إن ما يجري في تونس اليوم على تعقيده وتشابكه ليس صعب الفهم ولا عسير التحليل. فليس المجتمع التونسي استثناءا من استثناءات سياسة المجتمعات الحديثة حتى يستعصي علينا إدراك مواطن الخلل فيه. فاستقرار المجتمعات المعاصرة المنتظمة انتظاما سياسيا أو اضطرابها يقومان بالأساس على حركة انتظام بين خطين هما أساس العقد الإجتماعي وقاعدته في كل الحالات: خطّ السلطة وخط الثّروة. ومن خصائص الإستبداد كما يقول معظم دارسيه تداخل الخطّين وتحالفهما. ومن خصائص الديمقراطيّة، وإن نظريا، لا تباعدهما ضرورةً وإنما تنظيم العلاقة بينهما على الأقل عن طريق عمل المؤسّسات الدستوريّة حتى لا يقع التزاوج بين سلطة المال ومال السلطة فيتحول الفساد والرّشوة والمحسوبيّة إلى سياسة دولة وحتى لا يصبح التسلق والوصوليّة سلوكا اجتماعيا وطبعا من طباع المواطنة المغشوشة. ولا شكّ أن هذا التوصيف ينطبق كاملا غير منقوص على نظام السابع من نوفمبر. فقد كانت كبرى جرائم بن علي ونظامه البغيض مأسسة الفساد وجعله خيار دولة. ورغم أنني لست ماركسي التوجه ولا يساري الهوى لكن دارس السياسة الذي يسكنني مضطر إلى الاعتراف بأن طرق الماديّة التاريخيّة في فهم الظواهر السياسيّة وتحليلها قادر على أن يساعدنا على فهم حالة الإنسداد السياسيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة التي تكاد تعصف بأمن بلادنا وبوحدة ترابها حاليا. فبؤرة الأزمة وقلب حالة الإنسداد التي تهزّ بلادنا اليوم تقع في المسافة الموجودة بين خط السلطة وخط الثّروة الذين يحكمانها.
لقد قام نظام بورقيبة طيلة كل سنوات الاستقلال على منطق رفض اقتسام خط السلطة لكنه لم يكن يرفض ضرورةً اقتسام خط الثّروة. فلم تكن هناك ثروة بالمعنى المفهوم حاليا، إذ كانت حينها في طور الصنع والمراكمة. لذلك كان أشرس معارضي بورقيبة على خطورة حركتهم السياسيّة قادرين على تأمين حياتهم الماديّة لأنفسهم ولأسرهم. وعندما جاء بن علي ونظامه المشؤوم تحوّلت الحياة السياسيّة كلها إلى حلف بين خط السّلطة وخطّ الثروة. فمن جهة أولى تعهد الخطّ الأوّل بحماية النخب الثّريّة ومأسسة استئثارها بمدخرات البلاد وتقنينه. تلك المدّخرات التي هي بالأساس والطبيعة خيرات مشاعة افتراضا. كما عمل على استئصال أيّة محاولة لإدانة ذلك الانتظام وخنقها في مهدها. وهو ما حصل فعلا في انتفاضة الحوض المنجمي التي فشلت آلة بن على القمعية في قتلها على وحشيتها الرهيبة والمرعبة. ومن جهة أخرى تعهد الخطّ الثاني بمدّ السلطة وأعوانها وعملائها بوسائل الإثراء الفاحش والسّريع. وقد اكتمل البناء الفاسد كلّه بنخبة مزيفة من المثقفين التبّع والإعلام الخاضع المأجور عهد إليهما تصوير الاستبداد ديمقراطيّةً وحريّةً وتقديم الفساد حوكمةً رشيدةً وإدارةً صالحةً. لذلك كان نظام بن علي نظاما أوليغارشيًّا مكتمل الشروط والمقومات بمعنى الاستبدادين: الاستبداد بالسلطة والاستبداد بالمال. وبمعنى أدقّ الاستبداد بالسلطة عن طريق احتكار المال والاستبداد بالمال عن طريق احتكار السّلطة. وقد كان في ذلك الجمع مقتله وسرّ زواله السريع وسقوطه السّهل رغم دموية آلته القمعيّة.
وبعد الانتفاضة التي أطاحت بدولة بن على البوليسيّة الأوليغارشيّة الفاسدة لم تتغيّر الأمور من حيث المكونات. فكل ما تغيّر هو طبيعة المناخ السياسي الذي تتحرك داخله الأطراف السياسية والاقتصادية الخائضة في هذا الملف الشائك. أما الصراع الطبقي الذي هو أصل المشكل وعلّة الأزمة فباق على حاله. فالبرجوازية الريعيّة التي كانت العماد الاقتصادي لنظام بن علي هي نفسها مالكة الثّروة اليوم المتحكمة فيها المستأثرة بها والداعمة للسلطة التي تحكمنا. بل قد ازدادت ثرواتها وتوسّعت بحكم عجز الحكومات المتعاقبة منذ انتفاضة 2011 على إرغامها على إرجاع ما غنمته من نظام الفساد البائد وبحكم ازدياد الفارق بينها وبين القطاعات الفقيرة من مجتمعنا، دون أن تفوتنا الإشارة إلى انحسار الطبقة الوسطى واقتراب اندثارها. وقد يكون ذلك الانحسار وذاك الاندثار أخطر ملامح الفترة الراهنة. فقد أثبتت كل دراسات العلوم السياسية المنشغلة بحركات التحول الديمقراطية أن لا شيء أخطر على كل انتقال ديمقراطي من سحق الطبقة الوسطى التي تمثل قاعدته ووقوده. وأخطر ما في الحالة التونسيّة أن تلك البرجوازيّة المستأثرة بثروة الشعب التونسي قد نجحت في اختراق حزب نداء تونس وطرد الوجوه اليسارية منه أو إبعادها عنه أو دفعها إلى الابتعاد بعد أن استولت [وهذا أخطر ما في الأمر] على تاريخها فسرقت صورتها واستحوذت خصوصا على رأسمال شرعيّتها القائمة أصلا على موازنة مشروع النهضة العقائدي. ذلك المشروع الذي يبدو بالنسبة إليها مشروعا مخيفا ثقافيّا وسياسيّا لكنه لا يزعجها كثيرا اقتصاديا باعتبار ليبرالية الجزء الاقتصادي من مشروع الإسلاميين غير المتناقض مع الطبيعة المحافظة لباقي أجزائه الاجتماعية والثقافيّة. وهذا ما يفسّر أمرين اثنين: الأول تواصل شعبيّة النداء رغم تصدعاته الفاضحة والثاني ظهور النّهضة اليوم بمثابة شاهد الزّور على إعادة إنتاج النّظام القديم لنفسه. بل إنها ساعدته على اكتساب الشّرعية الديمقراطية. وهذا في رأييَ المتواضع أكبر جرم ارتكبته النهضة في حق نفسها أولا وفي حق قواعدها ثانيا وفي حقنا نحن شعبها التونسيّ ثالثا. فبالنسبة للمعارضة التقليدية لقد قايضت النهضة وجودها بمساعدة تلك البرجوازية التي تختفي وراء نداء تونس على الحفاظ على مصالحها لوعيها بمعاداة الدّولة العميقة لها ورفضها للتعايش معها. وهذا ما يفسر أيضا مواقف التخوين التي أصبحنا نسمعها من حلفاء النهضة القدامى ورفقائها خلال سنوات الجمر. بل هذا ما يفسّر انقسام النهضة ذاتها على نفسها. فقياداتها في السّلطة وكوادرها الوسطى وقواعدها مع المعارضة الشعبيّة.
فالصراع في تونس اليوم صراع طبقي حقيقةً كاملةٌ شروطهُ مستوفاةٌ مقوماتهُ. صراع الطبقات الفقيرة المسحوقة مع رؤوس الأموال المستكرشة النهمة التي لا تشبع. وما الشعارات الجهويّة والتلاسن المناطقي الذي نراه في المباريات الرياضية ومهرجانات الموسيقى وغيرها إلا تعبيرات في صيغ جديدة عنه. ومسألة الثروة المشاعة سر ُّ سلطة تريد النخبة الحاكمة الحاليّة تحويله إلى سرِّ دولة ومن ثم إلى مسألة أمن دولة. وهذا ما يفسّر عسكرة الرّدّ على مطالبة أهلنا في الجنوب بحقهم المشروع قطعا في خيرات بلادهم. وهذ الرّدّ في تقديرنا كان خطأ جسيما وعلى غاية من الخطورة لأنّ فيه ضربا لحريّة التعبير ولحق التنفيس عن الغضب ولمبدإ التعبير عن الاحتجاج الشرعي. كما يحمل في الوقت نفسه إحراجا عظيما لأبنائنا في القوّات المسلّحة إذ يضعهم في مأزق صعب يتقطّعون فيه بين احترام واجب الطاعة الدستوري للسلطة السياسية المدنيّة وبين مواجهة أولادهم وإخوانهم من أفراد الشّعب الذي درّبوا على خدمته وحمايته لا على قمعه وقهره. ففي مطلق الأحوال لا تنتظم الجيوش في الديمقراطيات لمواجهة المتظاهرين. فلا تنزل الجيوش لمواجهة تحركات الشّوارع والقيام بعمل الشّرطة إلاّ في الدول المتخلّفة. ومن هذا الوجه أيضا كان هذا القرار كارثة على صورة بلدنا في العالم.
ومن الصعب أن نقبل صدور أخطاء بهذا الحجم عن شخصيّة لها خبرة الرئيس السبسي ودهاؤه السياسي إلا إذ افترضنا تعرضه لضغوطات داخل عمليّة تبادل للمصالح من قبل نفس تلك البرجوازية المستأثرة بريع تلك الثروات الرافضة لاقتسامها مع أصحابها الطبيعيين. وهذا ما يؤكّده كذلك طرحه لقانون المصالحة سيء الذكر. فإصرار رئاسة الجمهورية المريب وإصرار الرئيس السبسي الشخصيّ والغريب على طرح هذا القانون مع وضوح الرفض الشعبي الصريح له، فضلا عن كونه ولو نظريا خارقا لقوانين العدالة الانتقاليّة في أقصى الحالات أو استباحة لاختصاصاتها ومزاحمة في مجال عملها في أدناها، لا يمكن أن يُحمل مع عميق الأسف إلا على تأويل واحد. إنه يشير بالدلالة على صفقة سياسيّة من نفس طبيعة الصفقات التي أوصلتنا إلى حالة التصدي والانهيار الراهنة. صفقة من الواضح أن سلطة المال قد تحالفت فيها مع مال السّلطة لنواصل جميعا رغم ما دفعناه من دم وتضحيات نراقب الفساد يتحوّل إلى سياسة دولة معلنة بل وبمنطق المؤسّسات الدستوريّة نفسها التي سنت نظريّا على العكس لمحاربته وقطع دابره. وهذا ما يفسّر عجز مستشاري الرئاسة عن الدفاع عن الخيارين، خيار العسكرة وخيار المصالحة. كما يفسّر في الوقت نفسه رداءة الحجج التي يدفعون بها في الغالب للدفاع عنهما. بل لقد صعقت شخصيا من سوء أداء مستشارة رئيس الجمهوريّة سعيدة قراش ورداءة ردودها إلى حد الابتذال والسّخافة حين واجهتها النائبة سامية عبو بملف فساد بالوثائق والأرقام والأسماء والوزارات في إحدى الحصص الحواريّة التي بثت على قناة التاسعة منذ بضعة أسابيع.
فلنصارح أنفسنا إذن حتى نفهم ما الذي يجري في بلادنا. فالصّراع اليوم في تونس ليس صراعا على السلطة بل هو صراع على الثّروة. وقد نكون نجحنا في السنوات الست الأخيرة في حل مشكل التنازع على السّلطة. لكن استمرار الفقر والبطالة وتفاوت التنمية المرعب بين الجهات على نطاق بهذه الضخامة وبفوارق بهذا العمق يدل دلالة واضحة على أننا قد فشلنا في حل مشكلة التنازع على الثّروة. ومن الواضح بالنسبة إلى البرجوازيّة المتوارية وراء نداء تونس وفي تصوّر من حالفها أيديولوجيًّا أنه من المسموح به تقاسم خطّ السلطة إلى حدود هي ترسمها. وهذا ما يجري بالضبط مع النهضة. فكلّما أجروا تحويرا في هيئة الحكم ألقوا إليها بفتات من المناصب حتى يسكتوها ويضمنوا بمقاعدها في البرلمان السير الدستوري لدواليب الدولة. لكنه من الواضح بالنسبة إليهم أيضا أنه من غير المسموح به تقاسم خط الثّروة. فكلّما طرحت مسألة إعادة تقسيم الثّروات إلا واختلقت السلطة الحاكمة قضايا جانبيّة أو أخرجت الدولة العميقة مشاكل ثانويّة لصرف نظر الرأي العام عن هذا الملف المزعج. ولست بحكم اشتغالي بالعلوم السياسية من المؤمنين بنظرية المؤامرة حتى استدعي الإرهاب إلى مثل هذا المقام. فالإرهاب حقيقة واقعة وليس متخيلا اجتماعيا. وانتصارات أبنائنا من أبطال القوات المسلحة أو فرق وزارة الداخليّة عليه انتصارات حقيقية لنا الحق أن نفخر بها ومن واجبنا أن نحييها. فنظريّة المؤامرة نظرية ضعيفة من الوجهة العلميّة إذ هي في الغالب انزلاق بالمسائل نحو تبرئة النفس أو هروب من مسؤولياتها. بل استدعاء الإرهاب في مثل هذا المقام وتقديمه على أنه فزاعة لصرف النّظر عن مطالب التنمية لعبة خطرة لا أريد ولا اسمح لنفسي بالخوض فيها.
ومهما يكن من أمر فالثابت منذ ظهور الاحتجاجات الجهويّة المطالبة بحق الجهات في جزء من ريع ثرواتها لم نر من السلطة إلا موقفا واحدا هو في الحقيقة موقف البرجوازيات الريعية التي أوصلتها إلى الحكم. ففي نظر تلك البرجوازيات ثروة البلاد حق لها وحدها بالسيطرة أو بالتصرّف. ولذلك وبموازاة تردد السلطة وتلكؤها هبت نفس النخبة الثقافيّة والإعلاميّة التي كانت تزين من قبل عمل بن علي وخيارات نظامه لا سيما المرئيّ منها لتسفيه مطالب التونسيين وتشويه تحرّكاتهم الفاضحة للفساد أو المطالبة بالمساواة في الحق في الحياة بالوسائل نفسها والمفردات عينها. وتذكّروا التسجيل المسرب عن مالك إحدى القنوات الخاصة يحرض صحافييه على تشويه صورة إحدى منظمات المجتمع المدني التي اتّهمته وشركاته بعدم الشفافية المالية والتهرب الضريبي. وهذا عين ما يحصل مع تحركات أبنائنا في الجنوب. فمرّة يقولون لنا أنّ هذه الاحتجاجات مدفوعة من أحزاب سياسيّة ومرة يقولون إنها بتشجيع من مهربي المنطقة وتجارها غير الملتزمين بالقانون. وفي ثالثة يتهمون حتى حلفاءهم الإسلاميين بإشعالها. وكلّها شطحات إنشائية غامضة لا عنوان واضح لها ولا أسماء ظاهرة عليها ولا دليل يسندها يمكننا من أن نقيّمها بالتصديق أو بالتكذيب. بل إنّ هذه الاتهامات الغامضة والهُلامية تزيد في تعفين الوضع وتشحن الأنفس الغاضبة في الجنوب فتزيدها غيضا على غيضها. وهذا النوع من المطارحات الخالية من مضمون واضح هي على الحقيقة الدليل الأوفى على عجز استراتيجية التواصل عند حكومة يوسف الشاهد وعلى رداءتها الصّريحة وبالكليّة. فكلّما خرج علينا بعض من وزرائها أو الناطقين باسمها إلا وزاد غضب الناس بدل التخفيف من حنقهم منها وسخطهم عليها.
إن المشكل في تونس ليس مشكل تقسيم الثروة الطبيعية لأنه لا توجد لدينا ثروات طبيعية أصلا. وكل ما يتداول عن مخزوننا من النفط والغاز مبالغات إيديولوجية لا أكثر لأنه لو كنّا نسبح فوق بحر من البترول والغاز كما يروج له عند البعض من هواة السّياسة ما كانت الشركات العالمية الكبرى والدول العظمى التي تقف وراءها تسكت عن السّعي للظفر به والانقضاض عليه. إن أصل المشكل في تونس هو مشكل تقسيم العمل ومشكل الوصول العادل إلى نفس فرصه وإتاحتها بنفس القدر للتونسيين جميعا. فيكفيك أن تتحدّث مع صغار التّجّار في أي قطاع من قطاعات التجارة عندنا لتكتشف أنّ أسواقنا مقسّمة بحسب قطاعات التجارة على مجموعة من العائلات المتنفذّة والمتحالفة والمتفقة فيما بينها لاحتكار السّوق والعمل بمفردها فيه والاستفراد بغلّته لها وحدها دون سواها. وفي هذا يكمن سبب الفارق الضخم بين ثروات أصحاب رؤوس الأموال والطبقة الشغيلة في تونس. وهنا بالضبط يكمن سر المأساة الاجتماعية والاقتصادية التونسية. فهذه العائلات مع المنظمات التي تمثّلها وتدافع عن مصالحها ترفض أن يفتح السّوق للجميع وتبحث دائما لنفسها عن أحلاف لدى الطبقة السياسيّة لإدامة هذا الوضع ومنع تغييره. وهي بهذه العقلية وهذا السلوك علاوة على إفساد الحياة الاقتصادية تفسد بالنتيجة كذلك الحياة السياسيّة إذ يتحول رجل السياسة إلى حريف عندها تدعمه وتسنده ماديا على أن يرد لها جميلها إن وصل إلى السلطة بعدم التعرض لمصالحها والعمل على إدامتها عليها. وقد بدأت بعض التسريبات تخرج عن استشراء هذه الظّواهر في حياتنا السياسيّة. وهذا تحديدا ما أصبح التونسي يرفضه ولم يعد على استعداد لقبوله بل حتى قبول مجرد التفاوض عليه. وهذا هو المضمون الحقّ للرسالة التي أرسلها شباب تطاوين للحكومة الحالية ولا شك عندي إطلاقا أن الجهات الداخلية المحرومة الأخرى ستتحرك إن عاجلا أو آجلا. فإذا أرادت الحكومة استباق الأمور فعليها أن تراجع تقسيم العمل في بلادنا وأن تقضي على احتكار الأسواق بفتحها بنفس الفرص أمام الجميع. وعلى رؤوس الأموال وأصحاب الثّروة ممن يصرون على أغلاق السوق لأنفسهم وحدهم والاستفراد بها أن يفهموا أن الأوان قد آن لاقتسام حق الحياة مع باقي التونسيين. فإن أصروا على احتكار فرص العمل والإثراء وحدهم دون سواهم فليعلموا يقينًا أن ثورة جياعٍ قادمة لا محالة. وهي ثورة إن حدثت ستحرق الأخضر واليابس ليسقط السقف على رؤوس الجميع. ولن يبقى لنا جميعا في النهاية شيء نتقاسمه. والعاقل من اتعظ بتجارب غيره فقد دمرت شعوب وحطمت دول بل انهارت امبراطوريات بسبب أنانية أثريائها ومترفيها.
ويجب على الحكومة من جهتها وفي أقرب الآجال أن تعمل على تهدئة الأنفس. فالوضع قابل للانفجار على شاكلة 2011 بل وبشكل أخطر من وضع سنة 2011. وقد آن الأوان لاستخدام العلم الصحيح في الممارسة السياسيّة. فلا بد من حصر مقدار الثّروة الطبيعية التونسية حصرا دقيقا حتى لا تكثر الشائعات وتقلّ البلابل ويضعف الإحساس بالظلم اعتقادا وإن على سبيل الخطإ بضيمٍ في تقسيمها. ومن المستحسن بسبب أزمة الثقة بين شعبنا وحكومته أن تستجلب لهذا الغرض خبرات أجنبية حتى تغلّق الأبواب أمام كل محاولات التشكيك. ولقد آن الأوان لإعادة هيكلة معهد الإحصاء القومي بل إعادة بنائه بالكامل لترقيم الموجود وترقيم المطلوب ورسم السياسات على أساس ذلك الترقيم. هكذا تدار الأمور في الدول القويّة والذكيّة. وليتذكّر الجميع أنّ إقليمنا مضطرب أيما اضطراب وأن أعداء ديمقراطيتنا كثيرون وهم بها متربصون وعليها مستكلبون يودون لو توأد في مهدها لما يمثله نموذجها من خطر على كياناتهم الزائفة وغير الشرعية تاريخيًا. ولا يفوتنّكم يا أهل تونس جميعا خطر الإرهاب المتأسلم الرابض على الحدود الجنوبية والغربيّة يتحين فرصة ليعاود الدخول من جديد إلى الديار التي هزمته في الماضي القريب. فلا شيء أعزّ على قلبه مما يجري في تطاوين حاليّا. ففي مثل هذه الاضطرابات مع ما يصحبها من كراهية بين الناس وأجهزة الأمن بأنواعها قوتُه وقوّتُه عمليًّا وإيديولوجيًّا. ولكم في التاريخ عبر يا أولى الألباب. أفأنتم منتهون؟
ورغم أنني لست ماركسي التوجه ولا يساري الهوى لكن دارس السياسة الذي يسكنني مضطر إلى الاعتراف بأن طرق الماديّة التاريخيّة في فهم الظواهر السياسيّة وتحليلها قادر على أن يساعدنا على فهم حالة الإنسداد السياسيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة التي
تكاد تعصف بأمن بلادنا وبوحدة ترابها حاليا. فبؤرة الأزمة وقلب حالة الإنسداد التي تهزّ بلادنا اليوم تقع في المسافة الموجودة بين خط السلطة وخط الثّروة الذين يحكمانها هذا قول يؤكد ان الماركسة منهج علمي لا مناص منه لتحليل الواقع و تفسيره اما الانتماء لليسار فشرف من شرف و نبل الفكرة و القدرة على تغيير الواقع و في تونس وحدهم اليساريو ن رغم تشرذمهم و تشتتهم و ضعفهم خاصة التنظيمي الا انهم وقفوا حجرة عثرة امام مشاريع غربان الظلام من الرجعيين و سعي ماكينة التجمع بالتحالف مع اخوان تونس الى عودة الاستبداد