أنهى المكتب التنفيذي لصندوق النقد الدولي يوم الإثنين 12 جوان الجاري استعراض المراجعة الأولى لمسار تنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلي الاقتصادي وفق شروط ما يُعرف بقرض “تسهيل الصندوق الممدّد” البالغ قيمته 2.8 مليار دولار والذّي وقّعته تونس في 15 أفريل 2016، مرفقا بسلسلة من التعهّدات و”الإصلاحات” الاقتصاديّة المفروضة من الصندوق. البيان الصادر في نفس اليوم عن الهيئة النقدية الدوليّة تضمّن المصادقة على صرف القسط الثاني من القرض البالغ قيمته 314 مليون دولار أمريكي والذّي تمّ تجميد صرفه منذ ديسمبر 2016 بسبب ما اعتبره صندوق النقد حينها تراخيا حكوميّا في الاستجابة لشروط اتفاق القرض المذكور.

الإفراج عن القسط المتعسّر

أعلن المكتب التنفيذي لصندوق النقد الدولي في بلاغه الصادر يوم أمس الإثنين 12 جوان 2017 أنّه وافق بعد إنهائه استعراض البرنامج الاقتصادي التّونسي على الإفراج عن القسط الثاني من قرض “تسهيل الصندوق الممدّد” بقيمة 314.4 مليون دولار، ليبلغ مجموع الأقساط الّتي تمّ صرفها إلى ما يقارب 628.8 مليون دولار من إجمالي قيمة القرض البالغة 2.8 مليار دولار.

وتمثّل الجلسة الأخيرة للمكتب التنفيذّي لصندوق النقد الدولي استكمالا لعمل البعثة التي وصلت تونس في السابع من أفريل الفارط والتّي كانت مهمّتها إجراء المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الهيكلي وفق شروط قرض “تسهيل الصندوق الممدد”. وقد انتهت الزيارة المذكورة إلى فرض مزيد من التشدّد على الفريق الحكومي بالدعوة إلى ”اتخاذ إجراءات قوية وعاجلة” والمضيّ قدما في برنامج “إصلاح” الوظيفة العمومية والتخفيض في كتلة الأجور، التقليص من الدعم الموجه إلى المحروقات، إصلاح أنظمة الضمان الاجتماعي و”زيادة مرونة سعر الصرف” أو بمعنى آخر تخفيض سعر صرف الدينار التونسي.

البيان الأخير للمكتب التنفيذيّ لصندوق النقد الدولي، لم يشذّ عن سابقه رغم المصادقة على صرف القسط الثاني من القرض المجمّد منذ شهر ديسمبر 2016، حيث تضمّن إشارات واضحة لامتعاض الهيئة النقدية الدوليّة من تباطؤ الحكومة في تنفيذ تعهّداتها وتوصيات البعثة السابقة، إضافة إلى فشلها في تحقيق نسب النموّ المبرمجة. ليعيد التأكيد على النقاط المذكورة سابقا في خطوة عكست تململ صندوق النقد الدولي من “التراخي الحكومي” في الاستجابة لشروط اتفاق القرض.

برنامج الإصلاح الهيكلي: بين ضغط صندوق النقد وتعقيدات المشهد الداخلي

تأخّر صرف القسط الثاني من قرض صندوق النقد الدولي، لأكثر من ستّة أشهر بعد أن كان مبرمجا في شهر ديسمبر 2016، مثّل ورقة ضغط استغلّتها الهيئة النقدية الدوليّة لإجبار الحكومة التونسيّة على تسريع نسق تنفيذ برنامج الإصلاح الهيكليّ الذّي يلاقي رفضا من قبل عدد من مكوّنات المجتمع المدني والاتحاد العام التونسي للشغل. ورغم استجابة الحكومة التونسيّة لإملاءات الصندوق وتسريع تنفيذ حزمة الشروط المرفقة بالقرض المذكور على غرار تسريع المصادقة على مشاريع القوانين الخاصّة بالقطاع المالي والبنكي ومجلّة الاستثمار وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاصّ وتخفيض الدعم عن المحروقات في ميزانيتي 2016 و2017، إضافة إلى المصادقة على القانون عدد 2015/64 المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي الذّي كان خطوة تمهيديّة في مسار تعويم الدينار التونسي، وأخيرا شنّ حملة الإيقافات الأخيرة تحت مظلّة مكافحة التهريب.

إلاّ أنّ صندوق النقد الدوليّ ما يزال يضغط لتنفيذ برنامجه لإصلاح الوظيفة العموميّة الذّي فشلت الحكومة في تمريره جزء منه في ميزانية 2017 بإعلان نيتها تجميد صرف الزيادات المتفّق عليها في أجور موظّفي القطاع العام بعد تلويح الاتحاد العام التونسي للشغل بتنفيذ إضراب عام في 08 ديسمبر 2016 ردّا على هذا الإجراء. محاولات لم تتوقّف رغم تصاعد المواجهة بين منظّمة الشغيلة من جهة والحكومة وصندوق النقد من جهة أخرى لتتواتر بيانات الهيئة الماليّة الدوليّة مقترنة بلعب ورقة تجميد صرف أقساط القروض وتكثيف بعثات “التفقّد والمراجعة”.

بين إصرار صندوق النقد الدولي على التنفيذ الحرفي لحزمة الشروط الخاصّة بقرض “الصندوق الممدّد” وتمسّك الاتحاد العام التونسي للشغل بعدم المسّ من قطاع الوظيفة العموميّة، تجد حكومة الشاهد نفسها في موقف صعب مع تزايد حالة الاحتقان الاجتماعي وفشل الحكومة في الخروج من الأزمة الاقتصاديّة التي تزداد حدّة مع الارتهان أكثر فأكثر لقروض هيئات النقد الدوليّة التي تمّ توظيفها لتسكين الأزمات الاجتماعيّة.