في الوقت الذي يسود فيه شعور عام بتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد خصوصا في المناطق الداخلية، نشر المعهد الوطني للإحصاء نسب جديدة تظهر تراجع كبير لنسب الفقر في تونس بين سنة 2010 وسنة 2015. هذا وذهبت النتائج إلى قلب معادلة التفاوت الجهوي.
نتائج التوزيع الجغرافي للفقر تناقضت مع دراسة أخرى لنفس المعهد حول مؤشر الفقر، لم يتم الإعلان عنها رسميا. وقدّرت هذه الدراسة النسبة الوطنية للفقر بحوالي 28,97، مبيّنة ارتفاعه في المناطق الداخلية خصوصا الشريط الغربي مقارنة بالشريط الشرقي.
تضارب النتائج وتجاهل الدراسة الثانية من طرف المعهد الوطني للإحصاء، يطرح تساؤلا حول المناهج الإحصائية المعتمدة وارتباطها بتحديد السياسات الحكومية العامة.
غموض المنهجية وخطأ المقارنة
تشير نتائج المسح الوطني حول الانفاق والاستهلاك ومستوى عيش الأسر لسنة 2015 -التي عرضها محمد الهادي السعيدي مدير المعهد الوطني للإحصاء خلال ندوة صحفية أواخر شهر ديسمبر الفارط- إلى أن نسبة الفقر في تونس تراجعت بحوالي 5 نقاط بين سنة 2010 و2015، لتصبح 15,2 بالمائة سنة 2015 مقابل 20,5 بالمائة سنة 2010، ولعل الرقم الأخير يتضارب مع أرقام سبق وأن نشرتها الوزارة المشرفة على معهد الإحصاء سنة 2012 (وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي) والتي قُدّرت فيها آنذاك نسبة الفقر في تونس لسنة 2010 بـ15,5 بالمائة، وهذه الأرقام مازالت معتمدة في الموقع الرسمي للوزارة.
تغيير نسب الفقر لسنة 2010 جعل البعض يلجأ إلى التشكيك في تغيير المنهجية، ولكن مدير المعهد الوطني للإحصاء سارع إلى نفي هذا الأمر، مؤكدا الإبقاء على المنهجية القديمة. وبالمقابل تم تغيير نسب الفقر لسنوات 2000 و2005 و2010 تحت ما يسمّى بالفرنسية ” rétropolation”، أي إعادة احتساب نسب الفقر الفارطة من خلال تحيين خطوط الفقر اعتمادا على معطيات 2015، وقد سهّل استخدام هذه التقنية تسجيل تراجع في نسب الفقر خصوصا بين سنة 2010 و2015.
المقارنة بين سنة 2010 و2015 تعد من أهم المؤاخذات على نسب المعهد الوطني للإحصاء، وفي هذا السياق أوضح عبد الرحمان اللاحقة، الأستاذ الجامعي في الاقتصاد والخبير الدولي في ظاهرة الفقر، لموقع نواة “توجد إشكالية فعلية في قضية المقارنة لأنه لا تتوفر لدى المعهد الوطني للإحصاء آليات لإجراء هذه العملية التي تتطلب الكثير من الجهود والتقنيات الإحصائية المتطورة”.
المنهجية الرسمية المعتمدة في احتساب الفقر سبق وأن أثارت جدلا سياسيا وإعلاميا منتصف سنة 2011 بعد أن نشرت وزارة الشؤون الاجتماعية آنذاك نسبة فقر تقدر بـ24,7 بالمائة، الأمر الذي اضطر المعهد الوطني للإحصاء إلى إصدار بيان بتاريخ 3 جوان 2011، مشككا في “علمية” النسب المذكورة ويشرح المنهجية المعتمدة في قياس مؤشرات الفقر في تونس، مبينا أنه تم اقتراحها من طرف البنك الدولي. ومن المفارقات أن نفس هذا البنك أصدر تقريرا سنة 2014 أشار فيه إلى أن نظام بن علي كان يتلاعب بالإحصائيات والمؤشرات من أجل تلميع صورته.
تعتمد هذه المنهجية على تقدير نسبة الفقر بنسبة السكان الذين يقل إنفاقهم السنوي عن خط الفقر. ويتم احتساب خط الفقر –حسب المسح الأخير لمعهد الإحصاء- على مرحلتين: تتمثل الأولى في احتساب خط الفقر الغذائي الذي يساوي تكلفة سلة من المواد الغذائية تضمن تلبية الحاجيات الطاقية الدنيا (التي تقدر عادة بـ2200 سعرة حرارية)، أما المرحلة الثانية فتتمثل في احتساب تكلفة الحاجيات الأساسية غير الغذائية للفرد من بينها نفقات السكن والصحة والنقل وغيرها.
أشار الخبير عبد الرحمان باللاحقة إلى أنه “لا يمكن الدخول في المفاضلة الأخلاقية بين المنهجيات لأن لكل واحدة خصائصها، ولكن تظل المقاربة النقدية في قياس مؤشر الفقر اعتمادا على عنصر النفقات هي الأنسب في الدول النامية، نظرا لأنه لا يمكن تحديد المداخيل الحقيقية في هذه الدول بسبب تفشي التهرب الجبائي”.
تظل هذه المنهجية في نظر البعض الآخر أحادية في تحديد ظاهرة الفقر لأنها تقتصر على احتساب النفقات، وفي هذا السياق أكد الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي مصطفى الجويلي لموقع نواة “هناك تلاعب منهجي بالمؤشرات، وهذا التلاعب يبدأ من تحديد مفهوم الفقر ومعايير قياسه”. وأضاف الجويلي “المسح الأخير الذي عرضه المعهد الوطني للإحصاء اعتمد على مؤشر النفقات، في حين أنه يجب احتساب مؤشر المداخيل”.
معهد الإحصاء يخفي نتائج الفقر متعدد الأبعاد
في الوقت الذي سارع فيه المعهد الوطني للإحصاء إلى عقد ندوة صحفية قبيل انتهاء سنة 2016، ركّز فيها بالأساس على تراجع النسبة الوطنية للفقر خصوصا في المناطق الداخلية، كانت تقبع في أروقة نفس المعهد دراسة إحصائية أخرى حول الفقر متعدد الأبعاد في تونس لم يتم الكشف عنها رسميا إلى حد الآن. هذه الدراسة التي تحصّل موقع نواة على نسخة منها، وتم نشرها مؤخرا على موقع شبكة أقران الفقر متعدد الأبعاد “The Multidimensional Poverty Peer Network (MPPN) “، التي تديرها مبادرة أكسفورد للتنمية البشرية والفقر (OPHI)، وقد تم عرض هذه الدراسة في ندوة دولية حول موضوع الفقر متعدد الأبعاد نظمتها الشبكة المذكورة في مدينة “أكابولكو” بالمكسيك يومي 8 و9 نوفمبر 2016، وشارك في هذه الندوة لطفي فرادي، رئيس هيئة التوازنات الكبرى والإحصاء بوزارة التنمية، ومحمد الهادي السعيدي مدير المعهد الوطني للإحصاء.
أُجرِيت هذه الدراسة حول الفقر متعدد الأبعاد في تونس لسنة 2014، بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، وساهمت في إعدادها العديد من الوزارات والمؤسسات العمومية من بينها التنمية والشؤون الاجتماعية والصحة والتعليم والتشغيل، والمعهد الوطني للإحصاء والمعهد الوطني للتغذية والمجلس الوطني للإحصاء، علاوة على مشاركة منظمات وطنية ودولية من بينها اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة و”مبادرة أكسفورد للتنمية البشرية والفقر” (OPHI). (انظر مقتطفات من الدراسة).
بالإعتماد على مؤشر الفقر متعدد الأبعاد توصّلت هذه الدراسة إلى نسب فقر وطنية تقدر بـ28,97 بالمائة، ويأخذ هذا المؤشر بعين الاعتبار أربع أبعاد تتمثل في الصحة والتعليم والشغل وظروف العيش، وكل واحد من هذه الأبعاد يتم قياسه حسب جملة من المعايير. (انظر الرسم البياني).
مؤشر الفقر متعدد الأبعاد هو مؤشر جديد لقياس مستويات الفقر تم إطلاقه في 14 جويلية 2010 من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وجامعة أكسفورد، وفي بيان صادر عن مركز أنباء الأمم المتحدة فإن “مؤشر الفقر المتعدد الجوانب يأخذ في الحسبان الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية، مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي، ففي بعض الدول تتوفر هذه الخدمات مجانا أو بأسعار زهيدة بينما في دول أخرى لا تتوفر حتى بالنسبة للأشخاص من ذوي الدخل”.
رغم أن هذه الدراسة بيّنت انخفاض نسب الفقر متعدد الأبعاد بين سنة 2004 وسنة 2014 –نظرا لاعتمادها على إحصائيات تم تسجيلها في ظل النظام السابق علاوة على تأثير بعض المعايير مثل التمدرس وامتلاك وسائل تكنولوجية- فإن الجدير بالملاحظة أنها أشارت إلى أن بعدي التشغيل وظروف العيش تظل الأكثر مساهمة في ارتفاع الفقر متعدد الأبعاد، وبنسب مائوية تفوق مساهمة بعدي الصحة والتعليم.
مساهمة بُعدي التشغيل وظروف العيش في ارتفاع الفقر ينسجم مع المعطيات الوطنية التي كشف عنها التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2014، والذي قُدِّرت فيه نسبة البطالة بـ14,8 بالمائة سنة 2014 مقابل 14,1 بالمائة سنة 2004، إضافة إلى أن السكان المشتغلين المنخرطين بالصناديق الاجتماعية (أعمارهم بين 18 و59 سنة) يُقدر بـ2003,5 من مجموع 3294,6 من السكان المشتغلين (الوحدة بالألف). علاوة على أن نسب تزود السكان بالماء الصالح للشراب في بعض المناطق الداخلية متدهور مقارنة بالنسة الوطنية إذ يُحرم حوالي 49,7 بالمائة في مجموع السكان في ولاية سيدي بوزيد من التزود بالماء الصالح الشراب ويُحرم أيضا حوالي 37,5 بالمائة في ولاية القصرين من هاته الخدمة.
ماذا وراء قلب معادلة التفاوت الجهوي؟
من المتعارف عليه في العلوم الاجتماعية أن منهجيات الإحصاء ليست محايدة ولا يمكن وصفها بـ”العلمية الصرفة”، لأن كل واحدة منها محكومة برؤية وتصور وبرنامج، ولعل الإحصائيات العمومية تندرج ضمن هذا الوصف لأنها مرتبطة بالسياسات العامة للأنظمة. ومن هذا المنطلق أدت نتائج المسح الوطني الذي أجراه المعهد الوطني للإحصاء إلى قلب معادلة التفاوت الجهوي في نسب الفقر بين العديد من المناطق خصوصا بين الشرق والغرب، إذ أظهرت نسب فقر في ولاية سوسة (16,3 بالمائة) أكثر من نسب الفقر في توزر (14,7 بالمائة) وتطاوين (15 بالمائة) وقابس (15,9) وزغوان (12,1 بالمائة). كما تخلّص المسح إلى تقارب نسب الفقر بين ولاية سيدي بوزيد (23,1 بالمائة) والمهدية (21,1 بالمائة)، وهي نسب تتعارض مع مؤشرات اجتماعية أخرى من بينها التزود بالماء الصالح للشراب إذ تبلغ النسب في سيدي بوزيد 50,3 بالمائة بينما تقدر في المهدية بـ95,9 بالمائة.
بالمقابل أشارت الدراسة المُنجزة حول الفقر متعدد الأبعاد –التي أشرنا إليها سابقا- إلى نتائج مخالفة بخصوص نسب الفقر بين الولايات، إذ بينت استمرار ارتفاع الفقر في المثلث الجهوي الكلاسيكي (القصرين، سيدي بوزيد، القيروان)، علاوة على إظهار انخفاض مؤشر الفقر متعدد الأبعاد في ولاية سوسة (17,36 بالمائة) مقارنة بارتفاعه في كل من تطاوين (31,40 بالمائة)وتوزر (20,35 بالمائة) وزغوان (37,75بالمائة). وهي نتائج معاكسة لما استعرضه المسح الوطني.
التعارض بين نتائج الدراستين -رغم أنه تم إنجازهما من نفس المعهد- تجاوز قضية الاختلاف المنهجي، باعتبار أن الأولى قامت على مقاربة الفقر النقدي والثانية على مؤشر الفقر متعدد الأبعاد. وإنما يعكس توظيفا سياسيا لمناهج الإحصاء، تجلى من خلال العمل على اثبات التراجع في نسب الفقر بـ5 نقاط بين سنة 2010 وسنة 2015، عبر طريقة المقارنة التي أكد الخبراء عدم وضوحها وغموضها التقني والمنهجي، وتفترض هذه النتيجة جدلا أن الحكومة الحالية ليس من أولوياتها محاربة الفقر. كما يتجلى التوظيف السياسي أيضا من خلال قلب معادلة التفاوت الجهوي للفقر، لتصبح بعض المناطق الداخلية أقل فقرا من مناطق الساحل (سوسة خصوصا) ولعل هذه النتيجة ترتبط بمسألة التنمية، التي تؤكد جل مؤشراتها الهوة الشاسعة بين الشريط الغربي والشريط الشرقي. وإذا أخذنا بعين الاعتبار إدراج نتائج الإحصاء في توجيه السياسات العامة سننتهي إلى نتيجة مفادها أن السياسة الحكومية القادمة ستغير الاتجاه الجغرافي لمحاربة التفاوت الجهوي نحو الشرق مرة أخرى وليس نحو الغرب. ولعل الربط بين التنمية والفقر منطقي –عكس ما يذهب إليه مدير المعهد الوطني للإحصاء- لأن وزارة التنمية نفسها تقيس مؤشر التنمية الجهوية عبر جملة من المقاييس تتقدمها ظروف العيش والمؤشرات الديمغرافية والاجتماعية.
” بعدي التشغيل وظروف العيش تظل الأكثر مساهمة في ارتفاع الفقر متعدد الأبعاد، وبنسب مائوية تفوق مساهمة بعدي الصحة والتعليم.”
أهداف الثورة حرية ، كرامة، عمل ، ديمقراطية.
ثم مع الأسف الكثير من الأحزاب تذهب في هذه المغالطات الكبرى عبر هكذا إحصائيات ..
الطفلة رانية خير شاهد على تقلص نسبة الفقر في تونس .
Probablement que rien ne change, et que la pauvreté perdure pendant que l’écart se creuse entre les régions.
Qui pouvait croire à d’autres choix économiques lorsque le corps électoral a donné la majorité aux Nahdhaoui et à leurs semblables conservateurs de Nida?
Point n’est besoin de déplorer ou instaurer un procès en retour de l’ancien, ni mettre en cause des individualités, il faut convenir que tel est le résultat des choix de la population. Du moins, dans sa part qui se mobilisa en prenant part aux divers scrutins électoraux.
Certains s’évertuent à mettre en cause une certaine Gauche qu’ils ont tendance à incriminer sous divers motifs, l’UGTT, etc..
Peut-être qu’il faut en passer par ces expériences, se battre pour faire prévaloir ses intérêts en vivant ce moment de démocratisation comme l’occasion de contribuer à l’éclosion de nouvelles politiques.
La démocratie représentative n’existe que sous le signe du conflit, et pour que les Sans-part aient quelque chance d’être regardés comme citoyens avec des droits, il leur échoit d’agir dans et hors les institutions, sans jamais confier sans droit de suite leur destin à quelque “représentant” fùt-il le plus probe.
Et, puisque d’aucuns clament une Gauche absente, traîtresse ou peu capable de porter leurs doléances, que n’inventent-ils pas une autre Gauche, un mouvement à la hauteur de leurs vœux.