dubosville

هنا ديبوزفيل : ضحية “مافيا” الجهاد والقتل بدم بارد” . كان هذا عنوان تحقيق نشرناه موفّى ماي المنقضي، حاولنا من خلاله تسليط الضّوء على بعض الممارسات التي تقوم بها “مجموعة” دينية تتبنّى الفكر الجهادي و تتّخذ من منطقة ديبوزفيل (3 كيلومترات عن وسط العاصمة) مستقرّا لها.

و قد خصّصنا مساحة في الجزء الاوّل من التحقيق لرفع الستار عن جريمة قتل محافظ الشرطة محمد السبوعي وجملة الملابسات التّي حفّت بها وعدنا اليوم لننصت الى بعض المحسوبين على “مجموعة” ديبوزفيل. وقد بدا واضحا من خلال هذا العمل الصحفي بأنّ أغلب أهالي الجهة يشتكون ممّا وصفوه بارتفاع وتيرة القمع البوليسي والاعتداءات الممنهجة على أبناء الجهة تحت مُسمّى مقاومة الجريمة والارهاب.

ولئن لم يتسنّ لنا سابقا الاستماع الى وجهة نظر أفراد “المجموعة” الذّين ينتظمون هيكليا تحت راية “أنصار الشريعة” بسبب رفض قيادة التنظيم الحديث في هذا الشّأن فانّنا تمكنّا، بعد نشر الجزء السابق من التحقيق، من ربط الصلة بأحد قيادات الصفّ الاوّل في “المجموعة” حيث تمّ تمكيننا من دخول ديبوزفيل والتنقّل بحريّة تامّة على مدى يومين بين أحيائها والولوج الى الجامع الذّي يقع تحت سيطرة شباب السلفية الجهادية .

مصدرنا أتاح لنا كذلك دخول بيوت بعض شباب المنطقة الفارّين من العدالة والحديث الى عائلاتهم وتسجيل شهادات حول ما تعرّضوا اليه من قمع بوليسي تمّ توثيقه بصور وشهادات طبّية ومحاضر أمنية، بالاضافة الى تسجيل موقف مجموعة ديبوزفيل من جريمة قتل محافظ الشرطة محمد السبوعي حيث لم يتبرّأ “الاخوة” من بقية الأفراد الذّين اقترفوا جريمة القتل بل قدّموا روايتهم للحادثة معتبرين بأنّ “الشّرع أباح قتل الطاغوت اذا طغى“.

رحلتنا في ديبوزفيل قادتنا للاطّلاع على احدى الوقائع المريبة التي يعتقد عدد من أهالي ديبوزفيل أنّ لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بجريمة اغتيال زعيم الوطنيين الديمقراطيين الموحّد شكري بلعيد.

جريمة السّبوعي: أحد أفراد المجموعة يتحدّث

لم يكن الدّخول الى منطقة ديبوزفيل سهلا بسبب عدم ثقة افراد المجموعة في كلّ عنصر غريب فضلا عن خشيتهم من امكانية اختراقهم من قبل “البوليس السياسي” الذّي يعتقد عناصر الشباب السلفي في المنطقة بأنّه بصدد ترصّدهم والسّعي الى الاندساس بينهم.

في جامع ديبوزفيل جمعنا حوار بأحد قيادات المجموعة السلفية بالمنطقة (نتحفّظ على هويّته بناء على طلبه) قدّم من خلاله روايته لواقعة قتل محافظ الشرطة محمد السبوعي حيث نفى صدور فتوى من امام الجامع بتصفيته، مشيرا في الان ذاته الى أنّ جريمة القتل لديها ما يبرّرها شرعا على اعتبار انّ القتيل كان قد تمّ ضبطه مخمورا فضلا عن سبّه الجلالة وهذه الاخيرة تستدعي اقامة حدّ القتل فورا حسب ما ورد على لسانه.

وفي ما يتعلّق بامكانية اعلان الجهاد في تونس قال محدّثنا بأنّ “الاخوة” المنتظمين في تيار السلفية الجهادية يعتبرون تونس أرض دعوة و “ لا ينوون القتال ضدّ الدولة في الوقت الحالي، ولكنّهم إذا اضطروا لذلك فسيكونون مقبلين غير مدبرين اذا فُرض عليهم القتال

ايقافات ومساومات ؟؟

جريمة قتل محافظ الشرطة محمد السبوعي لم تنزل بردا وسلاما على أبناء ديبوزفيل حيث سجّلت المنطقة عمليّة أمنية وُصفَت بالعنيفة تمّ على اثرها ايقاف عدد من الشبّان والاطفال ومعاملتهم بشكل عنيف والاعتداء عليهم – وفق شهادتهم – من اجل اقتلاع اعترافات موجّهة.

وذكر عدد من أبناء المنطقة بأنّهم أجبروا على الامضاء على محاضر بحث دون أن يطّلعوا على محتواها مؤكّدين بأنّ أقوالهم تمّ تحريفها من خلال ادراج اعترافات وهمية من قبيل :

“إنّي الممضي أسفله فلان الفلاني انتمي إلى السلفية التكفيرية، وقد كنت أقوم بدوريات شرطة سلفية .. ونعتدي بالعنف على كل من يخالفنا الرأي أو لا يريد الإنضمام إلينا، و على كل من يشرب الخمر”

وأكّد أحدهم – وهو قاصر – بأنّ أعوان الامن في القرجاني هدّدوه بالاغتصاب وحاولوا نزع سرواله بالقوّة قائلين له حرفيا “سنُدخل هذه العصى في دبرك اذا لم تتكلّم” ، ثمّ ساوموه على الاشتغال “صبّاب” لدى الداخلية مقابل اطلاق سراحه.

ونفى ابناء المنطقة أن يكونوا قد مارسوا العنف ضدّ الاهالي مؤكّدين بأنّ نشاطهم لا يتجاوز مستوى “الدّعوة” والنهي عن المنكر بالاضافة الى تقديم يد المساعدة الى كلّ محتاج عبر تنظيم حملات تبرّع لفائدة الفقراء والمنكوبين وضعاف الحال.

وقد تسنّى لنا القيام بجولة مضيّقة في ديبوزفيل مصحوبين ببعض عناصر المجموعة استمعنا خلالها الى شهادة احدى العائلات التي تعاني حالة فقر مدقع والتي لم تجد العون والمساعدة سوى من طرف هذه المجموعة التي دأبت على العطف عليها ومساعدتها من حين لآخر فضلا عن تقديم المساعدة المادية والمعنوية لعدد كبير من المحتاجين.

وفي مايلي مقطع فيديو يوثّق شهادات المتضّرين من الايقافات “العشوائية” حسب وصفهم :

حادثة اغتيال بلعيد .. اسئلة مطروحة

لئن ارتبط اسم حمزة بن عثمان، امام جامع ديبوزفيل، باصدار فتوى قتل محافظ الشرطة محمد السبوعي بصفته طاغوتا (راشد الغنّوشي كشف هذه المعلومة في مؤتمر صحفي) فانّ عائلته قدّمت رواية مغايرة تماما لما ورد في التحقيقات الامنية وفنّدت ما صرّح به راشد الغنوشي لوسائل الاعلام مؤكّدة بأنّ ابنها حمزة (حاليا بحالة فرار) ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بحادثة قتل السبوعي.

وروى عدد من أفراد عائلة حمزة تفاصيل ما قالوا انّها انتهاكات امنية تجاوزت ما كان يقوم به بوليس بن علي سابقا. وأشارت والدة حمزة الى أنّ الجهات الامنية كانت قد أخذت بعض أفراد العائلة “رهينة” بهدف الضّغط على حمزة لكي يسلّم نفسه.

وأكّد والد حمزة بأنّ فرَقا أمنية خاصّة مدجّجة بالسلاح كانت قد قامت بمداهمة منطقة ديبوزفيل مع تمام الساعة الواحدة صباحا من الليلة الفاصلة بين 05 و 06 فيفري المنقضي (أي قبل سويعات من اغتيال شكري بلعيد في ضاحية المنزه) وقامت باقتحام بيوت عدد من الشباب المتديّن (عناصر متشددة) واعتقال بعضهم، فضلا عن خلع عدد من المنازل -من خلال تفجير أقفالها بطلقات نارية- بدعوى البحث عن السلاح.

وقارن والدَا حمزة بن عثمان في لحظة غضب بين ممارسات بوليس بن علي وبوليس النهضة مؤكّدين بأنّ الأوّل (أي بوليس بن علي) كان أرحم من الثاني على خلفية “الممارسات القمعية” التي ارتفعت وتيرتها بعد اعتلاء حركة النهضة ذات الخلفية الاسلامية سدّة الحكم.

في ما يلي شهادات أفراد عائلة حمزة بن عثمان حول ملابسات الايقاف الامني و التجاوزات الامنية التي رافقتها :

واقعة المداهمة الأمنية لديبوزفيل (قبل سويعات من اغتيال بلعيد) لئن تمّ التكتّم عليها رسميا والتعتيم على تفاصيلها فانّ عددا من أهالي ديبوزفيل ما انفكّوا يربطون بينها وبين حادثة اغتيال شكري بلعيد التي تمّ الاعلان عنها بعد سويعات قليلة فقط من عملية المداهمة العنيفة التي نفّذتها الفرق الامنية الخاصّة في ضاحية ديبوزفيل التي تبعد حوالي الكيلومتر والنصف فقط عن منزل عائلة بلعيد.

ويطرح بعض الاهالي مجموعة من الاسئلة الحائرة التي تحوم في مجملها حول سؤال محوري :” ما سرّ العمليّة الغامضة التي نفّذتها الداخلية قبل سويعات من مقتل بلعيد .. وأيّ علاقة بينها وبين واقعة الاغتيال .. وهل كانت تلك العملية محاولة من الداخلية لاجهاض عملية الاغتيال أم أنّها كانت تندرج ضمن اطار آخر غير معلن الى حدّ الان ؟؟”.

بعض الأهالي باتوا لا يجدون حرجا في المجاهرة بشكوكهم حول امكانية أن تكون الأجهزة الامنية المختصّة على علم مسبق بجريمة اغتيال شكري بلعيد.

عمل : وليد الماجري / قيس زريبة
تصوير: قيس زريبة

ملاحظة : نتوجّه بالشكر الى أهالي ديبوزفيل الذين ساعدونا على انجاز هذا العمل الصحفي وفي مقدّمتهم الزميل عبد الحليم الجريري