abou-iyadh

بعد فترة “مدارسات و مشاورات مطوّلة” نشر تنظيم “أنصار الشريعة” ظهر الثلاثاء بيانا رسميا ضمَّنَه ردّة فعله تجاه تصنيفه من قبل وزارة الداخلية تنظيما ارهابيا.

وجاء البيان مطوّلا و انشائيا و غير جازم و مع ذلك فانّه لم يخلُ من تلميحات و رسائل مشفّرة تمّ الارسال بها في اتّجاهات مختلفة استهدفت أنصار التنظيم في المقام الأوّل من خلال النصح و الرّفع من المعنويات بالاضافة الى حركة النهضة حيث تمّ توجيه رسالة مزدوجة : واحدة استهدفت قيادة النهضة لم تخلُ من تهديد و أخرى استهدفت قواعد الحركة في مسعى لاستمالتها لدعم أنصار الشريعة والتأثير على القيادة لمراجعة القرار الذي تمّ وصفه ب”الحركة غير المدروسة”.

بيان “أنصار الشريعة” بعث، كذلك، برسائل الى أجهزة الدولة واصفا ايّاها بالطواغيت والى الرأي العام في محاولة ذكيّة لمغازلته واستمالته حيث أيقن التنظيم أنّ المعركة باتت تُدار على مستوى الرأي العام من خلال وسائل الاعلام التي تمّ وصفها ب”أبواق الضلالة الاعلامية”.

وبالرغم من الخطاب الدّيني والوجداني البحت الذّي طغى على شتّى مفاصل البيان الاّ أنّ السياسة سجّلت حضورها بقوّة بين السّطور حيث تطرّق البيان الى مسائل جدلية في الساحة السياسية على غرار التقارب بين نداء تونس والنهضة والتضحية بقانون تحصين الثورة وعودة التجمّعيين واهمال قضايا القناصة و شهداء الثورة وجرحاها والتغاضي عن محاسبة الفاسدين.

ويتساءل البيان في هذا السياق :

“…أين فتح ملفات القناصة ومحاسبتهم على ما اقترفت أيديهم في حق أبناء هذا الشعب ؟ وأين محاسبة الفاسدين والمخربين وبقايا التجمع ؟ أم أن الدعاوى المزخرفة التي خرجت بها علينا هذه الحكومة قد زالت بزوال الفترة الانتخابية وحان الآن وقت تحصين الكراسي والتخلي عن تحصين الثورة ؟ أليس قرار التصنيف هذا هو اختلاق لمشكلة يلتهي بها الشعب ويصرف أنظاره عن كارثة التحالف مع السبسي وأوليائه الذي كان بالأمس القريب يمثل بقايا التجمع التي لا بد من إقصائها والقطع معها ؟ “

و يمضي البيان الى أبعد من ذلك في خطابه السياسي متحدّثا -في واقعة غير مسبوقة تشي بتخبّطه – عن امكانية تأثّر السياحة والاستثمار والاقتصاد بقرار تصنيفه منظّمة ارهابية :

“هل قرؤوا حسابات لردود الأفعال على قرارهم هذا سواء كانت مادية أو غير مادية٫ كتهديد السياح أو تهديد المستثمرين الأجانب ببيان دون التعدي إلى مرحلة الفعل؟ هل درسوا كيف سيكون حال الاقتصاد المختنق أصلا والآيل للانهيار ؟ “

ويُفهمُ من هذا المقطع المُشار اليه أعلاه أنّ التنظيم لا يستبعد اصدار بيان يهدّد من خلاله السياح و المستثمرين دون تنفيذ التهديد فعليا في اطار ردّه على قرار التصنيف. ولا يُعط البيان أيّ توضيحات أخرى.

ويُغلق البيان باب الحديث عن السياسة بتقديم ما يعتبرها “حقيقة” جاهزة للرأي العام هي بمثابة نتيجة حتمية لما قدّمه من وقائع و ما على الرأي العام الّا مطابقتها مع الواقع حتّى يتسنّى التأكّد من صدقيّتها :

” لقد نجحت هذه الحكومة فعلا وخاصة النهضة في صرف الشعب عن القضية الأساسية وهي بيع دماء وثورة هذا الشعب بثمن بخس للتجمع.”

وراوح البيان بين الصدامية والمهادنة حيث انطلق الخطاب هادئا رصينا يوحي بعدم تأثّر التنظيم بتصنيفه في خانة الارهاب بل ويفخر بهذا التصنيف ويعتبره شهادة على أنّه يسير في الطريق الصّواب :

“ويكفينا شرفا بهذا التصنيف أنه سير على نهج الأنبياء والمرسلين وتمسك بحبل الله المتين، وهذه الحقيقة يعرفها كل عاقل درس منهج الانبياء وتاريخ الدعوات…”

مضيفا بأنّ هذه المرحلة هي مرحلة ابتلاء داعيا أنصاره الى الثبات و مزيد العطاء :

“هي مرحلة الابتلاء والاستضعاف والاتهام والإفتراء (…) فالثبات الثبات والصبر الصبر والعطاء العطاء واعلموا أن الرجال لا يخرجون إلا من أتون المحنة والاختبار والتمحيص وتذكروا وعد الله”.

ثمّ تتطوّر لهجة المهادنة لتميل أكثر نحو الصدّام حيث يتمّ وصف هذه المرحلة بحرب الوجود :

“واعلموا أننا لن نتراجع مهما مكرتم ومهما كدتم ومهما خططتم لإقصائنا أو استئصالنا بل وسنلزم أقصى درجات الصبر والجلد والتحمل، مع يقيننا أن المعركة قد كشرت عن أنيابها وكشفت عن وجهها نقابَها(…) فالمعركة أضحت معركة وجود وبانت معالمها لكل ذي لب رشيد.”

ويمضي البيان الى أبعد من ذلك عندما يؤكّد ولاءه لتنظيم القاعدة مع الاشارة الى استقلال التنظيم هيكليا :

“ويهمنا في هذه المناسبة أن نؤكد على استقلالنا التنظيمي وعدم ارتباطنا بأي جماعة في الخارج كما نعيد التذكير بأن منهجنا المبارك معلن لا خفاء فيه ولا امتراء، وولاؤنا لقاعدة الجهاد والتشكيلات الجهادية في العالم أعلناه منذ أول يوم ولا نخجل أن نجدد اليوم إعلانه بصوت أعلى”.

وبالرغم من تجاهل البيان اعطاء موقف واضح من التّهم المنسوبة اليه بدء بالاغتيالات السياسية وصولا الى أحداث الشعانبي الّا أنّه وجد الفرصة للتّنديد بمن قال انّهم ” لا همَّ لهم إلا تصيّد أخطاء أنصار الشريعة وبثّ معايبهم” وفي ذلك اعتراف ضمني بامكانية اعتبار التنظيم لما حصل أخطاء لا غير قد لا تُلزم التنظيم بالضرورة.

ولعلّ أبرز ما جاء في البيان هو اتّهام أنصار الشريعة للسطلة التونسية بتعمّد اقحام التنظيم ضمن خانة الارهاب بهدف اتاحة المجال لما قال انّه مخطّط لارساء قاعدة عسكرية أمريكية في رمادة :

“هذه المؤامرة الدنيئة المتمثلة في إيجاد ذريعة تخول إعطاء الضوء الأخضر لهُبل العصر أمريكا للتدخل المباشر وتبرير صفقة القاعدة الأمريكية برمادة والتمهيد لها بإعلان المنطقة الحدودية الجنوبية منطقة مغلقة معزولة بدعوى الجهود الحثيثة في مكافحة الإرهاب …”

عدى ما سبق من تفكيك فانّ البيان تفصّى من رواية وزارة الداخلية بشكل عام دون تقديم رواية مقنعة أو اجابات على الاسئلة المتعلّقة بالاتهامات، فضلا عن تذكير النهضة بما فعل بها بن علي سابقا وتحذيرها من أنّ سيناريو الاقصاء والاستئصال لن يُجدي نفعا مع أنصار الشريعة :

“وأما من يظن أننا سنكون إعادة لنموذج الحرب التي وجهت لحركة النهضة في التسعينات والتي آثرت أن تسوق أبناءها كالنعاج إلى السجون، فهو حالم واهم لا يعلم طبيعة هذا الطريق”.

و لم يغفل تنظيم أنصار الشريعة عن لعب لدور الضحيّة والسّعي الى استمالة قطاعات واسعة من الشعب من خلال استعراض جملة الاعمال الخيرية والحركات الاجتماعية والانسانية و الانشطة الدعوية التي قام بها لحسابهم ملمّحا الى أنّ الحياة بعد استئصال أنصار الشريعة لن تكون بأيّ حال من الأحوال كالسابق :

“ختاما نعتذر من يتيم لن نمسح دمعته وأرملة لن تجد من يكفلها وفقير سيبيت حيرانا لا يجد من يسد جوعته ومريض سيجالد المرض و لا يجد من يقدم له الدواء وملهوف لن يجد أحدا ينجده.. نعتذر من العصاة الذين لن تبلغهم مطوياتنا ونشاطاتنا الدعوية..”