تم ظهيرة اليوم، الخميس 12 ماي 2016، المصادقة على مشروع قانون عدد 2016/09 متعلق بالبنوك والمؤسسات المالية بحضور 137 نائبا، صوّت 115 منهم لصالح مشروع القانون المذكور.
وقد أثار طرح القانون للتصويت في الجلسة العامة يوم الثلاثاء 10 ماي 2016 إثر مداخلة كل من سليم شاكر وزير المالية والشاذلي العياري محافظ البنك المركزي، جدلا واسعا وصل إلى حدّ انسحاب كتلة الجبهة الشعبية والنواب المستقلّين من جلسة التصويت. وفي حين يعزو محافظ البنك المركزي سلسلة “الإصلاحات” في القطاع البنكي والمالي إلى ضرورة تحديث المنظومة القانونية للقطاع المصرفي التونسي، فإنّ سلسلة الإجراءات التي انطلقت من رسملة البنوك العمومية ثم قانون البنك المركزي وصولا الى هذا القانون تتوافق مع الشروط التي فُرضت على الحكومة التونسية من قبل صندوق النقد الدولي، والتي تشترط اجراء تغييرات هيكلية في الاقتصاد التونسي وتصفية القطاع العام مقابل تمكين تونس من القروض.
خطوة جديدة في طريق الغاء دور الدولة في السوق المالية
مثّلت عملية المصادقة على القانون الجديد خطوة أخرى في طريق استكمال تنفيذ حزمة الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي في إطار تنفيذ اتفاق “تسهيل الصندوق الممدد” القاضي ياسناد قرض بقيمة 2.8 مليار دولار خلال السنوات الأربع القادمة.
على الصعيد التقني، رصد النائب فتحي الشامخي العديد من التجاوزات التي تضمنها القانون المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية والتي تصب باتجاه استبعاد الدولة والمؤسسات المنتخبة من كل ماله علاقة بالعملة والقطاع المالي ككلّ، أي حرمان الدولة من أي دور تعديلي في الاقتصاد. وفي هذا السياق اعتبر هذا الأخير أن الهدف الرئيسي من هذا القانون هو فتح السوق المالية الوطنية امام رأس المال الخاص المحلي والأجنبيّ، بضمانات مطلقة ودون تحميلها مخاطر تقلبات السوق. ليستعرض في هذا السياق الفصلين 114 و115 من باب معالجة وضعية البنوك والمؤسسات المالية التي تشكو صعوبات، والتي تتيح للبنك المركزي التدخل ومساعدة البنوك التي تعاني من صعوبات مالية، في حين يمنع قانون النظام الأساسي للبنك المركزي هذا الأخير من التدخل وإقراض الدولة في حالة التعسّر.
النقطة الثانية التي تمثّل ضربة أخرى للقطاع المالي الوطني، جاءت في الفصل 46، حيث تم اسقاط الفصل 21 من قانون عدد 51 لسنة 1967 مؤرخ في 7 ديسمبر 1967 يتعلق بتنظيم مهنة البنوك والذي ينصّ على “ يجب حتما على رئيس مجلس إدارة بنك خاضع للنظام القانوني التونسي ان يكون من ذوي الجنسية التونسية.”، كما تم إلغاء التمييز الإيجابي لصالح البنوك التونسية بخصوص عمليات الإيداع حسب ما صرّح به النائب فتحي الشامخي لنواة.
النقطة الثالثة المثيرة للجدل تمحورت حول إلغاء التخصّص وتمكين جميع البنوك من اعتماد منظومة الصيرفة الاسلاميّة، وفق المعايير الدولية حسب الفصل 11، والتي تم اعتمادها إثر رفض مقترح بإضافة ضرورة احترام المعايير التونسيّة، وهو ما يفتح الباب أمام فوضى عارمة من الاجتهادات والتضارب بين خصائص السوق المالية التونسية والمعايير الدولية المعتمدة. أما الفصل 54 فيطرح الكثير من الأسئلة حول دور هيئة المراقبة الشرعية، إذ ينصّ: ” على كل بنك أو مؤسسة مالیة مرخص لها بمقتضى هذا القانون ممارسة عمليات الصيرفة الإسلامية المبينة بالباب الأوّل من العنوان الثاني من هذا القانون أن تحدث هيئة خاصة مستقلة عن هياكل الإدارة تسمى “هيئة مراقبة مطابقة معاییر الصيرفة الإسلامية“” وقد اعتبر النائب عن الجبهة الشعبية فتحي الشامخي أنّ هذا الفصل سيفتح الباب على مصراعيه أمام الفتاوى وتوظيف الدين لخدمة رؤوس الأموال والمؤسسات البنكية.
سياسة الأمر الواقع
بعد الخوض في التفاصيل التقنية المثيرة للخلاف بخصوص القانون عدد 2016/09 المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية، مثّلت حيثيات تمريره إلى الجلسة العامة للمصادقة ضربة إجرائية للقانون الداخلي لمجلس نواب الشعب. إذ فوجئ نواب المعارضة بتأجيل النظر في مشاريع القوانين المبرمجة لجلسات الأسبوع الجاري لفائدة مناقشة مشروع القانون المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية.
وقد أكد النائب فتحي الشامخي أن السبب الرئيسي لانسحاب نواب الجبهة الشعبية يعود إلى خرق الفصول 82 و138 والتي تنصّ على إمهال النواب 12 يوما لمراجعة مشروع القانون وتقرير اللجان. كما تمّت مخالفة الفصل 85 القاضي بضرورة تسليم النواب جدول الأعمال قبل أسبوع من الجلسة العامة في الظروف العاديّة، وقبل 48 ساعة في الحالات العاجلة. وقد أكدّ النائب الشامخي أن النواب لم يعلموا بتغيير جدول الأعمال سوى ليلة الإثنين، عبر ارسالية قصيرة تضمنت اعلاما بنشر مشروع القانون مساء الاثنين على الموقع الرسمي لمجلس النواب.
الملاحظة الثانية بخصوص حيثيات طرح مشروع القانون للمصادقة في الجلسة العامة، تتعلق بحسب محدثنا بالأسلوب الجديد الذي اعتمده نواب النهضة ونداء تونس مع كتل المعارضة، حيث تم رفض اقتراح النواب بتمديد مهلة مناقشة المشروع بأربع وعشرين ساعة متعلّلين بضرورة إتمام المصادقة قبل اجتماع مجلس إدارة صندوق النقد الدولي في 13 ماي الجاري. ورأى النائب فتحي الشامخي في هذا التصرف نمط جديد لتعامل التحالف الحاكم مع المعارضة ككل بأسلوب فرض الأمر الواقع وطريقة الحكم التي تعتمد العنف وتجاهل المطالب الشرعية لجميع فئات الشعب في العديد من القضايا على غرار قرقنة أو المصالحة الوطنية أو المطالب الاجتماعية والحراك الشعبي.
أما عن الحلول، فقد صرّح هذا الأخير أن كتلة الجبهة الشعبية تبحث حاليا إمكانية الطعن في القانون المتعلّق بالبنوك والمؤسسات المالية نظرا لما شابه من خرق واضح للإجراءات المنصوص عليها في النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، إضافة إلى الانعكاسات الاقتصادية والسياسية لمثل هذا القانون الذّي يسلب الشعب التونسي آليات السيادة على الاقتصاد والسوق والمالية.
هكذا يكرّس الرّباعي الحاكم اليوم بقيادة نداء تونس و النّهضة سيادة صندوق النّقد الدّولي على تونس بخلفيّتة الاديولوجيّة الرّأسماليّة المطلقة، التي أدّت الى افلاس عديد الدّول و ارتهانها، باستبعاد السّلطة السّياسيّة السّياديّة للشّعب على التّوجّهات و الخيارات الماليّة و الاقتصاديّة، و بادّعاء الوصول الى التّوازن الاقتصادي عبر آليّات السّوق التي لم تحقّق يوما توازنا و التي كرّست الفقر و غياب العدالة الاجتماعيّة. voir l’ouvrage ” La grande désillusion” de Joseph Stiglitz prix Nobel 2003 sur les politiques du FMI et de la Banque Mondiale.