دعونا نتفق أولا أن التعذيب عادة بوليسية منتشرة في كل مراكز السلطة والسيادة في تونس، حتى بعد ثورة 17 ديسمبر. من الواضح أن الثورة التونسية لم تقضي على ممارسات التعذيب و سوء المعاملة التي يتعرض لها التونسيون داخل مراكز الإيقاف و السجون، وهذا من شأنه أن يولّد، لدى كل من مورس عليه التعذيب، ثقافة انتقامية تجاه الدولة عامة وتجاه وزارة الداخلية خاصة، تتغذى من عنف الدولة لتصبح ارهابا يهددها و يهدد أمن المواطنين. ونقصد بالتعذيب كل عمل من ضروب المعاملة اللاإنسانية ينتج عنه ألم وعذاب شديد جسديا كان أو نفسيا لهدف الحصول على معلومات أو إستخراج إعتراف أو لغرض الترهيب والتخويف أو كشكل من أشكال العقوبة. ويعتبر التعذيب منافي لكل مبادئ حقوق الأنسان.
و يعمد الأمنيون إلى أنواع مختلفة من التعذيب في مراكز الإيقاف و السجون. وقد تختلف أساليب التعذيب إلا أن النتيجة واحدة و هي الألم وعذاب شديد يلحق بالمعتقل قد يصل حتى الموت، و هو ما يحدث عادة في تونس كي لا نقول بشكل يومي. وهنا ينقسم التعذيب إلى نوعين :
تعذيب جسدي: إستعمال العصي و السوط، الحرق بإستعمال السجائر (طريقة تعتبرها الإعلامية مريم بالقاضي ممارسة تخلو من التعذيب من أجل نزع الإعترافات)، الضرب المبرح و الذي يؤدي إلى القتل.
تعذيب نفسي: منع الزيارة، الشتم، الحرمان من الراحة، التهديد بالإغتصاب والإبتزاز و السجن الإنفرادي.
تخلف ممارسة التعذيب النفسي والجسدي آثارا خطيرة مثل الإعاقة الجسدية وبتر الأعضاء وإضطرابات نفسية و الموت. ربما لا يروي “إعلام 7 نوفمبر” قضايا التعذيب بقدر ما يقوم بتقديم مواضيع لا تشغل المواطن التونسي. قضية الشابين قيس بن رحومة وسفيان الدريدي هي خير شاهد على التعذيب، فهنا يقع إعتقال سفيان يوم 11 سبتمبر “دون اتهامه” و تحويله إلى مركز الإيقاف ببوشوشة أين تم تعذيبه، و من ثم نقله إلى سجن المرناقية يوم 15 سبتمبر ليتم إعلام عائلته، يوم 18 سبتمبر، بحالة إبنها الصحية المتدهورة وأنه تم نقله إلى مستشفى شارل نيكول حيث تم العثور على جثته في المشرحة. وحسب شهادة والدة سفيان، فأن رائحة الجثة لم تكن تطاق و أنها لا يمكن أن تكون رائحة شخص توفي للتو، إضافة إلى الكدمات على وجهه وجسده والدم الخاثر على أذنيه. ليس بعيدا عن حالة سفيان، واقعة قيس بن رحومة، الذي تم اعتقاله من قبل فرقة مكافحة المخدرات يوم 5 أكتوبر في الوردية. فحسب ما أدلى به شهود عيان من تصريحات يبدو أنه قد تم الإعتداء على قيس وضربه قبل تحويله إلى مركز الإيقاف ليتم إعلام عائلته، بعد يوم واحد فقط، بتواجد إبنها بمستشفى شارل نيكول.
قصة قيس وسفيان تلخص معاناة الآلاف من التونسيين الذين يتم تحويلهم إلى مراكز الإيقاف لتنطلق عمليات التعذيب و الممارسات الشنيعة. وحسب تقارير المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب فإن الشرطة تتصدر لائحة سوء المعاملة و التعذيب، بين 2013 و 2014، بنسبة 63%، تليها وحدات السجون الإصلاح 23%، ثم الحرس الوطني 9% وحدات أمنية أخرى بنسبة 6%. إن ما يحدث داخل مراكز الإيقاف في تونس غامض جداً بقدر غموض وزارة الداخلية التي تشرّع للتعذيب عن طريق تزييف الحقاق والولاء للعنف وإخراج الأحداث من سياقها في المنابر الإعلامية.
التعذيب يولد النقمة، فالإنتقام، فالإرهاب
لا تفوتني الإشارة إلى الحالة النفسية و الإضطرابات التي تصاحب كل مواطن دخل مركز إيقاف والتي تولد نقمة على الأمنين بصفة خاصة. نفسيا، يدخل كل انسان تعرض للتعذيب في حالة من الهستيريا نتيجة شدة الألم التي تولد كراهية مفرطة. أما إجتماعيا فسيضطر للإنطواء و العزلة نتيجة الإحساس بالنقص والضعف. وعليه، فإن الحل البديل يكمن في الإنتقام و من هنا يكون الإرهاب طريقا لكل من مورس عليه عنف الدولة (و ليس مربوطا بالمستوى الثقافي والتعليمي حسب بعض الدراسات). و لو انتبهنا قليلا إلى لهجة الجماعات الإرهابية في تغريداتها ومقاطع الفيديو التي تنشرها فإن الثأر هو مبرر عملياتها الإرهابية مما قد سيصعد عمليات العنف ضد الدولة.
وتجدر الإشارة في هذا السياق أن عددا كبيرا من الشباب الإرهابي ليس سوى نتاجا لسياسة زجرية سلكتها وزارة الداخلية فترة حكم بن علي.
نحن مع مقاومة الإرهاب و مع محاسبة كل من يثبت تورطه، لكن هذا لا يسمح للأمنيين بتجاوز صلاحياتهم. و ختاما، ندعوا وزارة الداخلية لمراجعة قراراتها وتعديل منهجها الأمني الزجري.
iThere are no comments
Add yours