المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

Manif-ManichMsameh2

بقلم: شكري بن عيسى (*)

وقفة اليوم التي حضرتها (الحقيقة ليس في الصفوف الامامية كعادتي لانني ببساطة لم اشارك المنظمين) شكلت تحول نوعي في كسر السياسة الممنهجة لحكومة الباجي قائد السبسي لاطباق قبضتها على الشارع والميادين ولجم كل التحركات، من اجل ليس تمرير قانون المصالحة المشؤوم، بل اساسا لتمرير حزمة املاءات صندوق النقد الدولي المعادية لحقوق الشعب والمناهضة لسلطته.

العدد لم يكن كبيرا، فلم يتجاوز المئتين، والحساسية السياسية كانت اغلبها جبهة شعبية، ولكني شاهدت الكثير من الوجوه التي اعرفها بنضاليتها العالية في كل التحركات الثورية من مختلف الحساسيات والمستقلين، ولكن التصميم كان رائعا لكسر الطوق البوليسي المضروب على حق التظاهر، وللدفاع عن قيم الثورة، وعن مبادئ المحاسبة، واسترجاع الاموال المنهوبة، وعدم الخضوع لسلطة رموز الفساد.

التصميم كان كبيرا والمواجهة حادة مع الة القمع الجبارة، اكثر من خمسين سيارة بوليس على طول شارع بورقيبة، وزيادة فقد تم الزج بالجيش في ساحة المعركة، والهدف كان واضحا لوضعه في مواجهة الشعب، والتخفي ورائه، وربما فيما بعد اتهام المتظاهرين السلميين بالاعتداء عليه، لرفع الحرج على رجال الامن بعد اعتداءاتهم المتكررة، وبعد ان ازكمت رائحة وحشيتهم كل الانوف الايام الاخيرة.

في المطلق كنت ضد تحوّز اي تيار سياسي بمفرده لحركة مواجهة مشروع تبييض الفاسدين وتحصين الفساد، ولكني كم حييت صعود احمد الصديق احد نواب الجبهة الشعبية على المسرح البلدي، وتلك الدفعة الحادة لاحد بوليس العنهجية والاجرام، الذي حاول الاعتداء عليه، لقد كانت لقطة في غاية المتعة ليس بمعنى العنف ولكن بمعنى الدفاع الشرعي عن النفس والحق، بعد كم الدماء التي اسالها البوليس هذه الايام لمواطنين ابرياء عزل اهانوهم واعتقلوهم ودهسوهم.

في المحصلة فشلت محاولات تصدي البوليس المدجج، والبوليس المتنكر، والشبيحة، والبلطجية، والمتنقبين، الذين يعدون بالألاف في مواجهة بعض المئات العزل، لقد كان التصميم عاليا من الشباب المسلح بالإرادة العالية.

والموقف قد تجد له زيادة على تصميم الشباب المتظاهر اساسا سياسيا، فالداخلية وحكومة الصيد كما الرئاسة في موقف محرج، وعصيب، فالاعتداءات تصاعدت وتكررت بنسق عالي، اعتداءات على رجال التعليم في سيدي بوزيد، وقمع حاد لتحركات مناهضي قانون المصالحة المزعومة، وتصدي دموي لوقفة الفلاحين، تضاف اليها تورط عون امن في تهريب كمية كبيرة من العملة في مدنين، وتورط اخر في سرقة 1000 يورو من محفظة سائحة في جربة، وتمرد رئيس مركز مرور في زغوان على القضاء، بعد اعتدائه على قاض.

وطبعا كان لموقف الاتحاد الحازم بمقاطعة اجتماعات 4 زائد 4 ومواقفه المنتظرة الحاسمة، زيادة على شروع المجلس النيابي في مساءلة الغرسلي، كان لهذه الوضعية الاثر الكبير في تراجع القمع البوليسي فقد تسير الامور اذا ما اضيف عدوان جديد الى الانهيار الحاد.

ولكن في النهاية تحدي النهج القمعي، وحالة الطوارئ التي كانت تهدف لضرب والتضييق على الحريات، هو انجاز لكسر عصا القمع المرفوعة، والصفعة كانت كبيرة لنظام القمع، وكل ادواته المادية والرمزية.

وقفة اليوم كانت بعد تصريحات مرزوق (لاحد الاذاعات) النرجسية والغارقة في التورم والانتفاخ الذاتي، فاذ تراجع على اتهامه السابق من ينزل للميدان للتظاهر بعدم الوطنية، فقد اختلق ذرائع جديدة رمى بها خصوم قانون تبييض الفاسدين، بعناوين “لم يقرؤوا نص المشروع” او “لم يفهموا القانون” او “متحاملون” او “حرمان الجهات المحرومة من عائدات القانون التي تقدر بـ10 مليار د.”، متحديا الجميع بان القانون سيمر، ووقتها فعزيز عمامي هو من “سيحترق” وليس مجلس النواب، على حد قوله!

والحقيقة ان المزاج الثوري كان مرتفعا اليوم في الشارع، والتصميم نوعي، والحركة ستلقي بأحلام مرزوق الوردية في النهاية في مصبات تصريف مياه الامطار الغزيرة هذه الايام، على الارجح!

الرجل يغالط الجميع اذ ان من بشانهم تتبعات يعدون بالعشرات فقط (قرابة 30 بعد ان كانوا 400) وغاية القانون المشؤوم هي ايقاف التتبعات الجزائية، وبعد “الصلح” تسقط الاحكام، وهي مجموعة دفعت عشرات المليارات في الحملات الانتخابية، وتنتظر “المجازاة”!

ومتى فكر رجال الفساد في الجهات وهم من نهبوا اموال الشعب وجذروا الفقر والخصاصة والتهميش والبطالة، وزيادة فقد غرفوا كل امتيازات التنمية الجهوية (المالية والجبائية) وتنقلوا للجهات لنهبها قبل ان يرجعوا لمدنهم الكبيرة، اما 300 موظف الذين لازال يلاحقهم القضاء، فهم في حاجة اليهم لتامين وجودهم في الادارة مركز وعمق الفساد.

“المعركة” انطلقت، والترابط بين الهيمنة الدولية، ونظام الفساد، وكذلك نظام الدكتاتورية، من جهة، صار واضحا في مواجهة دعاة الاستقلال والسيادة، والدفاع عن قيم الثورة، من اخرى، ما نتمناه هو ان يعي من يرفع شعارات الدفاع عن السيادة والاستقلال مستوجبات الصراع ويتلافى السياسوية الضيقة، ويرسخ الخطاب في المشترك القيمي المبدئي، وينتهج السلمية في التحركات، فوقتها ستكون “المعركة” محسومة النصر لقيم الحق والعدل!

(*) قانوني وناشط حقوقي