presidentielles-elections-2014

تعيش تونس في هذه الفترة على وقع الإعداد للإنتخابات التشريعية والرّئاسية التي ستنطلق يوم 26 أكتوبر القادم. ويعرف المشهد الإعلامي والسياسي والمواقع الإجتماعية فوضى عارمة ونقاشات حادة بخصوص عدد من الإشكالات المتعلّقة بالإنتخابات. ومن بين هذه الإشكالات التي أثارت جدلا كبيرا تقديم قرابة 70 تونسيا ترشحهم للإنتخابات الرّئاسية وعودة التجمعيين بقوة للساحة السياسية والإنشقاقات التي عرفها حزب نداء تونس بسبب تشكيك أحد قيادييه بالوضع الصحي لرئيسه الباجي قايد السبسي وتعامل بعض القنوات التلفزية غير المهني في تغطيتها لأشغال الأحزاب السياسية وغيرها من المواضيع التي شتتت ذهن التونسيين في هذه الفترة التي كان من المفترض أن ينصبّ الإهتمام فيها على معالجة مشاكل العودة المدرسية والجامعية.

تعتبر الإنتخابات القادمة مناسبة سياسية وديمقراطية انتظرتها تونس طويلا، إلاّ أنّها تشهد، منذ بداية الإعداد لها، بوادر صراعات حامية وخروقات عديدة وإشكالات قانونية معقّدة. ورغم أنّ الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات هي المسؤولة عن إنجاح هذه المناسبة السياسية إلاّ أنّ المجلس التأسيسي الذي تولّى إعداد القانون الإنتخابي كان مسؤولا مباشرا عمّا تشهده البلاد من فوضى إنتخابية

ولفهم انعكاس قرارات المجلس التأسيسي على مسار العملية الإنتخابية منذ بداياته وجبت العودة إلى كلّ ما صدر عن التأسيسي من قوانين أو قرارات سياسية ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في احتدام الفوضى التي تبنّتها وسائل الإعلام المحليّة بكلّ حماس لتحوّلها إلى منابرها الإعلامية من أجل الرّفع في نسب المشاهدة. وبالعودة إلى هذه القوانين والقرارات يتّضح انعكاس الإستقطاب الثنائي بين حزب نداء تونس وحركة النهضة كحزبين ممثّلين في التأسيسي على أغلبها في تغييب تام لمصلحة البلاد وأولوياتها.

دسترة آخر أجل للإنتخابات بدون موجب

حدّد المجلس التأسيسي آخر أجل لإجراء الإنتخابات القادمة بتاريخ نهاية سنة 2014. وقد تمّ التنصيص على هذا التّاريخ في باب الأحكام الإنتقالية بالدستور من خلال بند يؤكّد على أنّه “تجرى الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في مدة بدايتها أربعة أشهر من استكمال إرساء الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات دون أن تتجاوز في كل الحالات موفى سنة 2014.” هذا التنصيص كان قد حظي بترحيب أغلب الكتل بالمجلس التأسيسي نظرا لتخوّف عدد كبير من السياسيين من إمكانية حدوث انقلابات أو أحداث تمنع تنظيم الإنتخابات خصوصا إثر الضربات الإرهابية المتتالية التي عرفتها تونس. ولكنّ التنصيص على هذا التّاريخ أيضا لم يراع ضرورة منح الهيئة المستقلة العليا للإنتخابات الوقت الكافي للقيام بهمّتها على أحسن وجه. وقد تعرّضت هيئة الإنتخابات بسبب هذا التنصيص إلى ضغوط كبيرة منذ إعلانها فتح الباب أمام المواطنين للتسجيل في الإنتخابات الأمر الذي أجبرها على التمديد في فترة التسجيل لمدة ثانية أمام استنكار المواطنين لضيق الوقت المخصص للتّسجيل. ورغم التمديد في الآجال لفترة قصيرة إلا أنها لم تكن كافية. فأكثر من 30 بالمائة من التونسيين المؤهلين للإنتخاب لم يسجّلوا بسبب تقصير الهيئة في التحسيس بأهمية المشاركة في الإنتخابات عبر الومضات التحسيسية واللقاءات المباشرة مع المواطنين والتواصل مع التونسيين بالأرياف والمناطق النّائية.

وكان المجلس التأسيسي قد اعتبر تجاوز تنظيم الإنتخابات التشريعية والرّئاسية لهذا الموعد “خرقا للدّستور.” ونظرا لأهمية مسألة الإلتزام بالدستور الجديد بالنسبة لهيئة دستورية فقد عملت هذه الأخيرة تحت ضغوط كبيرة من أجل إنجاح مهمّتها. غير أنّه و بالعودة إلى أسباب تحديد المجلس التأسيسي لموفّى سنة 2014 كموعد نهائي للإنتخابات لا تتّضح الأسباب القاهرة التي أجبرت التأسيسي على عدم إضافة أشهر إضافية تسهل للهيئة عملية تسيير الإنتخابات بأريحية.

رفض التأسيسي لقانون العزل يعيد التجمعيين أفواجا

مثّل ترّشح عدد هام من التجمعيين للإنتخابات التشريعية والرّئاسية أيضا صدمة لعدد هام من التونسيين على المواقع الإجتماعية ومفاجأة لسياسيين وحقوقيين ومن بينهم نواب بالمجلس التأسيسي كانوا قد صوّتوا ضدّ قانون العزل السياسي.

وخضعت نقاشات قانون العزل السياسي لتجاذبات سياسية بين حزبي حركة النهضة ونداء تونس. وقد اتّهم حزب النداء الأطراف المساندة لمشروع قانون العزل بالرغبة في التخلّص من أكبر منافس سياسي لقياديي حركة النهضة أي الباجي قايد السبسي والذي كان عضوا في برلمان زين العابدين بن علي في بداية التسعينات. وقد هدّد الباجي قايد السبسي بالوقوف ضدّ هذا القانون وعدم تمريره وهو ما نجح فيه فعلا.

وفي حين كان أنصار حركة النهضة ينادون بالتصويت على هذا القانون لغلق الباب أمام عودة التجمعيين للساحة السياسية عرفت حركة النهضة تغييرا في موقفها منه وذلك من خلال تصريحات أدلى بها زعيم الحركة راشد الغنوشي مفادها أنّ “حركة النهضة ترفض الإقصاء وتتيح للتونسيين إقصاء التجمعيين عبر صناديق الإقتراع.” غير أنّ المصوّتين على رفض قانون العزل ومن بينهم حركة النهضة والحزب الجمهوري وحزب المسار الديمقراطي وأغلب مكوّنات الكتلة الدّيمقراطية تعاملوا مع الأمر فقط من منطلق مصالحهم وتحالفاتهم مع حزب نداء تونس. فهل لم يأخذوا في الحسبان إحتمال عودة وزراء بن علي ومسؤولين سابقين في حزب التجمع الدستوري من أجل المشاركة في الإنتخابات التشريعية والرّئاسية، متّخذين من تبرئة القضاء لأغلبهم ورفض المجلس التأسيسي لمبدأ عزلهم حجّة للعودة بقوّة وبرغبة في الفوز وإعادة احتلال مناصبهم القديمة، حتى أن بعضهم يتشدق بقردته على إعادة النظام والإستقرار للبلاد بعد ما خلّفته الثورة من “فوضى.”

المرور للتطبيق يفضح هنات القانون الإنتخابي

سرعان ما كشف المرور إلى تطبيق القانون الإنتخابي عن هنات ونقائص أبرزت الفرق الشاسع بين النظري والتطبيقي في ما يخصّ إلتزام الأحزاب السياسية بما جاء في هذا القانون. أول النقائص ظهرت جليا من خلال عدم تنصيص هذا القانون على التناصف الأفقي واكتفائه بالتناصف العمودي. وقد تعمّدت أغلب الأحزاب السياسية ومن بينها أحزاب تصف نفسها بالتّقدمية والحداثية، كحزب نداء تونس والحزب الجمهوري، تغييب العنصر النسائي على رأس القائمات الإنتخابية. هذا الأمر أثار استهجان ناشطات سياسيات وحقوقيات شكّكن في نزاهة الخطاب السياسي لهذه الأحزاب.

أمّا بخصوص تمويل الحملات الإنتخابية فقد تبين جليّا أن الأحزاب الكبرى ليست بحاجة لهذا الدّعم الذي توفّره الدولة. ففي حين تنتظر الأحزاب الصغرى والقائمات المستقلة بلوغ الدفعة الأولى من التمويل العمومي والذي لا يتجاوز 5 آلاف دينار في مجمله فإن الأحزاب الكبرى ومن بينها حزب حركة النهضة وحزب نداء تونس قد شرعت مبكّرا في تنظيم الإجتماعات الشعبية واللقاءات المباشرة مع المواطنين وتوزيع المطوياّت وإلصاق المعلّقات دون أن تجد أي ردع أو رقابة من طرف هيئة الإنتخابات. وإضافة إلى انعدام الرقابة التي كان من المفترض أن تفرضها هيئة الإنتخابات على نشاطات الأحزاب قبل بلوغ اجال الانطلاق في الحملة الإنتخابية فإن غياب العقوبات الصارمة في القانون الإنتخابي يشجّع الأحزاب على تجاوز القانون بيسر وبساطة ودون تخوّف.

من جهة أخرى نتج عن رفض لجنة إعداد القانون الإنتخابي برفع عدد التزكيات للمترشحين لرئاسة الجمهورية إلى 100 ألف تزكية وتحديدها ب 10 ألاف تزكية فقط إلى بلوغ عدد المترشحين للإنتخابات الرئاسية 70 مترشّحا وهو ما أثار سخرية واستهجان التونسيين خصوصا وأن عديد المنظمات الرقابية اتّهمت عددا من المترشحين بشراء التزكيات بمبالغ تتراوح بين خمسون ومائة دينار. هذا إضافة إلى تداول وسائل الإعلام لأخبار تفيد بقيام عدد من المرشّحبن بتزوير التزكيات وذلك على خلفية محاولة بعض الناشطين التأكد من هذه التزكيات التي نشرت على موقع الهيئة غير أنّها سرعان ما سحبت قائمة التزكيات من موقعها لأسباب لازالت مجهولة.

رئيس وأعضاء المجلس التأسيسي أبطال “الفوضى الإنتخابية”

لم يكتف رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر وأغلب أعضائه بدورهم الذي كلّفوا به وهو صياغة دستور جديد للبلاد والمساهمة في إنجاح المرحلة الانتقالية عبر القيام بدور تشريعي. فمنذ إعلان الهيئة المستقلة للإنتخابات عن الشروع في الإعداد لإنتخابات 2014 انفضّ أعضاء المجلس التأسيسي وغادروا كراسيهم وأهملوا مهامّهم التشريعيّة (تعطيل قانون مكافحة الإرهاب) للتفرّغ للإعداد لترشحاتهم في الإنتخابات التشريعية أو الرّئاسية. وقد منح التأسيسي رئيسه وأعضاءه عطلة بأسبوع من أجل الإعداد للإنتخابات إلاّ أن هذه الفترة لم تكن كافية بالنسبة للبعض فقام أغلب أعضاء المجلس التأسيسي بالتغيب عن أشغال الجلسات العامة المخصصة لمناقشة قانون مكافحة الإرهاب مما أدّى إلى تعطّل هذا القانون وعزّز فرضية إمكانية تأجيل مناقشته إلى ما بعد الإنتخابات القادمة رغم أهميته وخطورته.

إلى جانب مساهمتهم في الهنات والنقائص التي تضمّنها القانون الإنتخابي، لعب أعضاء المجلس التأسيسي دورا هامّا في تشويش المسار السياسي من خلال تحالفات غير موفقة، كالتي جمعت حزب المسار وعدد من الأحزاب الممثلة بالمجلس التأسيسي بحزب نداء تونس. هذه التحالفات النيابية والحزبية انتهت باستحواذ ممثلي النداء على عضوية القائمات الإنتخابية لحزبه وتجاهل بقية الأحزاب المكونة لتحالف الاتحاد من أجل تونس ومن بينهم أعضاء في المجلس التأسيسي كسمير الطيب وسلمى بكار، وريم محجوب وغيرهم. كما تجاهل النداء أيضا أغلب ممثليه بالمجلس التأسيسي ولم يورد أسماءهم في قائماته الإنتخابية، ومن بينهم محمد علي النصري وربيعة النجلاوي وعبد المنعم كرير رغم استخدامه لهم في وقت سابق للضغط على أحزاب الترويكا.

ولم يستثن رئيس المجلس التأسيسي نفسه وحزبه من هذه “الفوضى” فقد قدّم ترشّحه للإنتخابات الرّئاسيّة معتبرا أنّه “الأجدر بقيادة البلاد في هذه الفترة والأقدر على الجمع بين الفرقاء السياسيين”، متناسيا فشله في مهّمته كرئيس للمجلس التأسيسي وسيطرة كتلة حركة النهضة ومقرر الدستور النهضاوي الحبيب خضر على أغلب القرارات الهامة طوال الثلاث سنوات الفارطة. كما تناسى بن جعفر عدم قدرته على المحافظة على وحدة حزبه حيث عرف استقالات جماعية وخسر أكثر من نصف أعضاء كتلته النيابية.