أحال مكتب مجلس نوّاب الشعب خلال اجتماع عقده يوم الخميس 11 ماي 2017، مشروع قانون أساسي عدد 48/2017 المتعلّق بإصدار مجلّة الجماعات المحلّية إلى لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوّات الحاملة للسلاح، مع طلب استعجال النظر مودع من قبل الحكومة. مشروع المجلّة بادرت به وزارة الشؤون المحليّة والبيئة وانطلق العمل عليه منذ 2015 تفعيلا للباب السابع من الدستور المتعلّق بالسلطة المحليّة والذي يضمن استقلالية كلّ من البلديات والجهات والأقاليم ومبدأ التمييز الإيجابي بين الجماعات المحلية، كما ينظّم علاقة السلطة المركزية بالسلطة المحلية. هذا ويشمل مشروع المجلّة في نسخته المصادق عليها من طرف المجلس الوزاري 363 فصل مقسّمة على 7 أبواب، تعوّض بمقتضى دخولها حيّز النفاذ القوانين الجاري العمل بها وهي: القانون عدد 33 لسنة 1975 المتعلق بالبلديات، والقانون عدد 35 لسنة 1975 المتعلّق بالقانون الأساسي لميزانية الجماعات المحلّية، والقانون عدد 36 لسنة 1975 المتعلّق بضبط المال المشترك للجماعات المحليّة، والقانون الأساسي عدد 11 لسنة 1989 المتعلّق بالمجالس الجهوية، والقانون عدد 87 لسنة 1994 المتعلّق بإحداث مجالس محلية للتنمية.

صادق المجلس الوزاري على مشروع المجلّة في 28 أفريل 2017 اثر مداولات دامت أكثر من 3 أشهر بين أروقة الوزارات واستوجبت تنقيحات أخيرة على نسخة فيفري التي كان من المتوقّع إيداعها لدى مجلس نوّاب الشعب منذ 15 مارس 2017. وفي حديث سابق أجراه رئيس وحدة المالية المحليّة لزهر مازيغ مع نواة أشار إلى بعض “العقبات” على مستوى مشروع المجلّة في نسخته السابقة (فيفري 2017) مبيّنا أنّه “يمكن تصوّر اللامركزية لكن ليس هذا هو واقع الحال، فالعقدة في التمويل حيث أنّ السلطة المركزية هي من سيموّل السلطة المحلية” وتساءل عن تمويل اللامركزية مع غياب رؤية متجانسة بين جميع الأطراف في إشارة إلى تحفّظات وزارة المالية بخصوص بعض أقسام المجلّة، لاسيما تلك المتعلّقة بالنظام المالي للجماعات المحليّة، مضيفا:“ليس هناك سلطة محليّة فالدستور كان طموحا في إقرار السلطة المحلية طالما أنّها لا تمتلك صلاحيات جبائية”.

ينصّ الدستور في بابه السابع الذي يستند إليه الإطار القانوني الجديد للبلديات على التعديل والموازنة بين نقل الصلاحيات والموارد (الفصل 135)، وقد نصّ مشروع المجلّة على تعديل ترافقه آليات لدعم الموارد الذاتية للبلديات ليكون لها النصيب الأوفر ضمن موارد الميزانية، فموارد البلديات كان النصيب الأوفر منها محال من الدولة ويشمل: مناب المال المشترك، وموارد الاستثمار والدعم الموظّف، في حين أنّ مواردها الذاتية ضعيفة لقلّة الموارد الجبائية بسبب تراجع نسبة الاستخلاص التي لا تتجاوز 11 %، والموارد غير الجبائية تشهد هي الأخرى ضعفا ناجما عن محدودية الرصيد العقاري في عدد هامّ من البلديات. ويكفل مشروع المجلّة للبلدية تعزيز مواردها المحالة من جهة ومواردها الذاتية من جهة أخرى عبر دعم الاستخلاص ووضع هامش من التصرّف في المعاليم ودعم الرصيد العقاري، كما نصّ وضوحا في نسخة فيفري 2017 على فرض تحويل نسبة من المداخيل الجبائية من الدولة إلى الجماعات المحليّة، أمّا النسخة المصادق عليها في المجلس الوزاري والمودعة بالمجلس غيّرت فحوى هذا الفصل.

أثناء تبريره لتحفّظات وزارة المالية أشار رئيس وحدة المالية المحليّة:

يمكن لوزارة المالية أن تكفل حريّة التدبير، لكنها بشكل أوسع مؤتمنة على التوازن العامّ للميزانية، ونحن نمرّ بأزمة اقتصادية، ولذلك لسنا بحاجة لتفكيك قوّة الدولة المالية.

وأضاف أنّ “الحديث عن موارد ذاتية للبلديات سابق لأوانه، فمازالت الهياكل المحلية بحاجة إلى مرافقة الدولة وغدا ستطلب البلديات المساعدة”.

في نفس السياق، أكّد معزّ بوراوي، الرئيس السابق لجمعية عتيد، في تصريح لنواة أنّ “مشروع المجلّة أبقى على إشراف السلطة المركزية والنسخة التي تمّت المصادقة عليها تضمّنت تغييرات”، مضيفا “لم نتمكّن بعد من الإطّلاع بتمعّن على كافّة فصول مشروع المجلّة”. هذا ويستعدّ عدد من منظّمات المجتمع المدني لقيادة حملات مناصرة داخل مجلس نوّاب الشعب من أجل المصادقة على المجلّة في أقرب الآجال. من جهتها أوضحت ليلى الشرايطي، رئيسة جمعية عتيد، “سندرس مشروع المجلّة في نسخته الأخيرة كما فعلنا مع بقية النسخ السابقة، وسنحرص من جهتنا أن تكون النتيجة واضحة ومنسجمة مع الدستور وتضمن انتقال السلطة تدريجيا نحو الجماعات المحليّة”. وقد سبق أن تقدّمت كلّ من عتيد ومنظّمة البوصلة وكلّنا تونس والجمعية التونسية للحوكمة المحليّة بعرض خطّة لمناقشة مشروع المجلّة صلب مجلس نوّاب الشعب، في ندوة صحفية يوم الخميس 13 أفريل 2017 تتضمّن تقسيم العمل بين اللجنة المختصّة وكلّ من لجان: التشريع العامّ والمالية والتخطيط والحقوق والحريات والنظام الداخلي والصناعة والتنمية الجهوية، وذلك للتعجيل بمناقشة جميع فصولها قبل الانتخابات البلدية.

ويُذكر أنّ لجنة تنظيم الإدارة والقوّات الحاملة للسلاح صادقت يوم الخميس 11 ماي 2017 على مشروع القانون عدد 38 لسنة 2017 المتعلّق بهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد بأغلبية أعضائها الحاضرين. ومن المتوقّع، حسب مصادر برلمانية، أن يتمّ إدراج مشروع مجلّة الجماعات المحليّة ضمن أشغال اللّجنة بداية من الأسبوع المقبل وأن تكون له أولوية النظر خصوصا في ضلّ ضغط الرزنامة الانتخابية.

يندرج تأجيل النظر في مشروع المجلّة ضمن سياق سياسي يتواصل فيه الجدل حول الانتخابات البلدية القادمة خصوصا في ظلّ أزمة الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات والتي لم تسفر بعد عن استقرار لتركيبتها، ومن المنتظر أن يجتمع غدا الأربعاء مجلس الهيئة للبتّ في مسألة الاستقالات.