المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

syria-fighter

بقلم محمد سميح الباجي عكاز،

يقول محمود درويش، من يدخل الجنّة أوّلا؟ من مات برصاص العدو أم من مات برصاص الأخ؟

نستذكر هذه الكلمات والأخبار المتواترة عن الأزمة السورية لا تنقطع، حيث يحصد الموت كلّ لحظة أرواح “الأخوة الأعداء” ممن فرقتهم حسابات السياسة والمصالح الكبرى وأنانية تجار السلاح وسماسرة الأوطان رغم ما يجمعهم من دين وعرق وماض وارض واحدة وإن اختلفت التفاصيل.

إن المحرقة السوريّة التّي لم تخمد نيرانها منذ ما يزيد عن سنتين التهمت مئات الشباب التونسيّ الذّي وجد نفسه محاصرا بين الموت البطيء في بلاده بانتظار حلّ لمشاكل البطالة و التهميش و الاقصاء، أو المجازفة بالتسلّل الى “الفردوس” الأوروبي أو استعجال “السعادة” و “النعيم” عبر الاستشهاد على أرض الشّام. فاختار العديد منهم الالتحاق “بالحرب المقدّسة” و وجدوا من يفتح لهم كلّ المعابر الحدوديّة ويمدّهم بشتّى أنواع الأسلحة.

و اليوم، و بعد أن استعاد النظام السوريّ شيئا من توازنه و قرّر المشاركة في المؤتمر الدوليّ بعد سلسلة من الانتصارات الميدانيّة و تراجع الدعم الدوليّ لفصائل المعارضة المسلّحة، يبدو مستقبل الأزمة السوريّة مفتوحا على كلّ الاحتمالات، و لكنّه حتما لن يكون في مصلحة المقاتلين الأجانب الذّين سيجدون أنفسهم مجبرين على الدخول في معارك انتحاريّة قبل أن تلفظهم ارض الشّام خارجها أّيّا كان الحلّ المُرتقب.

و لكن، ماذا عن العودة الى أوطانهم قبل الانهيار الكبير؟ الاجابة عن هذا السؤال معقّدة للغاية، ففي تونس، التّي اندفع المئات من شبابها للجهاد في سوريا برعاية رسميّة و مباركة دوليّة، يبدو خيار العودة صعبا، فقرار الخروج من أرض المعركة لم يعد بيد المقاتلين، بل أصبح رهينة حسابات و مخطّطات أجهزة المخابرات الناشطة على الميدان، و التّي تسعى لحشر هؤلاء المقاتلين في أرض المعركة و استغلالهم كورقة تفاوضيّة أو كمرتزقة لتكييف الحلّ المستقبليّ وفق تصوّراتهم.

من جهة أخرى، يبدو أنّ المسؤولين السياسيّين قد استقالوا من مسؤوليّتهم التاريخيّة و الأخلاقيّة في حماية المواطن التونسيّ في الخارج و السعي لإيجاد مخرج آمن للتونسيّين المحاصرين بين فكيّ الكمّاشة هناك، و قد شهد الماضي القريب حادثة مماثلة، عندما عملت المخابرات التونسيّة حينها على تأمين خروج التونسيّين من لبنان ابّان الحرب، و لكن يبدو أنّ المؤسّسة الأمنيّة اليوم غير معنيّة بمصير هؤلاء و غائبة أو مُغيّبة عن الأحداث، خصوصا بعد أن اتّخذت السلطة السياسيّة قرارها بقطع العلاقات الديبلوماسيّة مع النظام السوريّ و أجهضت بذلك أيّ آفاق للتعاون الأمنيّ بين الطرفيّن أو على الأقلّ توفير غطاء لتحرّك تونسيّ مخابراتيّ أو سياسيّ في أرض المعركة. يُضاف الى هذه الصعوبات، ما تشهده الساحة السياسيّة اليوم في تونس، بعد أن بدأت النهضة مرحلة جديدة في علاقتها مع التنظيمات الاسلاميّة المتشدّدة و قرارها الدخول في مواجهة مفتوحة معهم، فعلى عكس المقاتلين الموالين للنظام السوري ممن جاؤوا من لبنان أو العراق والذين في حال انسحابهم ستكون العودة إلى أوطانهم مؤمنّة ومنظّمة، سيجد الشباب التونسي الذي غادر البلاد عبر ليبيا أو تركيا نفسه في مواجهة المؤسّسة الأمنية التي بدأت تكشّر عن أنيابها تجاه التيارات الأصوليّة بعد أن تمّ استهدافها وانتقل خطر التنظيمات الإسلاميّة المتشدّدة من مرحلة التضييق والضغط على المدنيّين غلى مواجهة المؤسسة الأمنية والعسكريّة مباشرة.

وهو ما يزيد من تأزّم وضعيّة التونسيّين الراغبين في العودة و الذّين سيخشون أن يتمّ ايقافهم و محاكمتهم، خاصّة و أنّ أغلب التونسيّين منضوون تحت لواء “جبهة النصرة” التّي وُضعت أخيرا على لائحة التنظيمات الإرهابية.

اذن، قُطعت طريق العودة، و تضاءلت الآمال بتحقيق النصر وإسقاط دمشق، وسقط العديد من الشبّان التونسيّين ضحايا لحسابات بارونات الدم و المال و سماسرة الأوطان، و بدل ان تُفتح أبواب الجنّة في وجوههم، وجدوا أنفسهم محاصرين في أرض غير أرضهم.