RCD-degage

بقلم خولة العشي،

التّلاعب باستحقاقات الثّورة من أجل مصالح انتخابيّة ضيّقة أصبح أمرا مألوفا لدى عدد كبير من الأحزاب. والتناقضات المستمرّة في التّعامل مع بعض القضايا ومن بينها ” العزل السياسي لرموز النّظام السابق ” أصبحت اللّعبة المفضّلة لبعض السياسيين الذين عملوا منذ ثورة 14 جانفي 2011 على استغلال كلّ الفرص المتاحة من أجل تدعيم مصالح أحزابهم. قانون العزل السّياسي كان ولا يزال من بين القضايا الأهمّ التي استعملت كمطيّة لكسب تعاطف الأنصار ودعمهم، فكلّما تغيّرت الظروف السياسية كلّما تغيّرت مواقف بعض الأحزاب من هذا القانون.

عاد قانون العزل السياسي ليطفو على سطح المفاوضات والمزايدات مع الانتهاء من مناقشة القانون الإنتخابي الذي تمّت خلال مناقشته العودة بالنّظر إلى الفصل 15 من المرسوم الإنتخابي الصادر في 2 أوت 2011 والذي ينص على الاتي :

لا يمكن الترشح لكل من تحمل مسؤولية صلب الحكومة في عهد الرئيس السابق باستثناء من لم ينتم من أعضائها إلى التجمع الدستوري الديمقراطي  ومن تحمل مسؤولية في هياكل التجمع الدستوري الديمقراطي في عهد الرئيس السابق.

من ناشد الرئيس السابق الترشح لمدّة رئاسية جديدة لسنة 20140 وتضبط في ذلك قائمة من قبل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي.الفصل 15 من المرسوم الإنتخابي الصادر في 2 أوت 2011

  وقد تمّ التّصويت بداية مع تضمين ما جاء في الفصل 15 بالقانون الإنتخابي وتمّت الموافقة عليه صلب لجنة التّشريع العام بموافقة 6 أصوات مقابل رفض 3 أعضاء حاضرين للفصل واحتفاظ 5 أعضاء بأصواتهم. إلاّ أنّ التّصويت على تضمين هذا الفصل ضمن موانع الترشّح بالفصل 42 الخاص بشروط التّرشح للإنتخابات قوبل بالرّفض نظرا لتغيّب أغلب أعضاء اللجنة حيث صوّت سّتة أعضاء أغلبهم من حركة النّهضة بالرّفض وصّوت 3 نوّاب حاضرون عن حركة النهضة بالموافقة على التضمين وتغيّب 13 نائبا عن جلسة التّصويت. ليتمّ التوافق إثر ذلك على إحالة هذا الأمر إلى لجنة التوافقات مع تأكيد أعضاء حزب المؤتمر على قرارهم إعادة طرح الأمر على التّصويت أثناء المصادقة على القانون الإنتخابي بالجلسة العامّة.

غموض وانقسام في موقف حركة النّهضة

تصريح رئيس حركة النهضة مؤخّرا في ولاية صفاقس كان واضحا وصريحا بخصوص قانون العزل السياسي إذ أكّد راشد الغنوشي خلال اجتماع شعبي بمناسبة الإستفتاء الذي نظمته حركة النهضة أنّ حزبه يرفض الإقصاء الجماعي ويفضّل انتظار ما سيفرزه قانون العدالة الإنتقاليّة من محاسبة للمورّطين في الفساد من رموز النّظام السابق. غير أنّ هذا التّصريح لم يكن الأوّل بخصوص موضوع العزل السياسي فقد سبق لراشد الغنوشي خلال الحملة الإنتخابية السابقة أن نادى بعزل رموز النظام السابق وشارك أعضاء من حركة النّهضة في تقديم مشروع قانون تحصين الثورة وطالما عبّر قياديو حركة النهضة عن عدائهم المعلن لرموز النظام بن علي ورغبتهم في إقصائهم من العمل السياسي لمدّة عشر سنوات.

وكما كنّا قد أشرنا سابقا فقد عرف التصويت على مبدأ العزل السياسي تناقضا في مواقف أعضاء حركة النهضة أنفسهم حيث صوت بعضهم معه وصوّت اخرون ضدّهم ممّا يترجم انقساما غير مسبوق داخل كتلة حركة النّهضة. وفي محاولة من نواة لفهم هذه السابقة في تسجيل أعضاء الحركة لعدم انضباط حزبي بخصوص موقف الحركة من العزل السياسي، خصوصا أنّ رئيس الحركة قد أعلن موقفه الرافض للإقصاء، صرّح نائب رئيس الكتلة وليد البنّاني أنّ الكتلة بصدد الإعداد لاجتماع عاجل للتفاوض حول هذه المسالة والخروج بموقف موحّد وأنّه من مركزه يرفض تقديم أي تصريح حول هذا الأمر.

وفي اتّصال بالقيادي بحركة النّهضة العجمي الوريمي صرح هذا الأخير لنواة أنّ موقف الحركة هو من موقف رئيسها راشد الغنوشي الذي أكّد على رفضه العقاب الجماعي ودعمه للعدالة الإنتقاليّة. وحول تغيّر موقف حركة النّهضة من مسألة العزل السياسي قال الوريمي أنّ

الأحزاب تتطوّر ومواقفها تتطوّر حسب المتغيّرات السياسية ونظرا لأنّ قانون العدالة الإنتقاليّة أصبح جاهزا وسيتمّ الشروع في تنفيذه قريبا فمن غير الجيّد التشويش عليه بقوانين جانبيّة. وهذا لا يبطل ضرورة تقديم المذنبين من المسؤولين السابقين الإعتذار للشعب التونسي عمّا اقترفوه قبل التفكير في إعادة خوض غمار المنافسة السياسية. خصوصا وأنّ الشعب التونسي لا يتبنى عقليّة انتقامية بل هو يسعى للقطع مع الماضي عبر القضاء والقانون.العجمي الوريمي

وفي لحظة مصارحة مع الذات أعلن الوريمي أنّ الإشكال الحقيقي بخصوص قانون العزل يكمن في رغبة بعض الأحزاب في الرّكوب على موقف حركة النهضة عبر توريطها في التصويت على الإقصاء ثمّ إظهار الأطراف المقصاة كضحايا وكسب الأصوات التي كانت ستوجّه لهم ؟؟ واعتبر الوريمي أنّ هذا الأمر يدخل في باب المزايدات السياسيّة وإمساك الحبل من الطّرفين. وبخصوص ما قيل عن تلاعب حركة النّهضة بقانون العزل السياسي وتراجعها عنه بسبب ما صرّحت به بعض الأطراف حول إمكانيّة حصول تحالف بين حركة النّهضة ونداء تونس قال الوريمي أنّه “لا يوجد تحالف فعلي بين الحزبين ولكن وجدت فقط اتصالات بين الطّرفين في أكثر من مناسبة للعمل على حلّ بعض الازمات خصوصا وأنّ الحزبين يعملان ضمن الحوار الوطني وتحوّل هذه الإتّصالات إلى تحالفات هو أمر لم يتمّ الحسم فيه بعد.”

تذبذب في مواقف الكتل السياسية يعمّق الازمة

حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وحزب حركة الوفاء بقيادة عبد الرؤوف العيادي هما الطرفان الوحيدان اللذان حافظا على موقفهما الداعم لتمرير القانون العزل السياسي، هذا في حين حافظت الكتلة الديمقراطية باستثناء بعض أعضاء حزب التحالف الديمقراطي على موقفها الرافض لهذا القانون. وبالتّالي فقد سجّل حزب تيار المحبّة (العريضة الشعبية) تغيّرا في موقفه باتجاه رفض قانون العزل السياسي. وقد برّر عضو هذا الحزب أيمن الزواغي في تصريح لنواة هذا الموقف بتأكيده على استغلال بعض الاحزاب لهذا القانون من أجل مصالحها الحزبية الضيقة خصوصا وأنّ مثل هذه القوانين لم تعد تخضع فعلا للتصويت داخل اللجان بل أصبحت بيد التوافقات السياسية التي تتمّ داخل لجنة التوافقات برئاسة مصطفى بن جعفر.

كما سجّل حزب التّكتّل من أجل العمل والحريّات تغيّرا كليا في موقفه من هذا القانون حيث تحوّل من رافض للإقصاء سابقا إلى داعم له في هذه الفترة. ولفهم أسباب هذا التغّير كان لنواة اتّصال مع الناطق الرّسمي لحزب التكتل محمد بنّور الذي قال أنّ التكتل يدعم قانون العزل السياسي إثر تعديله حيث يشترط الحزب أن لا يشمل العزل المناشدين. وبرّر بنّور موقف حزبه بأنّ الإستحقاقات الإنتخابية والثورية لا تختلف عن استحقاقات انتخابات 2011 والتي وافق خلالها الباجي قايد السبسي آنذاك على الفصل 15 من المرسوم 35 والذي يقضي بعزل رموز النظام السابق ومنعهم من الترشح للإنتخابات وتساءل : “ما الذّي تغيّر حتى يتمّ إلغاء هذا الفصل ، خصوصا أنّ مسار العدالة الإنتقاليّة بطيء وعودة رموز النظام السابق أصبحت مستفزّة بالنّسبة لمن شاركوا في الثّورة؟”

كما عرف حزب التحالف الديمقراطي انقساما داخليا بخصوص تضمين العزل السياسي بالقانون الإنتخابي ففي حين أكّد منسّق الحزب محمّد الحامدي التزامه بالتصويت لصالح قانون العزل السياسي أكّد أحد أهم قياديي الحزب محمود البارودي رفضه التام لهذا القانون، هذا في حين احتفظ عضوي الحزب نجلاء بوريال ومحمد قحبيش بأصواتهما أثناء التصويت على هذا القانون صلب لجنة التشريع العام.

هل أن الترويكا مسؤولة عن أزمة قانون العزل ؟

وفي محاولة لفهم تداعيات وأسباب هذا المأزق الذي وصل بالمفاوضات في هذا الشأن إلى طريق مسدود اتّصلت نواة بأستاذ القانون العام والرّئيس السابق للّجنة القضائيّة في هيئة تحقيق أهداف الثّورة السيد محمد صالح بن عيسى الذي أكّد أنّ :

قضيّة العزل السياسي لم تطرح بطريقة سليمة نظرا لعدم قيام الترويكا بواجبها فيما يخص التعجيل في تنفيذ العدالة الإنتقاليّة. ونظرا لشعور بعض أحزاب الترويكا بالذنب في هذا الخصوص فقد حاولت التكفير عن ذنبها بإعادة الخوض في مسالة الإقصاء الجماعي لبعض رموز النظام السابق في الإنتخابات القادمة. ونتيجة لتقاعس الترويكا في تطبيق العدالة الإنتقالية في وقت مبكّر فقد قام بعض رموز النظام السابق بخطأ أخلاقي يتمثّل في العودة للساحة السياسية والاستعراض والدفاع عن أنفسهم دون تقديم اعتذار للشعب التونسي بخصوص مسؤوليّتهم في ما تم اقترافه في عهدهم من جرائم ضدّ الشعب التونسي.
محمد صالح بن عيسى

وبخصوص الحلّ الممكن للخروج من هذا المأزق أكّد بن عيسى أنّه “لا يوجد أيّ حلّ في الوقت الرّاهن والتوازنات السياسية والحسابات الإنتخابيّة وما سينجرّ عنها من تحالفات هي التي ستحسم في هذا الأمر وهو ما يمكن اعتباره فشلا للعدالة الإنتقالية وفشلا للترويكا في الوفاء بتعهّداتها للتونسيين وفشلا في تحقيق استحقاقات الثّورة.”

حسم حركة النهضة موقفها من قانون العزل السياسي -وهي التي تملك الأغلبية داخل المجلس التأسيسي- وفشل الترويكا في التسريع بتنفيذ قانون العدالة الإنتخابية قبل حلول موعد الإنتخابات القادمة، ضاعف مسؤولية حركة النهضة في مسألة عودة التجمعيين إلى الساحة السياسية بقوة خصوصا أمام موقف شريكيها السابقين في الحكم أي حزب المؤتمر وحزب التكتل الداعم لقانون العزل. ولكنّ حركة النهضة لازالت تواصل في سياسية المناورة من خلال اعتماد سياسة “انقسام المواقف الداخلي” للإيهام بعدم البتّ النهائي في قرارها بهذا الخصوص في انتظار اللّحظات الأخيرة من المشاورات مع بعض الأحزاب التي تنعت ب”التجمعية” حول التحالفات الإنتخابية الممكنة.