debozville

تونس/ نواة / انجاز وليد الماجري

لم يكن مقتل محافظ الشرطة محمد السبوعي على أيدي متشدّدين في منطقة ديبوزفيل الواقعة على مشارف العاصمة مجرّد جريمة عابرة ينتهي الحديث عنها بمجرّد انتهاء مفعول الصّدمة، فقد سقط القناع عن خلفيّات الجريمة وتبيّن بأنّها لم تكن حادثة معزولة أو جريمة حقّ عام بقدر ما كانت “عملٌا إرهابيّا” منظّما يندرج في سياق النّشاط الإعتيادي لأحدى الخلايا المتشدّدة التّي نجحت في بسط سيطرتها على منطقة ديبوزفيل سعيا منها إلى تطبيق الشريعة على المتساكنين في غياب تامّ لمفهوم الدّولة مستعينة في ذلك بتنظيم هرمي سنقوم بمحاولة تعريته في هذا المقال.

من خلال العمل الإستقصائي التالي سنحاول كذلك رفع الستار عن ملابسات مقتل محافظ الشرطة محمد السبوعي وما حفّ بالجريمة من وقائع تتعلّق ب”الإحتطاب” و إقامة الحدّ على “الطّاغوت”، ونكشف خفايا تنظيم ديبوزفيل الذّي يعتبر أحد المحاور المهمّة بالنسبة إلى تيّار السلفية الجهادية في تونس على اعتبار انّه مثّل على مدى الأشهر المنقضية مركز تعبئة و تجنيد لعشرات الجهاديين الذّين تمّ إرسالهم في المقام الاوّل الى سوريا وفي مقام ثاني الى شمال مالي، فضلا عن تسليط الضّوء على كواليس التنظيمات الجهادية في تونس انطلاقا من نموذج ديبوزفيل.

ومن الضروريّ بمكان التأكيد، قبل الغوص في ثنايا التحقيق، على أنّنا ربطنا الصّلة بأكثر من قيادي من تنظيم “أنصار الشريعة” وعبّرنا عن استعدادنا التام لوضع كلّ المعطيات و الوثائق و التسجيلات التي تحصّلنا عليها على ذمّتهم لكي يتفاعلوا معها ويبلوروا موقفا واضحا تجاهها قصد تحصين تحقيقنا من أيّ تجنّ على التنظيم أو نشر غير مقصود لمعلومة غير ثابتة، الاّ أنّ قيادة التنظيم قرّرت بعد التشاور في ما بينها عدم التفاعل مع المعطيات والنأي بنفسها عن ابداء رأي فيها.

ونظرا لاعتمادنا في جزء من تحقيقنا على اعترافات بعض الموقوفين في قضيّة السبوعي وعدد من الشهود الذين شملهم البحث فقد استرشدنا لدى مصدر من هيئة الدفاع عمّا إذا كان هنالك أيّ احتراز صلب الهيئة حول عملية الإستنطاق للموقوفين وعمّا إذا تمّ تسجيل عمليّات تعذيب ضدهم فكانت الإجابة بالنفي إلى أن يَجدَّ عكس ذلك.

تنظيم جهادي بين ثكنتَين

تقع منطقة ديبوزفيل على بعد نحو ثلاث كيلومترات عن مركز العاصمة. وتتوسّط ثكنتين عسكريّتين احداهما في جبل سيدي علي الرّايس والثانية في جبل أمّ ختار فضلا عن انفتاحها على عدد من الأنفاق والمغاور القديمة والكهوف غير المكشوفة المترامية في جبل سيدي الرايس ومقبرة الجلاّز ما يجعلها تحظى بموقع استراتيجي يتيح للمجموعات المتشدّدة و غيرها الإقتراب من المناطق الحيوية و التحصّن من كلّ خطر داهم في الآن ذاته.

في سنة 2006 ظهرت أولى لبنات خلية ديبوزفيل من خلال النشاط الدّعوي العلني الذّي كان يقوم به أحد الشبّان، و الذي يُدعى عبد الله بوخريص و المعروف بكُنية الهفكي، حيث انقطع عن حياة الإجرام (انظر السيرة الذاتية أدناه) واعتنق الفكر الجهادي وراح يتجوّل في الحيّ بآلة تسجيل محرّضا الناس على الإستماع إلى خطب اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة آنذاك. وتفيد مصادرنا المتطابقة بأنّ الهفكي نجح في استدراج عدد من شباب الحيّ (خالد، حمزة، زياد، لطفي- أنظر أسفل) ليعتنقوا الفكر ذاته.

وقد توسّعت المجموعة شيئا فشيئا لتتحوّل الى خليّة جاهزة للهيكلة، عندها تحصّن أفرادها بجبل سيدي بلحسن (قرب مقام الوليّ) وبايعوا عبد الله أميرا لهم وشرعوا في العمل السرّي إلى حين إيقافهم من قبل إحدى الفرق الأمنية الخاصّة قبل اندلاع انتفاضة سيدي بوزيد بنحو ثلاثة أشهر. و تمّ على إثر ذلك تفكيك الخليّة و ايداع المنتمين إليها السجنَ ليتمّ اطلاق سراحهم على خلفيّة سقوط نظام بن علي بعد أن شملهم العفو التشريعي العام.

بعد 14 جانفي، أصبح عبد الله الهفكي يتحرّك بحريّة مطلقة مما أتاح له ربط الصّلة ببعض القيادات السلفية على غرار سيف الله بن حسين المُكنّى بأبي عياض وفق ما تؤكّده الصّور و مقاطع الفيديو، ليسفر ذلك عن اتّخاذ قرار بإعادة إحياء الخليّة و توسيع نطاق عملها تحت إشراف مباشر و مباركة من قيادة أنصار الشريعة.

و نجح الهفكي في غضون أشهر قليلة من استقطاب عدد من شباب ديبوزفيل من ذوي السوابق العدلية في جرائم الحقّ العام (عنف، سرقة، سلب مسلّح، هجرة سرّية الخ…) ليكونوا النّواة الصّلبة للخليّة على اعتبار النفوذ الذي يحظون به في المنطقة وفق شهادات متطابقة للمتساكنين.

و تضاعف حجم الخلية مرّات و مرّات ليصل عدد أعضائها و المنتسبين اليها و الحاملين لأفكارها نحو 200 عنص، ما أتاح لها بسط سيطرتها بالكامل على منطقة ديبوزفيل التي لا يتجاوز العدد الجملي لسكّانها من 5 الى 6 آلاف ساكن بحسب الأرقام الرسمية، لتنطلق بعد ذلك معاناة الأهالي الذّين باتوا يعيشون على وقع الإرهاب النفسي و المادّي بشكل يوميّ دون أن يقدروا على تحريك ساكن جرّاء الغياب الكلّي للأمن الذّي حلّت محلّه “الشرطة السلفية” أحد الأذرع التنفيذية لتنظيم ديبوزفيل.

النموذج الهيكلي لتنظيم ديبوزفيل

قبل الغوص في الممارسات الميدانية – بعضها يرقى الى مستوى الإجرام المنظّم– التي يقوم بها تنظيم ديبوزفيل من الضروري تسليط الأضواء على التركيبة الهرمية للتنظيم الذي يتقارب هيكليّا مع الخلايا “الجهاديّة” المنتشرة في الشرق الجزائري و الخاضعة تنظيميا لما يُسمّى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، علما أنّ تنظيم ديبوزفيل يخضع هيكليا الى ما يُسمّى ب”أنصار الشّريعة في تونس” الذّي يتبنّى، بشكل ضمنيّ، أجندا تنظيم القاعدة و يتلقّى دعما معنويا منها على شاكلة توجيهات وبيانات مساندة.

لمحة عن التركيبة الهرمّية للتنظيم :
– عبدالله الهفكي / مؤسس الخلية
حوالي 35 سنة، من عائلة ميسورة، مؤسّس الخليّة. هاجر بطريقة سرّية الى ايطاليا سنة 2004 وتمّ ترحيله بعد سنتين الى تونس. صاحب سوابق عدلية في قضايا حقّ عام. اعتنق الفكر الجهادي منذ سنة 2006 واصبح يدين بالولاء لتنظيم القاعدة.في فيفري المنقضي تمّت مبايعة وجيه الزّيدي في جامع ديبوزفيل اميرا للخلية تحت اشراف عبد الله الهفكي ليتفرّغ هذا الاخير لادارة شبكة التعبئة للجهاد في سوريا التي أسّسها بدعم من بعض القيادات السلفية. التحق بسوريا في فيفري المنقضي ويشرف حاليا على المجموعات الشبابية التونسية المنضوية تحت لواء جبهة النّصرة.

– وجيه الزّيدي / الأمير

33 سنة، أعزب، عاطل عن العمل، انقطع عن العمل كسائق لدى دار البيجو منذ أشهر، كان مهووسا بالهجرة الى اوروبا. لعب في صفوف النادي الإفريقي رفقة شقيقه الذّي يقبع الآن في أحد السجون الإيطالية بعد إدانته من قبل القضاء الإيطالي في جريمة قتل.وجيه الزيدي (أمير التنظيم) كان قبل الثورة يعيش حياة طبيعية و يشرب الخمر غير أنّه اعتنق الفكر الجهادي بعد الثورة وتمّت مبايعته أميرا للجماعة في جامع ديبوزفيل.وجيه موقوف الآن على ذمّة قضيّة مقتل محافظ الشرطة محمد السبوعي بصفته متّهما مع العلم أنّ لديه قرابة دمويّة باطار أمنيّ سامي في وزارة الداخلية.

extrait2

– حمزة بن عثمان / القاضي

حوالي 30 سنة، كان يشتغل في التجارة (صاحب محلّ تجاري للبيع بالتفصيل)، تزوّج خلال صائفة 2012، يشغل خطّة إمام جامع ديبوزفيل، تربطه علاقة وطيدة بأبي عياض، تمّ ايقافه سنة 2010 على الحدود التونسية الجزائرية في طريقه الى الجزائر من قبل الأمن الجزائري و تمّ تسليمه الى الجانب التونسي، غادر السجن بعد الثورة على اثر تمتّعه بالعفو التشريعي العام.

عُرف على مدى الأشهر المنقضية بخُطبه التحريضية التي تدعو صراحة الى الجهاد ضدّ “الكفّار” و”الطاغوت” فضلا عن اضطلاعه بمهمّة قاضي التنظيم حيث دأب على إصدار الفتاوى و الفصل في المسائل العالقة. تشير بعض الشهادات المتطابقة الى انّه أصدر فتوى لإقامة الحدّ على محافظ الشرطة بصفته أحد “جند الطّاغوت” في حين لا يوجد في ملفّ التحقيقات الأمنية المتعلّقة بالقضيّة ما يدينه بشكل مباشر.

– مروان / مكلّف بالاستقطاب والتأطير

حوالي 35 سنة، كان يشتغل نادلا في مقهى تابع لأحد المركبات التجارية بالعاصمة ثمّ انقطع عن العمل لأسباب دينية. تمّ إيقافه قبل الثورة بتهمة الإنتماء لتيار ديني متشدّد و تمّ إطلاق سراحه لاحقا. اصطفاه أمير التنظيم (وجيه) خليفة له و تمّ تكليفه بمهمّة استقطاب الشباب والمراهقين وتأطيرهم.

وتؤكّد شهادات متطابقة لمصادر من ديبوزفيل بأنّ جهاز الإستعلامات التابع لوزارة الداخلية كان قد تمكّن من اختراق إحدى اللقاءات السرية في الجامع و تسجيل “درس” أمّنهُ أحد قادة الخليّة تمّ خلاله اطلاع شباب الخلية على كيفية قتل “الطاغوت” مستعينا في ذلك بجهاز “ريترو بروجكتور” وصور توضيحية للعملية.

– رياض / مكلّف بالاتّصال
حوالي 32 سنة، مختصّ في الإعلامية. عضو مهمّ و فاعل في التنظيم. مشرف على صفحات الفايسبوك التكفيرية الناطقة باسم ديبوزفيل و التابعة له. بحالة احتجاب عن الأنظار منذ اعتقال بقية العناصر المتورّطة في قضية السبوعي علما أنّ اسمه لم يرد في ملفّ القضيّة.

– صابر / قائد المجموعة الامنية
حوالي 28 سنة، لاعب سابق في المنتخب الوطني لكرة السلّة. مكلّف بالإشراف على “المجموعة الأمنية” التابعة للتنظيم و المتكوّنة من عدد من الشبّان العنيفين. وتعتبر هذه المجموعة الأمنية النّواة الصّلبة للتنظيم. و تتفرّع عنها ثلاثة فرق:

– فريق الاحتطاب : يخرج بعد صلاة العشاء على متن سيارة مكتراة أو على متن درّاجات ناريّة لإجراء عمليات سلب مسلّح (سيوف، سكاكين، غاز مشلّ للحركة، صواعق كهربائية…) في جبل الجلود و الوردية و الكبارية و بعض المناطق المحاذية. و يتمّ تمكين الأمير من خُمُس الغنيمة (تُسمّى عمليّة تخميس) و اقتسام البقية في ما بينهم. و توجّه نسبة من الغنيمة الى صندوق مخصّص لتمويل سفر الجهاديين الى سوريا. بعض عناصر هذا الفريق على علاقة مباشرة بجريمة قتل محافظ الشرطة محمد السبوعي و الإستيلاء على مبلغ مالي كان بحوزته وحرق سيّارته.

– فريق الإستخبارات : يتكوّن هذا الفريق من مجموعة مراهقين يقودهم شابّ يُطلقون عليه كُنية “صبّوطة” .ويقوم المنتسبون الى الفريق بجمع المعلومات من المقاهي و الفضاءات التجارية و الحمّام و غيرها من الفضاءات العمومية الأخرى حول سلوك متساكني منطقة ديبوزفيل (شرب الخمر، التفوّه بالكلام البذيء، سبّ الجلالة، عدم أداء الصلاة، التحادث مع غرباء الخ..) فضلا عن مراقبة أعوان الأمن (جند الطاغوت) والتأكّد من هويّات المتساكنين أو الغرباء الذين يجالسونهم أو يتحادثون معهم.

– فريق حفظ النظام : يتكوّن هذا الفريق من عدد من منتسبي التنظيم، أغلبهم عادة من أصحاب البنية القوّية و التدريب الجيّد على العنف. يُطلق عليه في صفوف الأهالي اسم “الشرطة السلفية” . قامت هذه المجموعة بتعنيف عدد كبير من متساكني منطقة ديبوزفيل وفق ما تؤكّده المحاضر الأمنية التي بحوزتنا نُسَخ منها بالإضافة الى الإعتداء على عدد من أعوان الأمن من بينهم صابر البجاوي و آخرين على خلفية آدائهم لعملهم في بعض المناطق المحاذية.

وللإشارة يقوم عدد من أبناء التيار من مختلف الفرق السابق ذكرها في عديد المناسبات بحملات نظافة تطوّعية في منطقة ديبوزفيل ومنطقة الوردية المحاذية له فضلا عن تنظيم حملات مساعدة لبعض العائلات المعوزة يتمّ خلالها تقديم قفّة لكلّ عائلة تحتوي على كميّة من الموادّ الغذائية واللحوم والخضار. وقد سعت الخلية (ومن ورائها التنظيم) الى تنظيم قوافب طبيّة مجانية لمساعدة المرضى المحتاجين غير أنّ وزارة الداخلية حالت دون حصول ذلك في أكثر من مناسبة وفق ما تؤكّده شهادات متطابقة.

debos0
زياد رجيبي و محمد العانزي قُتِلا في معارك حلب بسورية
كتيبة المجاهدين في سوريا :
بالتوازي مع المجموعة الأمنية التي تمثّل النّواة الصلبة يحتوي تنظيم ديبوزفيل على نواة أخرى لا تقلّ أهمّية عن سابقتها تتمثّل في “كتيبة المجاهدين” التي خاض عناصرُها تجارُبَ قتالية في عدد من الدول قبل الثورة (العراق، افغانستان، الجزائر الخ) وبعدها (ليبيا، سوريا، مالي). وتحظى هذه “الكتيبة” بتدريب جيّد على فنون القتال والرماية وتفكيك الأسلحة وصنع المتفجرّات. و تضمّ ما لا يقلّ عن تسعة عناصر من أبناء ديبوزفيل بالإضافة الى عشرات الشبّان الآخرين من شتّى مناطق البلاد.وفي ما يلي القائمة الإسمية المصغّرة ل”مجاهدي ديبوزفيل” الذين التحق ثمانية عناصر منهم بالجهاد في سوريا تحت لواء جبهة النّصرة في حين التحق تاسع بجبهة القتال في شمال مالي.

-عبد اللّه بوخريص، معروف بكُنية “الهفكي”، الرّجل المؤسّس للتنظيم الجهادي في ديبوزفيل. المشرف الرئيسي و المباشر على “كتيبة الجهاديين”. التحق بسوريا بعد تجنيد عدد غير محدّد من الشباب الجهادي سواء من ديبوزفيل أو من شتّى المناطق الاخرى للبلاد.

– زياد الرّجيبي (الإسم الحركي أبو الوليد التونسي)، 35 سنة، قُتل مؤخّرا في سوريا. تمّ التأكّد من وفاته رسميا بعد تلقّي العائلة لمقطع فيديو يوثّق الوفاة.

-وائل الرّجيبي، الأخ الأصغر لزياد، التحق بجبهة الجهاد في مالي وانقطعت أخباره منذ ذلك الحين.

– محمّد العانزي (الإسم الحركي أبو يعقوب)، حوالي 32 سنة، قُتل في سوريا مطلع ماي الجاري. تمّ تأكيد الوفاة بمقطع فيديو.

– مهدي الطالبي، حوالي 28 سنة، بصدد القتال في سوريا تحت لواء جبهة النصرة.

– خالد شمّاخ، تمّ طرده من التنظيم بعد تورّطه في قضيّة أخلاقية. وتؤكّد شهادات متطابقة انّ بعض عناصر التنظيم قاموا بتأديبه في وسط ديبوزفيل و حاولوا إقامة الحدّ عليه عبر ذبحه على مرأى من الناس، و لمّا تدخّل بعض المتساكنين لإنقاذه تمّ الإكتفاء بحلق لحيته و طعنه في فخذه و أسفل ظهره. بعد تلقّي العلاج فرّ خالد الى ليبيا ومنها الى سوريا حيث التحق بجبهة الجهاد.

– حامد البجاوي، حوالي 28 سنة، قاتل في ليبيا طيلة عام ثمّ التحق بالجهاد في سوريا موفّى العام المنقضي. هاجر قبل الثورة بشكل غير قانوني إلى إيطاليا ليتمّ طرده بعد الثورة الى تونس حيث تبنّى الفكر الجهادي والتحق بليبيا ليستقرّ به المطاف في سوريا.

– صابر الدلّالي، حوالي 25 سنة، متواجد حاليا في سوريا. نشر صورا له على شبكة الفايسبوك وهو يحمل أسلحة (رشّاش ومسدّسين وجهاز اتّصال لا سلكي).

– عماد السّعيدي، حوالي 35 سنة، تزوّج خلال الصائفة المنقضية وزوجته حاليا حامل. سائق سيارة أجرة ، إلتحق بجبهة الجهاد في سوريا.

وتؤكّد مصادرنا المطّلعة انّ أغلب عمليّات التجنيد الى سوريا مرورا بليبيا مرّت عبر تنظيم ديبوزفيل حيث كان عبد الله الهفكي نقطة الترابط بين مختلف شبكات التجنيد على اعتبار العلاقة الوطيدة التي تجمعه بقيادة ما يسمّى ب”انصار الشريعة” من جهة وبعض الجمعيات والمنظمات ذات الخلفية الإسلامية التي تتكفّل بتمويل عمليات السفر الى سوريا من جهة أخرى. و تفيد مصادر متطابقة بأنّ ناشطا سوريا يُدعى عبد العزيز النّجيب كان قد قدم الى تونس عند اندلاع الإرهاصات الأولى للثورة السورية و أشرف بنفسه على تركيز شبكة الهفكي و ربط الصّلة بينها وبين عدد آخر من الجهات الضّالعة في عمليات التعبئة و التجنيد و التمويل و التسفير الى سوريا.

debos1
الصورة على اليمين: عبد الله الهفكي المكنى بابي جهاد (شمالا) — الصورة على اليسار: صابر دلالي (يقاتل حاليا في سوريا)

من تطبيق الشريعة الى الارهاب

و إذا كان “الجهاد” و تطبيق الشريعة هما الهدفان المعلنان لتنظيم ديبوزفيل فإنّ الإحتطاب (مصطلح ديني مُرادف للسّلب “الحلال” من أجل تمويل الأنشطة المتعلّقة بالجهاد و نشر الدعوة و فرض الشريعة ) يَلُوحُ نشاطا لا غنى عنه لتمويل بقيّة أنشطة التنظيم. و تشير محاضر التحقيق – لدينا نُسَخ منها – المتعلّقة بقضيّة مقتل السّبوعي إلى أنّ عددا من أبناء التنظيم دأبوا على تسوّغ سيّارة “لوكاسيون” واستعمال درّاجات ناريّة قصد الإستعانة بها ليلا للقيام بعمليّات سلب في المناطق المجاورة لديبوزفيل مستعينين في ذلك بسيوف و سكاكين و سواطير و صواعق كهربائية و قوارير غاز مشلّ للحركة بالإضافة الى بعض المسدّسات التي لا يتمّ استعمالها الاّ نادرا.

وتؤكّد مصادرنا المطّلعة انّ “الشرطة السلفيّة” التابعة للتنظيم عمدت في مناسبات عديدة إلى الإعتداء على ما لا يقلّ عن 15 عون أمن، و لم يتمّ اطلاق سراحهم والعفو عنهم إلاّ بعد استتابتهم وإعلان الأعوان “توبتهم”.

ويشير عدنان السبوعي، شقيق محمد السبوعي، في هذا السياق الى انّ ما وصفه بالتنظيم الإرهابي في ديبوزفيل “بات يعوّض الدولة في منطقة ديبوزفيل و يحلّ محلّها في تسيير الشّأن العام من خلال فرض نظام حكمه بالقوّة على الناس و تأديب كلّ من يرفض الخضوع له مستغلاّ في ذلك جامع المنطقة الذّي سيطر عليه من أجل تمرير خطابه وتعبئة الشباب والمراهقين للالتحاق بالجهاد في سوريا”.

ويؤكّد طارق، شقيقه، من جانبه بانّه “تمّ تنبيه وزارة الداخلية مرارا و تكرارا لما يحدث في ديبوزفيل غير أنّها لم تُحرّك ساكنا، ما شجّع أعضاء التنظيم على التمادي والمرور الى مرحلة التصفيات الجسدية”.

و كان الفنّان التشكيلي حاتم التّواتي قد نشر في وقت سابق مقطع فيديو( إضغط هنا لمشاهدة الفيديو كاملا) على الأنترنات كشف من خلاله جانبا من الممارسات التي تقوم بها تلك الخليّة منبّها الى إمكانية حصول ما لا يُحمد عقباه (قبل حادثة مقتل السبوعي). وتحدّث الفنّان التشكيلي عن تعرّضه للإعتداء بالعنف الشديد على أيدي عناصر من المجموعة بعد صدور فتوى تُكفّره لأسباب مذهبيّة ما أسفر عن الإعتداء عليه في ثلاث مناسبات (صيف 2011/ 8 فيفري 2013 / 8 افريل 2013 ). و لم يجد التواتي من سبيل للإحتماء من التنظيم و كشف ممارساته سوى اللجوء الى الانترنات في مرحلة أولى و التقدّم بشكوى الى الرابطة التونسية في مرحلة ثانية. وقد أفادنا كاتب عام الرابطة بأنّ المنظّمة راسلت وزارة الداخلية في مناسبتين (05 مارس /14 مارس 2013 ) لاطّلاعها على فحوى ما تعرّض له المتضرّر حاتم التواتي و مطالبتها بالإذن بالبحث في الموضوع. وردّت الداخلية بتاريخ 01 أفريل 2013 مشيرة الى أنّ المتضرّر لم يتقدّم بشكاية رسمية في الغرض بل طالب بتوفير الحماية له فقط.

ويتبيّن من خلال ما ورد في ردّ الدّاخلية حجم الخوف الذّي ينتاب متساكني ديبوزفيل و عدم تجرّئهم على التقدّم بشكاوى ضدّ أعضاء التنظيم السلفي بالرّغم من تعرّض العشرات للتعنيف و السّلب و التهديد بالقتل. و جاء في الشهادات الموثّقة التّي بحوزتنا أنّ التنظيم يفرض “أتاوة” مقدارها 25 دينارا شهريّا على كلّ أصحاب المحلات و مراكز الخدمات و التجّار في الحيّ مقابل عدم التعرّض لهم بأذى. و تشير شهادات مسجّلة للأهالي بأنّ “خليّة ديبوزفيل تتعامل مع المتساكنين الذين رفضوا الخضوع لنظام الخليّة على أنّهم كفّار خارجون عن الإسلام حيث يتمّ إجبارهم على دفع مبالغ ماليّة من فترة لأخرى حتّى لا يتمّ التعرّض لهم ولأبنائهم بسوء”.

وكان عدد من باعة الخمور و المخدّرات قد تعرّضوا في مناسبات عديدة للإعتداء بالعنف الشديد على أيدي مجموعة من المنتسبين لما يسمّى ب”الشرطة السلفية” للتنظيم. و يقول أحد المتضرّرين (بائع خمر رفض كشف هويّته خوفا من أبناء التنظيم) في سياق شهادته على ما يحدث في ديبوزفيل :” دُعيت في مناسبة أولى للتوبة و الإنقطاع عن بيع الخمر خلسة في المنطقة فتجاهلتهم بادئ الأمر ظنّا منّي انّ مجموعة المنحرفين التي أحتكمُ اليها قادرة على حماية تجارتي غير أنّ كلّ توقّعاتي كانت مجانبة للصواب اذ انفضّ الجميع من حولي بمجرّد دخولي في مواجهة مباشرة مع السلفيين .. قويّين يا خويا، مجرّمة ما ينجّمهم حدّ .. تي الحاكم وحار فيهم خلّي آنا.. باي باي ديبوزفيل وباي باي تونس…”.

مصدرنا استظهر لنا بشهادة طبّية توثّق حجم الضرر الذي طاله جرّاء تعرّضه للإعتداء بالعنف الشديد من قبل سلفيّي المنطقة مؤكّدا في الآن ذاته بأنّه انقطع نهائيا عن بيع الخمر و بات لا يرتاد الحيّ إلاّ في أوقات قصيرة للإطمئنان على العائلة و من ثمّة المغادرة باتّجاه منزل الأقارب خارج ديبوزفيل :” الوحش ولا الأذى يا خويا..” .. هكذا ختم محدّثنا شهادته.

محمّد السبوعي .. اللّغز المحيّر

قضيّة مقتل محافظ الشرطة محمد السبوعي تلوح من أخطر تجلّيات الممارسات المعلنة للتنظيم حيث تكشف محاضر التحقيق- التي تحتوي على اعترافات المتّهمين الموقوفين- النّقابَ عن جانب كبير من ممارسات التنظيم و أنشطته و طريقة تفكير قياداته، فقد قُتل السّبوعي بدم بارد بعد ان تمّ طعنه أكثر من 22 طعنة و من ثمّ ذبحه وسط تكبير حماسيّ من قبل أفراد “فريق الإحتطاب” وفق ما تثبته اعترافاتهم المسجّلة عليهم.

extrait4

وتؤكّد مصادر متطابقة بأنّ جريمة قتل السّبوعي لم تكن مبرمجة مسبقا غير أنّ العثور على هذا الأخير في منطقة ديبوزفيل على متن سيّارته من نوع “ميغان” أغرى المجموعة بسلبه والإستيلاء على سيّارته لتتطوّر العمليّة الى “إقامة الحدود” بعد التعرّف على هويّة صاحب السيّارة و التأكّد من أنّه ينتمي الى “الطّواغيت” الذّين يجوز قتلهم وفقا لفتوى صادرة عن إمام جامع ديبوزفيل (قاضي التنظيم) في خطبة تحريضيّة جاء فيها ما يلي : “ستقول لي انّي اصلّي واصوم وأحجّ بيت الله الحرام وانّي ازكّي من مالي فكيف تكفّرني بحجّة أنّني شرطيّ أشتغل في الدّولة.. سأجيبك من كتاب الله وسنّة رسوله (يتحدّث الامام هنا عن حادثة فرعون وهامان وجنودهما).. وقال الله تعالى “ومن لم يحكم بما انزل الله فؤلئك هم الكافرون”، لذلك ايّها الشرطي انّك تشتغل في دولة لا تحكم بما أنزل الله .. و لم يستثن الله من حكمه الرئيس و المرؤوس.. قال تعالى “الذّين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان انّ كيد الشيطان كان ضعيفا” (…) ستقول لي انّي أشهد أنّ لا اله الاّ الله (بقيّة الخطبة تكفير ودعوة صريحة لقتل الشرطة والجيش والديوانة حتّى وان كانوا من المسلمين).”

ويُفيد ملفّ القضيّة أنّ المصالح الأمنيّة تمكّنت من إلقاء القبض على سبعة عناصر من التنظيم، من بينهم طفل، يُشتبه في تورّطهم بشكل مباشر في جريمة القتل فضلا عن إصدار مناشير تفتيش في ستة آخرين. و قد اتّصلنا بمصدر من هيئة الدفاع عن السلفيين الموقوفين على ذمّة القضيّة قصد التثبّت ما إذا كانت إعترافات الموقوفين قد تمّ انتزاعها تحت طائلة التعذيب أم لا فلم نجد الى حدّ الآن أيّ احتراز مسجّل من الهيئة تجاه هذا الموضوع. و في السياق ذاته اتّصلنا بالاستاذ أنور اولاد علي الناطق باسم هيئة الدفاع عن السلفيين الموقوفين على خلفية أحداث العبدلية و السفارة الامريكية و عرضنا عليه الموضوع فأفادنا بانّ الهيئة لم تتلقّ أيّ اشعار في هذا الصدد.

وفي ما يلي القائمة الاسمية الكاملة للمجموعة المشتبه في تورّطها في الجريمة وفق ما ورد في ملفّ القضيّة:

-سعيد البوسالمي / بحالة إيقاف /لمّا كان بصدد الفرار الى ليبيا
– وجيه الزّيدي / بحالة إيقاف
– سفيان الكحيلي / بحالة إيقاف
– أسامة السعيدي / بحالة إيقاف
– محمد السلطاني / بحالة إيقاف
– محمد أمين الخرشاني / بحالة إيقاف /لمّا كان بصدد الفرار الى ليبيا
– بوبكّر بن اسماعيل (طفل) / بحالة إيقاف
– عاطف العبيدي / بحالة فرار
– محمد علي اليحياوي / بحالة فرار
– نزار المحضي / بحالة فرار
– منعم لسود / بحالة فرار
– أنيس الهرماسي / بحالة فرار
– عبد اللّه دقّة / بحالة فرار

extrait1
وثيقة من ملف القضية

جريمة قتل السّبوعي لئن كانت القطرة التي أفاضت كأس الأهالي و دفعت بهم للخروج عن صمتهم و إعلان غضبهم ضدّ من يصفونهم بالإرهابيين فإنّها كشفت النّقاب عن معاناة متساكني المنطقة الذين باتوا لا يجدون حرجا في التّصريح بأنّهم يعيشون “تحت نير الإستعمار”.

يقول س. بن عبد الله، أحد متساكني المنطقة :”لقد استعمرونا.. انّه استعمار حقيقي .. كأنّنا نعيش في الصومال أو في أفغانستان .. أين الدّولة من كلّ هذا .. أين وزارة الداخلية .. لماذا لم تتحرّك سابقا عندما نبّهنا الهياكل التابعة لها في أكثر من مناسبة ممّا يحصل في ديبوزفيل.. لماذا لم يتمّ سابقا إلقاء القبض على عناصر هذه المجموعة الإرهابية قبل أن تتمادى في صنيعها و تتمكّن من ارتكاب جرائمها”.

مصادر متطابقة أكّدت لموقع “نواة” أنّ أحدى الفرق الأمنية المختصّة قامت في أكثر من مناسبة، سابقا، بمداهمات فُجائية للأماكن المعتادة لعناصر التنظيم (قبل مقتل السبوعي) غير أنّها (أي العناصر) كانت تختفي عن الأنظار كلّما دقّت ساعة المداهمة ما يفتح باب التأويل على مصراعيه أمام فرضيّة الإختراق المحتمل لمصالح الداخلية.

نُذَكّر في ختام هذا التحقيق بانّنا كنّا قد اتّصلنا بمصدرين قياديين في تنظيم أنصار الشريعة (بصفته الغطاء التنظيمي لمجموعة ديبوزفيل) بهدف التفاعل مع المعطيات السابق ذكرها. و قد عبّر بلال الشواشي عن عدم رغبته في التحدّث للإعلام في حين ربط مصدر ثان (نحتفظ بهويّته بناء على طلبه) بين رفضه التفاعل مع التحقيق الحالي و بين ما وصفه بتجاهل نواة لمأساة ال17 سلفي الذّين قتلوا على أيدي الجهات الأمنية سابقا. و قال مصدرنا حرفيّا “وقتلي تحلّوا تحقيق صحفي على ال17 الّي قتلوهم البوليسية ايجاو أتو نعطيوكم راينا في البوليس الّي تقتل في ديبوزفيل”.