلال تأكيدات العبيدي بانّ مؤسّسة المطار اصبحت في كلّ الحالات مخترقة من قبل حزب النهضة وهو ما يدفع بنا للتساؤل من جديد عن حيادية هذا المرفق الحسّاس.

وقدّم عبد الكريم العبيدي فرقة حماية الطائرات على انّها :” خليط من الحرس الوطني والشرطة الوطنية، ومن مهامّها التصدّي للاعمال الارهابية في الطائرة .. ولا يمكن لايّ كان ان ينتمي اليها الاّ اذا كان متكوّنا في مجال مجابهة الارهاب في الحرس او في الشرطة . وقد تسلّمت هذه الفرقة وبها 30 عونا دون ايّ هيكلية يؤمّنون قرابة 12 رحلة منظّمة والحال انّ هذه الفرقة مطالبة بتأمين 33 رحلة موزّعة على عديد المطارات.”

وفسّر العبيدي مضاعفته لعدد اعوان فرقة حماية الطائرات لاربع مرّات في غضون اشهر قليلة بالقول :” تقدّمت بمطلب للادارة قصد تعزيز الفرقة باعوان من ادارة مجابهة الارهاب وطلائع الحرس .. وقد كنت احتاج الى 120 عنصرا متكوّنا بشكل جيّد ، ولمّا تعذّر على فوج الارهاب وطلائع الحرس مدّي بالعدد المطلوب اعددت برنامج (مؤهّل وظيفي) بما انّني متكوّن في المجال ، وقمت بتقديمه للادارة ثمّ أخذت اعوانا من صلب محافظة المطار تتوفّر فيهم الجهوزية البدنية والعلمية وكوّنتهم على مدى شهرين في بوشوشة تحت اشراف مدرّبين اكفّاء (مصادر من داخل الفرقة اكّدت بانّ سمير الطرهوني رفض الاشراف على هذه الدورة التكوينية) وقد وضعت على ذمّتهم مكتبا للتنشيط والرسكلة يتكوّن من خيرة الاعوان الذّين تقدّموا في السنّ ولم يعد في مقدورهم تأمين الحماية للطائرة لكي يُفيدوا بتجربتهم وخبرتهم بقيّة زملائهم.. انّ هذا المكتب لا علاقة له بايّ عمل موازي بل هو جزء لا يتجزّؤ من فرقة حماية الطائرات.”

وفي ختام حوارنا معه جدّد العبيدي تبرّؤه من التهم الموجّهة اليه معتبرا بانّه ضحيّة حملة تشويه تقودها عناصر معلومة من داخل وزارة الداخلية بهدف منع حصول ايّ تغيير داخل فرقة حماية الطائرات مشيرا في السياق ذاته الى انّ الادارة كانت قد تلقّت عديد التقارير المرفوعة ضدّه (هذا التصريح يؤكّد ما نشرناه اعلاه) وقد تمّ استدعاؤه من قبل الوزارة لتقع طمأنته ودعوته على لسان كبار المسؤولين (العريّض والزواري) الى مواصلة عمله والامتناع عن الابحار على الانترنات او مشاهدة التلفزيون لتفادي التشويش على عمله وفق ما ورد على لسانه.

تأتي هذه الطّمأنة في الوقت الذي كان يُفترض فيه فتح تحقيق داخلي للوقوف عند مدى صدق التّهم الواردة في التقارير المرفوعة ضدّ العبيدي ما يوحي بوجود قوّة ادارية تدعم رئيس فرقة حماية الطائرات وتقطع الطريق عن المشكّكين في “برنامجه الاصلاحي” داخل المطار.

ويتبيّن من خلال جملة المعطيات والوقائع التي اهتدينا اليها على مدى هذا العمل الاستقصائي بانّ المؤسسة الامنية تمّ اختراقها عبر خلق “بؤرة موازية” في فرقة حماية الطائرات قد تكون مقدّمة لبؤر جديدة في اسلاك اخرى في انتظار ان يتمّ فتح تحقيق قضائيّ في ملابسات هذه الوقائع واستدعاء كلّ من يشمله التحقيق للادلاء بدلوه في هذا الشأن والضّرب بايدي من حديد على كلّ العابثين بأمن البلاد واستقرارها وحيادية مؤسساتها حتّى لا يحقّ فينا القول باننا اصبحنا نعيش على وقع دولة داخل الدولة.