أعلن وزير الشؤون المحليّة رياض المؤخّر أمس الثلاثاء 13 جوان 2017 عن إطلاق جهاز الشرطة البيئية خلال مؤتمر صحفي بقصر المؤتمرات بالعاصمة بحضور رئيس الحكومة يوسف الشاهد وكلّ من وزيرة السياحة سلمى اللومي ووزيرة الشباب والرياضة مجدولين الشارني ووزير النقل أنيس غديرة. هذا الجهاز الجديد الذي تمّ تأجيل إطلاقه أكثر من مرّة في جانفي 2017 ثمّ في مارس وماي، سيبدأ بشهر “عمليات بيضاء” تشمل حملات توعية وتحسيس في مجال حفظ الصحّة والنظافة العامّة قبل الشروع في رفع المخالفات الترتيبية بداية من 15 جويلية القادم. ويتمثّل دور الجهاز الجديد حسب تصريحات وزير البيئة والشؤون المحلّية في ردع كلّ مخالفي تراتيب الصحّة والنظافة العامّة، والتوعية والتحسيس بالآليات اللازمة للحدّ من ظاهرة التلوّث وانتشار الفضلات في مختلف البلديات.

برنامج تجريبي بـ74 بلدية فقط

يأتي إطلاق هذا الجهاز ضمن تفعيل القانون عدد 30 لسنة 2016 المُنقّح للقانون عدد 59 لسنة 2006 والمُتعلّق بمخالفة تراتيب حفظ الصحة والنظافة العامّة بالمناطق الراجعة للجماعات المحلية. ويقسّم القانون جرائم مخالفة تراتيب حفظ الصحّة والنظافة العامّة إلى مخالفات وجنح ليفصّلها فيما بعد. كما يخوّل لرئيس الجماعة المحلية المعنية أن يسلّط خطية إدارية من 300 دينار إلى 1000 دينار في صورة مخالفة التراتيب الخصوصية وذلك بقرار من البلدية. ويذكر الفصل 3 جديد من القانون الأعوان المُوكل إليهم معاينة المخالفات والجنح وقد تمّ إلحاق صنف رابع ويخصّ الأعوان الراجعين بالنظر للوزارة المكلّفة بالبيئة والمؤسسات الخاضعة لإشرافها مع الإبقاء على أعوان الشرطة البلدية.

تقع معاينة المخالفات والجنح لتراتيب حفظ الصحة والنظافة العامة من قبل:

1) مأموري الضابطة العدلية المشار إليهم بالعددين 3 و4 من الفصل 10 من مجلة الإجراءات الجزائية.

2) أعوان الشرطة والحرس البلديين من الصنفين “أ” و”ب”.

3) أعوان الجماعات المحلية المحلفين والمؤهلين للغرض.

4) الأعوان المحلفين والمؤهلين للغرض الراجعين بالنظر للوزارة المكلفة بالبيئة والمؤسسات الخاضعة لإشرافها. الفصل 3 (جديد) من القانون عدد 30 لسنة 2016 المُتعلّق بمخالفة تراتيب حفظ الصحة والنظافة العامّة

ينطلق جهاز الشرطة البيئية تدريجيا وفق إستراتيجية عمل أعلن عنها وزير الشؤون المحليّة والبيئة في 34 بلدية بتونس الكبرى و20 بلدية في مراكز الولايات ثمّ 20 بلدية أخرى ذات الكثافة السكانية والصبغة السياحية قبل أن يتمّ تعميمها على كامل البلديات. وبالتالي ستتمتّع 74 بلدية فقط مبدئيا من إجمالي 350 بلدية بخدمات هذا الجهاز.فضلا عن أولوية مراكز الولايات والبلديات ذات الصبغة السياحية ضمن هذا المشروع، يبقى هذا الأخير قيد التجربة إلى حين ثبوت فعاليته قصد تعميمه في كافّة البلديات. ورغم التفاؤل الذي أبداه الوزير حول تحقيق الشرطة البيئية للأهداف المرجوّة فإنّ المرحلة الحالية التي تمرّ بها البلديات تتّسم بالضبابية في ظلّ تعويض النيابات الخصوصية التي لا يترأّسها معتمد كما ينصّ عليه الفصل 175 مكرّر من القانون الانتخابي. وإلى حين تنصيب المجالس البلدية المنتخبة والمصادقة على مجلّة الجماعات المحليّة التي تنظّم صلاحيات البلديات، تنطلق الشرطة البيئية في نفس الظروف التي عرفتها الشرطة البلدية بعد الثورة من حيث الصعوبات التي واجهتها في تفعيل التراتيب القانونية.

تداخل صلاحيات الشرطة البيئيّة مع نظيرتها البلدية

هذا ويثير المشروع منذ انطلاقه جملة من التساؤلات سواء فيما يتعلّق بتداخل صلاحيات الشرطة البيئيّة مع نظيرتها البلدية أو في علاقة بالتسمية والتي أثارت تحفّظات في صفوف نقابات وحدات التدخّل والأمن الوطني. حيث نشرت نقابة موظّفي الإدارة العامّة لوحدات التدخّل والنقابة القطاعية لموظّفي الشرطة البلدية أمس 13 جوان 2017 بيانا اعتبرت فيه “ما جاء في برنامج تركيز الشرطة البيئية تداخلا للأدوار وازدواجية وعدم مراعاة لمصالح المواطن ولمصداقية الإدارة وهيبتها” مطالبة وزارة الداخلية “بتقديم توضيح بخصوص العلاقة بين الشرطة البلدية والهيكل الجديد على مستوى المشمولات وطرق التدخّل، وكذلك النظر في تسمية “شرطة” على هيكل رقابي بيئي باعتبار الانتداب والتكوين والرسكلة والمهام المناطة بعهدتهم”. غير أنّ وزير الشؤون المحليّة أعلن عند تقديم الشرطة البيئية أنّ شعارها وهو “توعية حماية واستدامة” مشيرا إلى أهمية الجانب الردعي المقصود من تسمية “شرطة” للوقوف في وجه ظاهرة التلوّث وانتشار الفضلات.

المانحون الدوليون على الخطّ

ولا يبدو جهاز الشرطة البيئية جديدا على المستوى الوطني في امتداد لدور الشرطة البلدية التي تحظى بنفس المهام كما لا تعتبر التجربة التونسيّة فريدة على المستوى الإقليمي والدولي. إذ تمّ إطلاق الشرطة البيئية في المغرب في 23 فيفري 2017 لتعمل على تنفيذ الحملات التحسيسيّة والتفقّد ورفع المخالفات وتسليط خطايا ماديّة تتراوح بين 100 ومليوني درهم مغربي، وفق مرسوم مُؤرخ في 19 ماي 2015. وليس غريبا على المتابع لبرامج المنظّمات الحكومية الدولية الربط بين إطلاق جهاز الشرطة البيئية والبرامج التي يموّلها المانحون الدوليون وعلى رأسهم البنك الدولي لاسيما في مجالي الحوكمة المحليّة والبيئة واللذان حظيا بمبالغ هامّة ضمن حزمة قروض البنك الدولي. وقد رُصدت لجهاز الشرطة البيئية موارد مادية ولوجيستية هامّة قدّرت بـ 8،3 مليون دينار لتأمين30 ألف حاوية جديدة في البلديات، وتكوين 300 عون وتأهيلهم واقتناء أزياء و105 سيّارة خاصّة مهيأة بخدمات تحديد المواقع إضافة إلى إنجاز تطبيق هواتف جوّالة خاصّ بخدمات التبليغ عن المخالفات أُدرجت ضمن ميزانية الشؤون المحليّة.

رغم الجدل المرافقلإطلاق جهاز الشرطة البيئية وارتفاع تكاليف هذا المشروع إلاّ أنّها لاقت –حتى قبل شروعها في رفع المخالفات وتنفيذ مهامها- استحسانا وقبولا من المواطنين الذّين ضاقوا ذرعابظاهرة التلوّث وانتشار الفضلات في الفضاء العامّ.