الاحتجاجات الأخيرة نهاية شهر جانفي الفارط، أعادت طرح قضيّة عمال الحضائر الذّين كانوا جزء من الحراك بعد ان استوفت هذه الآلية قدرتها على الاستيعاب وتسكين غضب مئات الآلاف من الشباب المعطّل الذّي ضاق بالحلول الوقتيّة والمسكّنات التي اختلفت تسمياتها ضمن ما يعرف بآليات التشغيل الهشّ.
الحضائر تضيق بعمّالها
تحوّلت هذه الآلية المستحدثة لإستيعاب اليد العاملة عديمة أو متدنيّة التكوين إلى الحلّ الأسهل للحكومات المتعاقبة بعد الثورة للتخفيف من الاحتقان الاجتماعيّ وإسكات غضب المعطّلين. ولتشمل الآلية حتّى أصحاب الشهائد العليا، فيما يشبه الحكم بالإعدام على آلاف الكفاءات التي لم تجد مكانا لها في سوق الشغل.
وقد أصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة نهاية الشهر المنقضي دراسة شاملة حول آلية العمل في الحضائر، تناولت عددا من التفاصيل على غرار عدد العاملين وتكلفتهم السنويّة وتوزيعهم حسب الجهات والمستوى التعليميّ والجنس.
أبرز ما جاء في هذه الدراسة هو تطوّر عدد عمّال الحضائر بعد جانفي 2011. حيث مثّلت السنة الأولى نقلة نوعيّة على مستوى الكمّ، ليرتفع عدد عمّال الحضائر من 62 ألفا تقريبا إلى 125 الفا خلال تلك السنة.
هذه الطفرة كانت نتيجة انعدام الحلول لدى الحكومة المؤقّتة حينها، وسعيها لامتصاص أكبر قدر من اليد العاملة ومحاولة الاستجابة لمطالب التشغيل وإن بحلول هشّة.
تقلص العدد إثر ذلك نسبيا ليبلغ حوالي 100 ألف عامل سنة 2014. وبالتوازي مع ذلك تطورت المبالغ المخصصة للمنح المسندة لعمال الحضائر بنفس النسق لترتفع من 82 مليون دينارا سنة 2010 إلى ّ حوالي 260 مليون دينارا سنة 2014 أي أنها تضاعفت أكثر من ثلاث مرات بعد الثورة.
لكن عمليات الدمج لعشرات الآلاف من المعطّلين ضمن آلية عمل الحضائر، لم تساهم في تخفيف الإحتقان الإجتماعيّ، بل تصاعدت تحرّكاتهم الاحتجاجيّة بعد أن أصبحوا أحد أكثر الفئات الاجتماعيّة هشاشة.
آلية عمل الحضائر من متنفّس إلى مأزق
رغم تصاعد تكاليف انتداب المعطّلين للعمل في الحضائر، واستيعابها لما يناهز 100 ألف من اليد العاملة، إلاّ انّ هذه الآليّة تحوّلت إلى مأزق كبير للدولة على الصعيد الماليّ والنجاعة الاقتصاديّة وعلى المستوى الاجتماعي.
وتتلخّص نقائص هذه الآليّة الهشّة للتشغيل في نقاط أهمّها:
- انخفاض الانتاجيّة مقارنة بالتكاليف
الرقم الهائل لعدد عمّال الحضائر يمثّل العبء الأكبر على موازنات الدولة نظرا لما تكلّفه المنح المسندة للعاملين والتي تناهز 260 مليون دينار سنة 2014، حسب التقرير الصادر عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة. إذ في مقابل هذه الكلفة المرتفعة فإنّ انتاجيّة هذه اليد العاملة تبدو معدومة نظرا لتوزيعها للعمل فيما يسمّى الحراسة والتنظيف بنسبة تبلغ 65%، حيث تقتصر الأعمال المنجزة على صيانة حدائق المؤسّسات العموميّة وحراستها.
لا تقتصر المشكلة على الانتاجيّة فحسب، بل تشمل توزيع المنتدبين في الحضائر على المؤسّسات العموميّة، حيث يتم تكديس العشرات منهم في المدارس والإدارات دون ان تكون لديهم مهام واضحة، وبما يفوق احتياجات المؤسّسات.
وقد أكد المعتمد السابق لحيّ الزهور في القصرين، أحمد دبوبي أنّ عدد عمّال الحضائر ناهز 300 فردا في مدرسة الحيّ، وهو ما يفوق عدد التلاميذ والمعلّمين مجتمعين، موضّحا أنّ ملايين الدينارات توجّه لخلاص المنح دون أن تعود هذه الآليّة بعوائد اقتصاديّة مجديّة.
- من استيعاب اليد العاملة محدودة التكوين إلى آلية لتشغيل أصحاب الشهائد العليا
رغم أنّ آلية عمل الحضائر قد أنشأت بهدف تشغيل اليد العاملة متدنيّة التكوين، إلاّ أنّ الاحصائيّات تبرز أنّ 5% تقريبا من عمّال الحضائر هم من أصحاب الشهائد العليا. استهداف هذه الفئة من المعطّلين جاء كنتيجة حتميّة لغياب بدائل أخرى وعجز مختلف الحكومات عن خلق مواطن الشغل لهؤلاء. كما ترتفع نسبة أصحاب الشهائد العليا في الجهات الداخلية مقارنة بباقي الولايات لتبلغ في ولاية سيدي بوزيد حوالي 7% وسليانة 6% من إجمالي عملة الحضائر.
- التلاعب والفساد
أكدّ التقرير الذّي أنجزته دائرة المحاسبات لسنة 2013، أنّ آلية عمال الحضائر تحوّلت إلى واحدة من أدوات الفساد والمحسوبيّة والتلاعب بالمال العموميّ. حيث تمّ إيقاف منحة الحضائر عن أكثر من 9500 عامل سنة 2013 لأسباب مختلفة، تتعلّق مجملها بالتحايل، سواء عبر تسجيل أسماء وهميّة، أو ممارسة أنشطة تجاريّة خلال ساعات العمل، أو الحصول على منح دون مزاولة الحضور والعمل.
- الحضائر كمسكّنات في غياب التنمية والبدائل الحقيقيّة
تبرز الإحصائيّات الصادرة عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة أنّ الولايات الأكثر فقرا وتهميشا هي الأكثر اعتمادا على آلية العمل في الحضائر. حيث تبلغ نسبة عمال الحضائر في ولايتي القصرين وسيدي بوزيد 36% من إجمالي اليد العاملة وفق هذه الآلية على المستوى الوطنيّ.
وتفسّر هذه النسبة السياسة التنمويّة المعتمدة من قبل الدولة والقائمة على الحلول الترقيعيّة بدل البحث عن الإصلاحات الهيكليّة. فارتفاع معدّلات البطالة التي تصل إلى أعلى مستوياتها في تلك الولايات الداخليّة ناجمة عن غياب الاستثمار العموميّ والخّاص وسياسة تنمويّة اقصائيّة.
- عمال في القطاع العموميّ دون امتيازات أو حقوق
يعتبر عمّال الحضائر أكثر الفئات الاجتماعية هشاشة على مستوى الأجور التي لا تتجاوز 276 دينارا بالنسبة للحضائر الجهويّة، و330 دينارا تقريبا للحضائر الفلاحيّة. وهي أجور لا تفي بالكاد للحدّ الأدنى للعيش الكريم في ظلّ التردّي الإقتصادي الذيّ أدّى إلى ارتفاع نسبة التضخّم إلى 5% خلال سنة 2015، وهو ما زاد من تدهور المقدرة الشرائيّة للمواطنين.
النقطة الثانية تتعلّق بوضعيّة هؤلاء العملة المحرومين حقّهم في التغطية الاجتماعيّة، إضافة إلى تأخّر عمليات خلاص الأجور وغياب الترسيم رغم أنّهم يتبعون نظريّا للقطاع العموميّ، ويحقّ لهم التمتّع بامتيازاته.
كان ممكن منذ 2011 ادماج 30 ألف منهم مع تمكنهم من نفس المقدار المالي شهريا في الجيش في مهمة إحداث بنية تحتية عوض تركها للشريكات الخاصة ، فتذهب الأموال المرصودة في قنوات الرشوة و سوء التصرف.
أقول هذا و أنا أعرف أنه أمر غير ممكن ، خاصة لغياب الدولة على الساحة … و خاصة لغياب سيادة الدولة على القرارات الاقتصادية و المالية …
مع الأسف .
أين الكفاأت التونسية التي تدعي الخبرات في حل الأزمات ان كانت أعداد عمال الحضاءر تعيق الدولة فهذا جيد فهناك شركات حكومية ذات صبغةتجارية ،لو احدثت الدولة مثل هذه الشركات اريحا الملايين ان كانت اليد العاملة متوفرة فالبنية التحتية و التي هي عاءق للمستثمر ستقوم بها الحضاءر في بناء الطرقات و حتى بناء منطقة صناعية بأكملها تتكفل الدولة بها ،بعد الاستقلال كانت فرنسا تستقطب الآلاف من العمال من بلدان المغرب و ها نحن نرى كيف أصبحت الدول الأوربية