مع الأسف، كثيرون أصبحوا اليوم، عن حسن أو حتى عن سوء نية، يتساءلون، وأحيانا يؤكدون أن حالنا كان أفضل زمن بن علي والديكتاتورية خاصة وقت الأزمات الحادة كحدوث هجمات إرهابية.
في الواقع هذا السؤال هو مغالطة كبرى ومؤسف حقاً أن يسوق البعض إلى أن الشعب التونسي “ندم” على هذه الثورة وذلك لسبب بسيط هو أن الثورة لم تكن خيارا حتى نندم عليه بل أن انهيار نظام بن علي كان نتيجة منطقية وحتمية لفساده وسياساته ولخياراته الفاشلة وهو انهيار ما كان يمكن تفاديه وكان سيأتي لا محالة بل إنه كلما تأخر ذلك الانهيار كان سيكون أشد وطأة وخطورة على البلاد. المنظومة التي وضعها نظام الاستبداد هي التي أدت إلى فشله والتي نتحمل تبعاتها إلى اليوم لأنها تركت البلاد دون مناعة ودون دفاعات قوية أمام الأزمات والمخاطر بكل أنواعها.
لكن رغم ذلك دعنا نطرح هذا الموضوع بهدوء وموضوعية ونتساءل إن كان وضع التونسيين كان فعلا أفضل في السابق؟ جل ندم هؤلاء المتأسفين مرده أساسا الوضع الأمني الهش والوضع الاقتصادي المتردي الذي يعتبرون أنه كان أفضل بكثير قبل الثورة. دعنا إذن نتناول الموضوع أساسا في جانبه الاقتصادي ثم الأمني.
الجانب الاقتصادي
فيما يخص الجانب الاقتصادي، فإن الانهيار بدأ فعليا في عهد بن علي بسبب منوال التنمية المتبع والذي بدأ يترهل خاصة مع استفحال درجات الفساد والعفن في هذا الاقتصاد مما جعله عاجزا عن مجابهة تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت سنة 2008 فجاءت أحداث الحوض المنجمي لتعبر عن ذلك ثم طبعا الثورة نفسها بعد ذلك فكانت مهمة حكومات ما بعد الثورة إيقاف هذا الانهيار لكنها فشلت في ذلك، بسبب قلة الكفاءة، لكن أيضاً بسبب قوة الانحدار التي ما كان يمكن التصدي لها بسهولة.
كلنا يتذكر كيف تغلغل سرطان الطرابلسية في نسيج الاقتصاد فأغرقه في الفساد وشله حتى عزف أصحاب رؤوس الأموال، الكبيرة والصغيرة، عن الاستثمار وخلق مواطن الشغل خوفا من طمع هذه العائلات وجشعها الذي لا ينتهي. وكثيرون منا يعرف عدد القوانين التي سنها النظام السابق لتسهيل سيطرة هذه العائلات وعائلات أخرى محيطة بها على قطاعات عديدة في الاقتصاد ضمانا لمصالحها الذاتية بقطع النظر عن مصلحة البلاد التي تضررت كثيرة من غياب المنافسة الشريفة وندرة المبادرات الاستثمارية الخالقة للثروة والاقتصار على اقتصاد ريعي عاجز عن توفير نسب نمو تخلق مواطن الشغل وتقضي على البطالة.
الجانب الأمني والخطر الإرهابي
أما أمنيا، فإن الإرهاب انطلق منذ أيام بن علي و”أحداث سليمان” خير دليل على ذلك وهي كانت إيذانا ببدء حقبة جديدة بدأ التحضير لها في المشرق منذ سنوات (بما في ذلك العملية جربة الإرهابية سنة 2001 التي خططت لها القاعدة وأمرت بتنفيذها).
واليوم هناك تطورات كبيرة على الصعيد الإقليمي، فالجارة ليبيا منهارة تماماً إذ أصبحت سوق سلاح مفتوحة وفيها معسكرات تدريب كثيرة وميليشيات عديدة يصعب التحكم فيها، وهذا لا يقارن البتة مع ما حصل في الجزائر في فترة التسعينات لأن الدولة وقتها كانت قائمة وجيشها موجود وقوي. هذا إلى جانب الحروب في كل من مالي واليمن وسوريا بالإضافة لعراق والصعود الصاروخي لداعش الذي لم يعد مجرد تنظيم إرهابي بل هو دولة قائمة الذات لها قدرات تمويل كبيرة ووسائل استقطاب مهولة تستعمل فيها أحدث وسائل الاتصال التي لم تكن موجودة منذ بضعة سنوات …
وبالتالي حتى لو بقي بن علي فلن نكون في مأمن من الإرهاب اليوم بل بالعكس فإن الالتفاف الشعبي ضد الإرهاب لن يكن بالقوة التي نراها اليوم ولكانت نظرية المؤامرة ستلقى رواجا كبيرا بسبب الشكوك وانعدام الثقة في ذلك النظام الفاسد مما يجعل المجتمع أكثر عرضة لتغلغل سرطان التطرف فيه وبالتالي يجعل البلاد مكشوفة أكثر للإرهاب وأقل قدرة على مقاومته.
أيضاً جزء مما يحدث اليوم هو نتيجة لتراكمات سابقة وأخطاء إستراتيجية كبيرة في التعامل مع هذا الورم الذي بدأ يكبر ويترعرع تدريجيا لكن بثبات. فعقيدة الإرهابيين تكونت على مر كل هذه السنين واليوم بلغت مرحلة النضج في حين أن نظام بن علي تعامل معها فقط أمنيا ففشل في إيقاف تطورها بل ساعدها على ذلك.
فنظام التعليم الفاشل وسياسة الانغلاق والإقصاء والتفرد بالرأي وقمع الحريات أنتجت تصحرا ثقافيا وفكريا ودرجة متدنية جداً من الوعي السياسي جعلت أعدادا كبيرة من الشباب التونسي العاطل عن العمل والفاقد للأمل لقمة سهلة جداً لغسيل الدماغ والاستقطاب أي كان كالوعاء الفارغ ينتظر فقط من يملؤه تطرفا وحقدا وعنفا. هذا إلى جانب أن غياب العدل والفساد وتجبر وظلم السلطة والعائلات المحيطة بها يعد هو نفسه وقودا هاما لتغذية التطرف والشعور بالحقد حتى لدى المتعلمين وغير الفقراء.
أيضاً حلول نظام بن علي الأمنية، التي يسوق لها بعض المفلسين اليوم، كانت سببا رئيسيا في انتشار الفكر المتطرف بعد الثورة. ففترة التسعينات شهدت انضمام عشرات التونسيين للفكر الجهادي العنيف والقاعدة أساسا وتشبعوا بهذا الفكر التكفيري وأصبح بعضهم من القيادات الميدانية واكتسبوا خبرة قتالية هامة حتى وقع اعتقال الكثير منهم بعد اجتياح أفغانستان وتسليمهم للسلطات التونسية. هذا تزامن مع تطبيق نظام بن علي لقانون الإرهاب 2003 واعتقاله بطريقة عشوائية لمئات الشباب الطائش والذي بدأ يتحسس طريقه نحو التطرف فمثل السجن مكاناً ممتازا ليلتقوا مع رموز القاعدة القادمين من أفغانستان (أبوعياض مثلا والكثير من الأسماء التي نسمع عنها اليوم من قيادات أنصار الشريعة) وليتتلمذوا على أيديهم ويصبحوا قنابل موقوتة نعاني تبعاتها اليوم.
صحيح أن الترويكا تتحمل جزءا من المسؤولية خاصة على مستوى التساهل في التعامل مع الإرهابيين وتسهيل تحولهم إلى سوريا وتسامحها المريب مع الخطاب التكفيري المتطرف ومع جلب رموزه من خارج البلاد لبث الفتنة فيها، لكن الحلول الأمنية المفلسة بالإضافة للتصحر الثقافي الذي خلفه بن علي كان وراء نجاح دمغجة الشبان وغسل دماغهم بتلك السهولة التي جعلت المقاتلين التونسيين في صفوف داعش اليوم من أكثر الجنسيات عددا بعد السعوديين وأقل بكثير من المصريين مثلا رغم أنهم مروا بتجربة شبيهة بتجربتنا، ورغم قربهم من العراق وسوريا، ورغم أن عدد سكان مصر هو أضعاف سكان تونس.
أخيرا لا يجب أن ننسى كيف أن نظام بن علي كان يستبله التونسيين بسخافات مذلة، كالرقم 7 واللون البنفسجي وبصوره العملاقة التي كانت تملأ الشوارع. فنظام بائس يستبله شعبه بتلك الطريقة لا يمكن إلا أن ينتج شعبا لا يملك المناعة الكافية ضد الأزمات الاقتصادية وضد الإرهاب وهذا ما نعاني منه اليوم.
خلاصة القول، قد يكون حالنا اليوم أسوأ من حالنا قبل سنة 2011 لكن أسباب ذلك تعود أساسا لنظام بن علي وسياساته الفاشلة على كل الأصعدة تقريبا وإلى الدمار الذي أحدثه في المجتمع والدفاعات الهشة التي تركه عليها. فالمطلوب اليوم إذن هو ضخ دماء جديدة وأساليب جديدة وليس تمني أماني بائسة والتحسر على أيام لا يمكن إلا أن نخجل منها إن كنا نطمح فعلا إلى حياة أفضل.
د. فراس جبلون
évidemment, le patron — surtout étranger — rapace, suceur de sang, qui cherche qu’à s’enrichir sur le dos des travailleurs, ne rève que de dictature = sans grève, sans manifs etc …
هل حالنا كان أفضل زمن بن علي؟
هذا الشعب (…) يُجيبك بنعم، نعم، نعم وبكل حزم! ودليلي على ذلك إرجاعه التجمّع اللادستوري اللاديمقراطي لسدّة الحكم بكل فخر واعتزاز وعناية موصولة
(…) اللهم إني صائم
و لكن النظام الحالي يعاني شرخا من النظام السابق، مقارنة الوضع بزمن قد ولّى و فات أمر لا جدوى منه السؤال كم ستدوم المنضومة الحالية ؟
مقال فيه الكثير من الحقيقة لكن من يتمعن فيه,يلاحظ ميل صاحبه إلى تنزيه النهضة و الترويكا عما وصلت إليه تونس من ويلات الإرهاب….فأنا مع صاحب المقال ,اعتبر بن علي المسؤول الأول و الأخير عن تكوين أجيال فيها حتى من يحمل شهادات عليا و لكنها رؤوس فارغة و ذلك من خلال تهميش مواد التربية الإسلامية و المواد الإجتماعية التي تجذر المواطن التونسي في تاريخه و دينه و في محيطه الإقليمي و العالمي و تخلق منه مواطنا صالحا يتمتع بدرجة عالية من الوطنيت تجعله قادرا على التضحية من أجل وطنه…….و رغم ذلك,يٌحسب لبن علي وقفته الحازمة أمام الخطب التكفيرية و تحويل المساجد المفتوحة طيلة ليلَ نهار لتخزين السلاح, و أيضا غلقه للحدود ب بإحكام رغم أن الحرب ضد الإرهاب كانت على اشدها في الجزائر …و رغم السرقات و عمليات الاستيلاء المُقَنَّنة,لم ينزل مستوى عيش المواطن إلى هذا المستوى من التدني حتى أصبح التذمر سِمة الشارع التونسي…..كل ردي هنا لا يعني أني من المتَمَنِّين لعودة بن على كما أني لست من عشاق”فورة المراحيض”التي طرحت ديدانا و فئرانا و جرذانا و إرهابا و تفقيرا و تكفيرا لكني فقط حاولت أن أفسر على طريقتي لماذا الآلاف من التونسيين اليوم اشتاقوا لأيام بن علي,لا كشخص بل كعهد كنا فيه آمنين.
Certains Tunisiens malgres ce qu’on a vecu durant les 4 dernières années restent encore efoncés dans les faux problème.Ce qui denote une myopie intellectuelle et politique tres grave. On s’en fout si la vie sous le régime de Ben Ali est meilleure que depuis la révolution. Sauf bien sur pour les riches qui peuvent tout acheter afin de se croire comme avant. Mais la dechéance c’est comme une boule de neige. Personne ne lui echappe.Et pour ceux qui fantasment, pour ceux qui vivent dans une tour d’ivoire ou ceux qui délirent, le réveil est inévitable. Et ilsera atroce.
انا و الله لا اعلم صاحب المقال وين يعيش و هل هو يتسوق لشؤونه المعيشه ام لا فالفرق شاسع بين الامس و اليوم مع انى معارض قبل 2011 بصراحه عملنا ثورنا ربحنا غلاء المعيشه
الفكر التخريبي لتونس اليوم – و لا أقول الفكر الجهادي أو الاسلامي
هذا الفكر ترعرع منذ عودة راشد الغنوشي الى تونس بعد الثورة… في اول اجتماع له مع البعض من أتباعه بحامة قابس سنة 2011 شدد على أنه جاء لمسح البورقيبية و الانتقام من الزعيم و هو ميت و ادعى للحاضرين أنه سوف يحيي اليوسفية … و تبعه بعد ذلك المرزوقي و مؤتمره من أجل خراب الجمهورية… انطلق العديد منهم في رحلات الى الجنوب و أثثوا المنتديات و الندوات من اجل مسخ تاريخ بورقيبة – تاريخ تونس الحديثة- و ظهرت زعيمات أمثال سالم لبيض طارق الكحلاوي مبروك كورشيد عماد الدايمي … و العديد من النكرات الاخرى… و كان ديدنهم جميعا احياء اليوسفية و كأن آباؤهم و أجدادهم كانوا حقا من أنصار المرحوم صالح بن يوسف الابن الشرعي للحزب الحر الدستوري… اما كبيرهم الذي علمهم السحر فقد وجد نفسه في مأزق و أصبح يعترف بانجازات دولة الإستقلال دون ذكر بورقيبة تاركا المهمة لحزب المؤتمر و المرزوقي ابن ” القومي “Goumi الذي انقلب يوسفيا لتنظيف ماضيه الاسود و قد لا حظنا تآلف القومجيين العربان و النهضويين في العديد من المواقف لعل أهمها تزكية راشد الغنوشي لسالم لبيض ليكون وزيرا للتربية لأنه يتفق معه كليا في سب و كره المجاهد الاكبر الحبيب بورقيبة… و لكن سعيهم جميعا ذهب أدراج الرياح لأن بورقيبة أكبر منهم جميعا… و اليوم لا نسمع لهؤلاء جميعا إدانة صريحة للارهاب لانهم موضوعيا يتفقون معه بل و ينطلقون من نفس المنابع الفكرية ان كان لهم فكرا… يزيك من السبان ديمة و انت تسب في الدستوريين لازم بوك كان قواد فرانسا بين سنوا 1920 و 1956 … حيث كان بورقيبة جنب الى جنب و المرحوم صالح بن يوسف تحت راية واحدة و خلفهما جل الشعب التونسي الا قلة قليلة من “الخازنية” و “القومية – أمثال والد المنصف المرزوقي-” ثم انقلب الكثير منهم ” يوسفيين” عندما اندلع الخلاف بين الاخوين صالح بن يوسف و الحبيب بورقيبة … أبناء “اليوسفيين” اليوم هم أحفاد عملاء فرنسا بالأمس…لا تبحثوا عن العذرية الوطنية سوف تضلون أقزاما أمام الدستوريين الأحرار مهما حاولتم الافتراء و التشويه