المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة

islam-reformeكنّا في المقال السّابق قد تعرّضنا إلى ضرورة نزع القداسة عن شخصيّة نبيّ الإسلام و إلى أهميّة تجاوز مجموعة من الشّعائر الدّينيّة عن طريق تعطيلها و تكييف الآيات مع ما يتماشى و متطلّبات العصر. و سنواصل في نفس السّياق من خلال نقد الخطاب السّلفي.

إهدار البعد التّاريخيّ

السّلفيّة هو توجّه فكريّ تتبنّاه مجموعة من الأشخاص ( السّلفيّون ) و هو يقوم على إتّباع الصّحابة و التّابعين ( السّلف الصّالح ) قولا و عملا. و الحقيقة أنّ هذا يؤدّي إلى التّمسك بمجموعة من الخرافات الموجودة في كتب الحديث كالبخاري و مسلم و غيرها. و أساس هذا الفكر هوتقديس النّص القرآنيّ بالإضافة إلى تقديس الرّواة وهو ما يسبّب الوقوع في نفس الأخطاء التي إرتكبها هؤلاء. فما جاء من أحاديث في “الصِّحاح” – حسب قولهم – لا يمكن الطّعن فيه و من واجب المسلم الأخذ بما جاء به السّلف لأنّهم أكثر فهما و أعلم من الجميع باللّغة وهذه هي النّقطة التي تضفي القداسة على كتب الحديث. و قد سُمّيت هذه الطّائفة بالسّلف الصّالح في حين أنّه وجدت معها و عاصرتها مجموعة من الطّوائف الأخرى كالإباضيّة و الزّيديّة و المعتزلة و لكلّ واحدة منها أحاديثها و رواياتها. فلماذا وقع الإختيار على فرقة معيّنة دون سواها لتسميتها بالسّلف الصّالح ؟ الجواب المعتاد هو : لأنّ السّلف الصّالح أفعالهم حسنة و عقائدهم صحيحة. و كيف عرفنا ذلك ؟ يأتي الجواب : لأنّهم هم السّلف الصّالح. و هكذا يتحوّل الأمر إلى حلقة لا تنتهي من الأسئلة التي تتكرّر لتعود بنا في كلّ مرّة إلى نفس الأجوبة.
” فحين يقال صلاح تلك الطّائفة المسمّاة السّلف الصّالح مُتوقِّفٌ على حسن عقائدها، و حُسْنُ عقائدها مُتوقِّف على روايتهم هم لها دون غيرهم، و قبول روايتهم لها دون غيرهم مبني على صلاحهم، فمعنى هذا القول بإختصار : أنّ صلاحهم مبني على صلاحهم ! و هذا هو الدّور اٌلمُحَالُ عقلاً و الذي لا يُمكِنُ أن يكُونَ ” ( رائد السّمهوري / نقدُ الخطاب السّلفي : إبن تيميّة نموذجًا )

يقوم المنهج السّلفي في تحليل المواضيع على الرّجوع إلى القرآن و السّنة و ما جرى من حوادث للصّحابة لإستخلاص العِبر منها. و في هذا إلغاء للعقل و تهشيم لمفهوم الزّمن عبر تطبيق مجموعة من الأحكام و الشّرائع المتولّدة عن أحداث ماضويّة و قعت منذ مئات السّنين على وقائع في الحاضر لا رابط بينها و بين ما جرى في الماضي. و هذه المنهجيّة في التّعامل مع الأمور و التي تعتمد على هدم البعد الزّمنيّ و تجاهله و عدم أخذه بعين الإعتبار هي ما يبرّر و يفسّر وجود مجموعة من المصطلحات المتداولة عند أنصار هذا الفكر كمفهوم الجاهليّة مثلا و هو مصطلح من الماضي وقع إسقاطه على المجتمعات الحديثة التي لا تتبنّى نفس الأفكار التي يدعو لها السّلفيّون. والعقل الدّيني يقسم و يصنّف الأفراد إلى قسمين مسلم و كافر إذًا هناك دار السّلم و دار الحرب وهذا التّمييز يولّد مجموعة من الأحداث الإرهابيّة في كلّ أنحاء العالم ( حتّى في البلدان التي يكون أغلبيّة سكّانها من المسلمين! ) كلّ هذا ينفّذه مجموعة من الأفراد الذين يقلّدون ما خلّفه أسلافهم من غزو و دمار كلّها وقع إضفاء الشّرعيّة عليها من خلال عدد كبير من الآيات و الأحاديث.
” لقد جئتكم بالذّبح و بُعِثت بالحصاد و لم أُبعث بالزّراعة ” ( نبيّ الإسلام )
إذًا فإنّ إهدار عامل التّاريخ و عدم التّمييز بين الفكريّ و الدّينيّ و إرجاع كلّ الأمور و تفسير كلّ الظّواهر بالرّجوع إلى العلّة الأولى/ السّبب الأوّل إضافة إلى التّمسّك بما جاء حرفيًّا في القرآن و السّنة هي أهمّ خصائص و مميزات العقل الدّيني عموما و السّلفيّ خصوصًا الذي يَظْهَرُ بتضاربٍ واضحٍ في خطابه من خلال الدّعوة إلى الإسلام على أساس أنّه دين تسامح و رحمة من جهة و قتلِ و تهديدِ المُجتهدين و المُجَدِّدِينَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ( فسّر وَ حلّل هذه النّقطة بأدقِّ تفاصيلها الدّكتور نصر حامد أبو زيد في كتابه “نقد الخطاب الدّيني” )

تأليه الرّواة و تقديس كتب الحديث

” تهمة إنكار السنة أصبحت مثل عداء السامية سلاحاً يشهره أصحابه على الذين يخالفونهم دون تمييز، ونوعًا من الإرهاب الفكري له حصانته، إننا في هذه الرسالة سنتابع ظهور قبيلة حدثنا من الأيام الأولى للرسول والخلفاء الراشدين، عندما لم يكن لهم وجود ملحوظ، ثم الذي حدث للمجتمع الإسلامي نتيجة تركه لمجتمع المدينة المحدود، وبدء المرحلة الإمبراطورية وانعكاساتها التي انتهت بأن وَضْع الأحاديث أصبح ضرورة لا مناص عنها، وبالتالي ظهرت قبيلة حدثنا. ” ( جمال البنا / جناية قبيلة حَدَّثَنَا )
تقديس الرّوايات و الأحاديث – كما سبق و ذكرنا – هي من الأسباب الرّئيسيّة التي تؤدّي إلى إصدار مجموعة من فتاوى التّحريم و التّكفير فكلّ ما غاب عن القرآن و كتب الحديث محرّم و كلّ معارض لتلك الفتوى يكون كافرا، تلك هي آليّات إشتغال العقل السّلفي في تعامله مع النّصوص التي يقدّسها. إنّ محاولة إيجاد حلول لمشاكل الحاضر عبر النّبش في الموروث و الماضي لن يُوصِلَ إلى أيّ نتيجةٍ بل سيدخلنا في نقاشات لا طائل منها حول خرافات كعذاب القبر و حكم السّفر إلى بلاد الكفر.

 

العديد من البلدان التي تتبنى هذا الفكر – مثل المملكة السّعودية – تطبّق مجموعة من القوانين التي تلغي أبسط الحقوق كحقّ المرأة في قيادة السّيارة. و هذا الخطاب يلقى رواجا واسعا و إنتشارًا و قبولا عند العامّة من خلال أموال طئلة تضخّ في القنوات التّلفزيّة التي تدافع عن هذا الفكر عن طريق مجموعة من الشّيوخ الذين يتولّون مهمّة تضليل و تجهيل أكثر عدد ممكن من المشاهدين. إنّ الفكر السّلفي هو نموذج لللاعقلانيّة الدّينيّة في أكثر مراحلها تطوّرًا و تقدّمًا لأنّه فكر يقوم على إلغاء العقل و تقديم النّقل و لا يعترف بأبسط الحقوق الإنسانيّة.