المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

Barack-Obama-Mehdi-Jomaa

بقلم عبد الرزاق قيراط،

ماذا أخذ المهدي جمعة من أوباما وماذا أعطى؟ الجواب بسيط كبساطة حكومتنا وسذاجتها منذ تنصيبها ببرنامج فقير عنوانه اليتيم:” لله يا محسنين”.. لذلك كثرت أسفارها لطلب القروض التي أخذناها على شكل وعود جميلة فيها الكثير من الاهتمام بارتقائنا إلى مصافّ الدول الديمقراطيّة. ارتقاء رافقه عثرات وصدمات إرهابيّة، كادت تأخذنا إلى المجهول، ولكنّ الله سلّم، فتدخّل الحكماء والنبلاء في جلسات الحوار الوطنيّ وجلبوا لنا الوزراء الأكفّاء الأذكياء وعلى رأسهم النجيب المهدي جمعة لتسيير البلاد.

ونظرا لحاجتنا الدائمة إلى الدعم الخارجيّ كما يقال لنا، قام جمعة بجولة عالميّة “خوفا وطمعا”. وتزامنت رحلته إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة، مع حلول أمير قطر ببلادنا ليتحادث مع الرئيس المنعزل أو المعزول في قرطاج.

الشقيقة قطر، وعدت من ناحيتها جمعة في زيارته الأخيرة بتعزيز استثماراتها في تونس، وعبّرت عن استعدادها بأن يكون لبلادنا النصيب الأوفر عربيّا من اليد العاملة المنتدبة على أراضيها.

وبدوره، وعد أوباما بتقديم ضمانات قروض لتونس من الأسواق المالية الدوليّة تصل قيمتها إلى 500 مليون دولار لتنمية الاقتصاد وإصلاح علاّته.

وفي مقابل تلك الوعود الجميلة التي قد تتبخّر سريعا قبل أن تتحوّل إلى أفعال، يبدو رئيس حكومتنا المهدي جمعة أكثر سخاء مع الأصدقاء والأشقّاء. فحكومتنا مازالت تتستّر عن وثائق التفريط في الثروات الباطنيّة التي تستغلّها (بعقود مشبوهة) شركاتٌ عالميّة لا تدفع لخزينة الدولة ما ينعش الاقتصاد ويساعد على تشغبل العاطلين وضمان العيش الكريم للمواطنين.

والمؤسف في هذا الباب أنّ الحكومة تتجاهل كلّ ما يثار من الشبهات حول ذلك الملفّ، ويساندها الإعلاميّون الذين ملأوا الدنيا صراخا في عهد الترويكا بصمت مريب يعطّل نشر الوثائق وكشف الحقائق، بما يدلّ على أنّنا أمام فضيحة كبيرة تحاول الجهات المتورّطة فيها إحكام السيطرة عليها وحمايتها من المتطفّلين، وإقناع الذين يثيرون الشكوك من حولها بأنهم على خطأ وبأنّ تونس لا تملك من البترول إلا القليل، وبأنّ العقود الممنوحة تخصّ التنقيب لا الاستغلال، حتّى خرج علينا وزير الصناعة يكذّب بنفسه كلّ تلك الشبهات، ويزعم أنّ لتونس مساحة صغيرة لا تنتج إلاّ القليل من النفط قدّرَهُ بـتسعين ألف برميل يوميّا.

ولكنّ ذلك التبرير أثار المزيد من التعاليق الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، فتساءل المشكّكون عن العلاقة بين المساحة وحجم الانتاج وكأنّ الوزير يجهل مساحة الكويت أوقطر وهما دولتنان صغيرتان تحتلاّن المراتب الأولى في حجم الانتاج العالميّ من الغاز والنفط. ونشرت تسريبات تقدّر الانتاج اليوميّ بـ 423 ألف برميل من النفط عالي الجودة.

واعتصم المحتجّون في بنقردان مطالبين بالتنمية والاستفادة من الثروات التي تستخرج في منطقتهم دون رقيب أو حسيب.

ومع ذلك فلن نتسرّع في إدانة الحكومة الحاليّة قبل التأكّد من صدقيّة تلك التسريبات. وسنكتفي بتننبيهها إلى خطورة الوضع، واتساع الهوّة بينها وبين شعب ينتظر حكومة تتكلّم لغته وتعتنق ثقافته وتدافع عن مصالحه.. الحكومة الحاليّة تتكوّن من وزراء يتكلّمون لغة المستعمر القديم وينكرون ثورة شعبهم ويتنكّرون لأهدافها…

وهكذا استفاد البعيد قبل القريب وأخذ أوباما على سبيل المثال أفضل ما عندنا، أخذ الأدمغة التونسيّة بمنح تغري طلاّبنا بالدراسة والاستقرار بالولايات المتحدة بعيدا عن وطنهم، ليكونوا في خدمة إقتصاد أمريكا ورقيّها العلمي مقابل المزيد من التخلّف للوطن الذي أنجبهم..

لسنا سعداء بتلك الصفقات التي زفّها لنا إعلامكم… ولم نكن نطالب يوما بتهجير طلابنا ليدرسوا في فرنسا أو أمريكا، وترحيل كوادرنا ليعملوا في الإمارات أو قطر.. نطالب اليوم بإصلاح أوضاعنا ومدارسنا، ومحاسبة الفاسدين، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها بتقسيم عادل للثروات التي تستخرج من باطن أرضنا المعطاء… فلا تروّجوا بعد اليوم لتلك الفكرة البائسة عن إفلاس متوقّع للدولة فلسنا خائفين من ذلك الغول، لأنّ الإفلاس لا يصيب الدول وإنّما يصيب الحكومات التي تفشل في إصلاح الأوضاع وحفظ الأمانات.

وليست حكومة التكنوقراط بمنأى عن ذلك المصير إذا فكّرت في التستّر على الفاسدين، وتمادت في إبرام المزيد من العقود للتفريط في مواردنا وتحويل البلاد إلى مطمورة أوروبا وأمريكا كما كانت يوما مطمورة روما. كفّوا إذن عن التفاؤل بالقروض والعطايا، وانظروا من حولكم وتحت أقدامكم لترَوْا بأنفسكم ما نملكه في أرضنا ولا يصل منه شيء إلى أيدينا.