sit-in-Ghardimaou-mere

أكثر من ثلاثين يوما، قضّاها المعتصمون في العراء أمام مقرّ معتمدية غار دماء من ولاية جندوبة. هؤلاء الذّين خرجوا منذ شهر تقريبا خلال موجة الاحتجاجات التي طالت معظم الولايات، للمطالبة بالتشغيل والتنمية الجهوية، لم يجدوا غير المماطلة والتسويف من قبل السلطات المحليّة التّي عوّلت على يأسهم واستنزافهم للتخلّي عن مطالبهم.

قرابة 60 فردا، معظمهم من النساء، يتجمهرون منذ الأسبوع الأخير لشهر جانفي الفارط أمام مقرّ معتمديّة غار دماء رافعين الشعارات ذاتها، ليقابلهم هذا الأخير بسياسة اتقنها مسؤولو الدولة بامتياز؛ الصمم الإراديّ والتجاهل.

عائلات على الرصيف

في واحدة من أفقر معتمديات الشمال الغربيّ، يبدو أنّ الوعود الحكوميّة والقرارات التّي ضجّت بها وسائل الإعلام حول المساعي الرامية لحلّ معضلة البطالة وتسوية وضعيات عملة الحضائر، الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع التونسيّ، لم تجد صداها لدى مسؤولي غار دماء الذّين لم تحرّكهم معاناة عشرات العائلات التي تفترش الأرض منذ أكثر من 4 أسابيع أمام مقرّ المعتمديّة.

على امتداد الرصيف الملاصق للمقرّ، انتشر ما يزيد عن 60 مواطنا من أهالي المنطقة، أغلبهم من النساء اللواتي قدمن رفقة أطفالهنّ بعد أن بلغت ظروفهن المعيشيّة مستوى كارثيّا. أكثر من ثلاثين يوما، وعشرات الأطفال الذّين تتراوح أعمارهم بين 3 سنوات و12 سنة، يلازمون أمهاتهن أمام معتمدية غار دماء في ظلّ تعتيم إعلاميّ أسقط معاناتهم عن جميع نشرات الأخبار، وتجاهل رسميّ صمّ آذانه عن مطالبهم المشروعة.

يصف الناطق الرسميّ بإسم الإعتصام، محمد بن موسى الوضع قائلا:

الوضع الانسانيّ والصحيّ للمعتصمين تدهور بشكل خطير، فبعد أكثر من شهر على مرابطتنا أمام مقرّ المعتمديّة، بدأ اليأس يدبّ في نفوسنا، خصوصا وأنّ الاعتصام يضمّ في أغلبه النساء وأطفالهنّ من عملة الحضائر اللواتي وقع التخلّي عنهنّ دون تقديم بديل لمورد رزق آخر، كما تتعرّض النساء إلى شتّى أنواع المضايقات من عائلاتهنّ ومن الشارع، خصوصا في منطقة محافظة على غرار غار دماء.

ليضيف أنّ البعض يفكّر في الانسحاب والتسليم في حقّه المشروع بالتشغيل وتوفير مورد رزق يحفظ الحدّ الأدنى من كرامة هذه العائلات، والبعض الآخر يدرس امكانيّة التصعيد أيّا كانت النتائج.

مطالب مشروعة وحكومة تستنزف المعتصمين بالتجاهل

مطالب المعتصمين في معتمديّة غار دماء، لم تختلف عن نظيراتها التي رُفعت في اغلب جهات البلاد خلال الموجة الإحتجاجيّة التي اندلعت عقب مقتل الشاب رضا اليحياوي في القصرين في 16 من جانفي الفارط. إذ طالب هؤلاء بالتشغيل لعشرات المعطّلين من أصحاب الشهائد العليا، وتسوية وضعيّة عمّال الحضائر إضافة إلى إعادة النظر في ملفات بعض عاملات الحضائر ممن تمّ التخلّي عنهنّ مؤخّرا.

ويشرح محمد بن موسى، الناطق الرسمي باسم الإعتصام تطوّر الأحداث، مبيّنا أنّ الأهالي انخرطوا في الاحتجاجات السلميّة منذ 16 جانفي 2016، وهو ما دفع بمعتمد الجهة إلى مقابلة وفد من المحتجّين، حيث وعدهم بدراسة ملفّاتهم وإيجاد حلول عاجلة. ليضيف محدّثنا انّه مع تراجع موجة الاحتجاجات، عاد المعتمد لسياسة التسويف والمماطلة، وهو ما دفع المحتجّين إلى التصعيد والإعتصام أمام مقرّ الولاية وطرد هذا الأخير منها.

وحول دعم المجتمع المدنيّ والأحزاب السياسيّة، فيؤكّد محمد بن موسى أنّ الاعتصام منتظم ذاتيا ولم يحظى بدعم أيّ طرف سياسيّ، بل وتمّ رفض أي محاولة لتوظيف هذا التحرّك سياسيّا. ليشير انّ الطرف الوحيد الذّي أعلن عن مساندته للاعتصام، كان المكتب المحليّ للاتحاد العام التونسي للشغل، الذّي أصدر بيانا يشدّ فيه على ايدي المعتصمين ويعلن دعمه لهم.

دخول الإتحاد العام التونسي للشغل على الخطّ، أحدث نوعا من الضغط على السلط المحليّة، حيث دُعي المعتصمون إلى جلسة تفاوضيّة مع الوالي ومعتمد الجهة، لكنّها لم تفضي إلى حلّ.

وقد أشار الناطق الرسمي باسم الإعتصام، أنّه ومنذ ذلك الاجتماع، لم تنعقد أي جلسة ثانية لتباحث الحلول الممكنة بين السلطات والمحتجيّن. ويبدو بحسب محدّثنا أنّ المعتمديّة تعوّل على استنزاف المعتصمين وأنهاكهم خصوصا في ظلّ الظروف المناخيّة القاسيّة في غار دماء وتواجد عدد كبير من النساء والأطفال، ممّا سيجبرهم في نهاية المطاف على الاستسلام والعودة لبيوتهم دون الاستجابة لمطالبهم، على غرار ما حدث للعديد من الإعتصامات الأخرى في مختلف أنحاء البلاد.

أمّا عن مطالب المعتصمين الحاليّة، فأفاد محمد بين موسى انّ شعاراتهم لم تتغيّر، وأنّهم يطالبون بتحديد تاريخ جلسة تفاوضيّة ثانية مع السلطات المحليّة بغية الوصول إلى حلّ. وقد أشار على انّه في حال تواصل سياسة التجاهل والتسويف، فإنّ عددا من المعتصمين قد يدخلون في إضرابات جوع وحشيّة أو قد يلجؤون للتصعيد واقتحام مقرّ المعتمديّة للاعتصام داخلها. مشيرا على انّهم يتعرّضون يوميّا لاستفزازات رجال الامن وموظّفي المعتمديّة، الذّين يحاولون جرّهم لردّ الفعل وإيجاد ذريعة لتفريق المعتصمين وإفشال الإعتصام.