المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

poissondavril

فرحات عثمان

لقد تعددت مظاهر التزمت في بلادنا مما ينبيء بكارثة ديمقراطية لا محالة، إلا إذا أكدنا العزم على مجابهتها بكل حزم، ولكن أيضا بمعقولية و مسؤولية وبسلاح مسالم.

ففي تونس، أرض العطاء والمحبة والتسامح، تونس الإمتاع والمؤانسة، أرى أن ذلك يكون، إضافة إلى النضال السياسي المتعارف عليه، بنضال طريف، من نوع آخر، يتناغم مع عقلية التونسي المتسامحة وتطلعاته إلى الحرية والكرامة.

فكما رأينا شبابنا يرقص بالشوارع، فيناضل على طريقته من أجل الحرية والديمقراطية، علينا أن نواصل بكل الطرق المسالمة نضالنا الذي لا نهاية له لأجل حرياتنا بهذه البلاد، وذلك بالعمل بما أسميه تنمية المشاعر والأحاسيس النبيلة التي تزخر بها نفسية التونسي الأصيل.

إن تونس اليوم على شفا هاوية يجرها إليها تزمتٌ في فهم ديننا المتسامح من طرف أحزاب سياسية لا تمت في شيء بعقلية التونسي وبالفهم السليم للإسلام؛ فليس لها شيئا لا من الأصالة التونسية ولا من الأخلاق الدينية. فهي تعمل على فرض توجه خليجي للسياسة ببلادنا ومفهوم أعرابي للدين في وطن عُرف بتعلقه بالدين الحق في تسامحه وسماحته، وبالسياسة المتفتحة على العالم في دنيا متماسكة أطرافها، يعمل شعبنا دوما على دعمها بحنكة أبنائه ونضجهم السياسي.

فالإ- سَلام، وهكذا أنا أكتبه للتأكيدعلى أنه دين المسلم المسالم، المتفتح على الآخر في نطاق حوار وتبادل معلوماتي متواصل، مع صباحةٍ في الوجه ونقاوةٍ لليد والقلب، فلا عبوس ولا كلام تافه مما نسمعه يوميا من طرف من زعم الكلام باسم الإسلام.

ولكن للأسف، ذلك ما عهدناه ممن زعم تمثيله للدين فتسمى كذبا بالحركة التي تعمل لصالح الإسلام وهي تهدم صرحه وتشين أهم المباديء فيه؛ ولعله يكفي النظر إلى سحنة بعض ممثليه وعبوسهم القمطرير دون الحاجة لسماع كلامهم الأهوج لنحكم عليهم بعدم إسلامهم الحقيقي.

إن القبلة أصبحت اليوم ببلادنا بمثابة القنبلة، فهي تُقاضى فيُزج بالحب السجون بدعوى الإخلال بالأخلاق الحميدة! فهل هناك أخلاق حميدة غير التحابب والتوادد وتبادل القبل، وهي أفضل المشاعر في الإنسان؟ هل يريد أصحاب اللحى بتونس واللباس الطائفي والفكر المتزمت أن يكون التونسي عدوا لأخيه التونسي فلا يبادله القبلات، بل يقارعه اللكمات والعنف البغيض إلى حد القتل، وقد فعلها بعضهم؟

لذا، ونحن نشرف مع غرة أفريل على عادة سيئة، من بين تلك العادات الكثيرة التي تغلغلت فينا، ألا وهي كذبة أفريل، أدعو كل أبناء بلدي إلى قلبها إلى عادة حسنة باسم ديننا، دين التحابب والتوادد، وذلك بالمرور بها من الكذبة إلى القبلة، فتكون غرة أفريل مناسبة لتبادل قبلة المحبة والتآخي بشوارعنا وبكل مكان عمومي كان.

بذلك نعبر عن حسّنا الصحيح في الموطنة الحقة بنضالنا بصفة سلمية ورمزية لأجل حرياتنا ضد كل المتطرفين الذي يريدون خنقها. وعندها نضع النهضة وكل المتطرفين ومن لف لفهم، ممن انتمى إليها أو ساندها، أمام مسؤولياتهم : فإما أن يعترفوا بحق التونسي في الحب وتبادل القبل وتنمية المشاعر كخير ما في الإنسان من أحاسيس، وإلا أن يتتبعوا قضائيا كل الناس، كل من يتجاهر في حقه المشروع فى المحبة ويجاهر بحقه في تباد القبل بالساحة العمومية بتونس الديمقراطية، تونس الإمتاع والمؤانسة.

وهذه فرصة جديدة لتذكير حكامنا ممن يدعى الديمقراطية على الضرورة القصوى للتوقف حالا عن العمل بكل القوانين المنافية للحريات التي بقي النظام الحالي يعمل بها وهي من مخلفات الديكتاتورية البغيضة. فما الذي يفرق بين حكومة الثورة وحكومات العهد البائد والمنظومة القانونية باقية على حالها في قمع الحريات؟

إنه لا خيار لدعاة الرجوع إلى ديننا القيم إلا العودة إلى الإسلام الصحيح في قراءة عربية لا أعرايبة وفي تأويل ثقافي لا شعائري. فلا مكان لإسلام متزمت بتونس ولا مستقبل لتونس بدون الأخلاقيات الإسلامية؛ ولكنها أخلاقيات هذا الإسلام الذي أذكّر به دوما وأدعو حثيثا للعودة إليه، أي الحنيفية المسلمة. إنه إ- سَلام ما بعد الحداثة، ولا محيد عنه؛ وكل من حاد عنه حاد عن كنه ديننا وحقيقته لأغراض سياسية وأسباب شخصية لا علاقة لها بالدين القيم ولا بمصلحة هذا الشعب الذي ينتظر الكثير ممن جعلهم في الحكم لخدمته لا لأجل مصالحهم الضيقة.

فإلى القبلة، أيها التونسي والتونسية، نعوّض بها الكذبة! ولتكن بحق قبلة إسلامية، كلها محبة وسماحة وحسن وحسنى؛ لأن الله المحب الأعـم يحب المحبة، وقبلاتنا لبعضنا هي قبلات تُرفع إليه في صفاء نيتها كما ترتفع منا نحوه صلواتنا وكل دعاء منا. فالإسلام حب أو لا يكون، وهو اليوم قبلة كل مسلم على وجنة أخيه المسلم وثغر أخته المسلمة.