نظّمت دائرة المحاسبات يوم الخميس 29 جوان2017 ندوة صحفية تمّ من خلالها تقديم تقريرها السنوي الثلاثين حول المهمّة الرقابيّة الميدانيّة خلال الفترة الممتدة بين جانفي 2011 وفيفري 2016، والتّي شملت بالأساس أعمال لجنتي المصادرة والتصرّف وشركة الكرامة القابضة. التقرير المنشور على الموقع الرسمي لدائرة المحاسبات، سجّل ملاحظات الفريق الرقابيّ حول عدد من الإخلالات والإشكاليات المتعلّقة بإصدار قرارات المصادرة وتنفيذها وحفظ الممتلكات المصادرة واستغلالها إضافة إلى عمليات التفويت فيها.

لجان وطنيّة عمومية متّهمة بالتهاون والتقصير

شملت المهمّة الرقابيّة لدائرة المحاسبات بخصوص الأموال والممتلكات المصادرة ثلاثة أطراف رئيسيّة أوّلهم لجنة المصادرة المنبثقة عن المرسوم عدد 13 لسنة 2011 مؤرخ في 14 مارس 2011 والمعنيّة بمصادرة جميع الأموال المنقولة والعقارية والحقوق المكتسبة بعد 7 نوفمبر 1987 الراجعة لرئيس الجمهورية الأسبق زين العابدين بن علي وزوجته والعائلة الحاكمة وكلّ من قد يثبت حصولهم على أموال منقولة أو عقارية أو حقوق جراء علاقتهم بهم. الطرف الثاني كان اللّجنة الوطنيّة للتصرّف في الممتلكات والأموال المعنيّة بالمصادرة المُحدثة بمقتضى المرسوم عدد 68 لسنة 2011 مؤرخ في 14 جويلية 2011 والتي يشمل اختصاصها التصرف في الأموال والممتلكات العقارية والمنقولة المعنية بالمصادرة، التي تخص عائلة الطرابلسي وبن علي وأقاربهم وكل من انتفع بأموال وممتلكات عقارية بشكل غير قانوني قبل الثورة التونسية في 2011.

أمّا الطرف الأخير المعني بالمهمّة الرقابيّة لدائرة المحاسبات فهو شركة الكرامة القابضة التي تمّ اعتماد اسمها الحالي بدلPrincesse Holding. وقد تمّت مصادرة هذه الشركة التي يبلغ رأس مالها 10 مليون دينار والتّي تمتلك مساهمات في 58 شركة، بنسبة 99.99% لفائدة الدّولة التونسيّة. ليتمّ تغيير تسميتها إلى “الكرامة القابضة” بعد موافقة اللّجنة الوطنيّة للتصرّف في الأموال والممتلكات المعنيّة بالمصادرة أو الاسترجاع لفائدة الدولة في 29 جوان 2012.

الثلاثيّ المذكور، كان محور جلّ الملاحظات الواردة في تقرير دائرة المحاسبات حول مسار عمليات المصادرة والتصرّف والتفويت، والتي انعكست سلبا على الهدف المبدئيّ من اعتماد هذه الآلية لاسترداد الأموال المنهوبة ومحاربة الفساد، لتتحوّل هذه الأملاك والأموال والعقارات إلى مصدر آخر من مصادر إهدار المال العموميّ.

إشكالات في جميع المراحل وخسائر بملايين الدنانير

تمّ إعتماد المصادرة عقب 14 جانفي 2011، كآلية لاسترجاع الأموال المكتسبة بصفة غير شرعية من قبل الرئيس الأسبق زين العابدين بن عليّ وعائلته والحاشية المحيطة به. الهدف الرئيسيّ من هذه الخطوة كان تحقيق العدالة ومجابهة الفساد والحفاظ على تلك الأموال والممتلكات والمنقولات قصد التصرّف فيها عبر إعادة الهيكلة أو التفويت. التقرير الثلاثون لدائرة المحاسبات كشف كمّ الاخلالات التي شابت مسار هذه العمليّة بدأ بإصدار قرارات المصادرة وتنفيذها، مرورا بالمحافظة على العقارات والمنقولات المصادرة وتسيير الشركات المعنية بهذا القرار، انتهاءً باستخلاص مستحقات الدولة بعنوان أرباح الشركات وإعداد وإنجاز عمليات التفويت.

  • على مستوى عمليّات المصادرة

يشير التقرير المذكور إلى فشل اللجنة المعنيّة في مصادرة جميع الأموال والأملاك المشمولة بالقرار. حيث لم يتمّ مصادرة 27 عقّارا و4 سيّارات، إضافة إلى مساهمات في رأس مال 11 شركة وأرصدة بنكية بقيمة جمليّة تناهز 2.655 مليون دينار. كما أنّ تأخّر إصدار أو تنفيذ قرارات المصادرة تسبّب في التفويت دون وجه حقّ في عدد من الممتلكات على غرار العقّارات والسيّارات وحصص في الشركات إضافة إلى سحب 239 ألف دينار تقريبا من الأرصدة البنكيّة وعدم تحويل أرصدة بقيمة 10.470 مليون دينار لفائدة حساب المصادرة. وقد تأخّرت عمليات نقل الملكيّة والتسجيل لم يتجاوز عدد العقارات المرسّمة، 235 عقّارا من إجمالي 541 إلى حدود شهر فيفري 2016.

هذا وأشار تقرير دائرة المحاسبات إلى ضرورة تفعيل الفرع الثاني من قائمة المشمولين بقرارات المصادرة ممن لم ترد أسماؤهم في القائمة الواردة بالمرسوم عدد 13 لسنة 2011 مؤرخ في 14 مارس 2011 وممن ثبت حصولهم على أموال منقولة أو عقارية أو حقوق جراء علاقتهم بالقائمة الأولى. حيث لم يتجاوز عدد قرارات المصادرة التي تمّ اتخاذها بهذا العنوان 181 قرار إلى حدود موفى سنة 2015، وهو ما يمثل حوالي 10% من إجمالي قرارات المصادرة.

  • على مستوى التصرّف في الأملاك المصادرة

يشير تقرير دائرة المحاسبات بداية إلى غياب معطيات محيّنة عن 541 عقارا و142 سيارة و18 يخت ومجموعة من المنقولات، حيث لم تتجاوز حصة العقارات التي تتوفر لدى لجنة التصرف معطيات حول إستغلالها نسبة 3% من عيّنة شملت 70 عقارا. كما تمّ تسجيل تخريب ونهب 17 عقّارا نتيجة غياب الحراسة والصيانة.

هذا وخسرت الدولة ما يناهز 1.4 مليون دينار نتيجة عجز لجنة التصرّف في الأملاك المصادرة عن تحوّز عدد من الأملاك والعقارات وتواصل إشغالها من طرف أصحابها وغياب أيّ إثباتات عن عمليات تحويل مداخيل عشرين ضيعة فلاحيّة. من جهة أخرى، يشير التقرير المذكور إلى أنّ لجنة التصرّف في الأملاك المصادرة لم تتلّق سوى 1.5% من تقارير التصرّف القضائي في الشركات المصادرة إلى موفّى جوان 2015.

على مستوى التسيير، وبالرغم من التنصيص صراحة ضمن الأحكام المتعلقة بتعيين المتصرفين القضائيين على أنّ هذا التعيين يتمّ بصفة وقتية إلى غاية انتهاء الموجب، فإن 171 شركة مصادرة بقيت تحت طائلة المنظومة القضائية طيلة الخمس سنوات منذ تاريخ مصادرتها، وهو ما انجرّ عنه تراجع مرابيح 24 شركة بين سنوات 2011 و2015، من أرباح 5 ملايين دينار إلى خسائر بقيمة 6 ملايين دينار.

سوء التسيير في ظلّ التصرّف القضائي أدّى في نهاية المطاف إلى تفاقم ديون الشركات المصادرة لتبلغ في بعض الحالات 200% من رأس مالها. وقد أفاد تقرير دائرة المحاسبات أنّ عيّنة من 63 شركة مشمولة بقرار المصادرة راكمت ديونا بقيمة 200 مليون دينار خلال السنوات الخمس المنقضية ممّا أدّى إلى تحميل الدولة أعباء إضافية وإحالة عدد منها على التسوية القضائية.

الكرامة القابضة: إخلالات بالجملة

الإشكاليات لم تتوّقف عند عمليات المصادرة أو التصرّف والتسيير، بل شملت بحسب التقرير، عمليات استخلاص مستحقّات الدولة بعنوان أرباح الشركات، حيث لم تتحصّل الدولة إلاّ على 279 مليون دينار من مرابيح الشركات المصادرة بين سنوات 2011 و2014 والتي ناهزت قيمتها 620 مليون دينار من قبل شركة الكرامة القابضة. كما تشير دائرة المحاسبات إلى عجز الكرامة القابضة عن تأهيل عدد من الشركات رغم إصدار لجنة التصرف قرارات تفويت في شأنها وهو ما أدّى إلى تعطل عمليات التفويت. كما لم تتوصل هذه المؤسسّة المعنية بإدارة جزء من الشركات المصدارة إلى حلّ الإشكاليات العقارية وإلى رفع العوائق القانونية المتأتية من اتفاقيات المساهمين وهو ما نتج عنه تعطيل التفويت في 5 شركات. هذه الوضعيّة أدّت إلى محدودية نسبة التفويت في العقارات التي لم تتجاوز 3% من جملة العقارات المصادرة. كما لم تغطّي مداخيل معرض الممتلكات سوى 40% من المصاريف، إضافة إلى تحميل الدولة 1.8 مليون دينار تحت عنوان” متخلدات” المعرض.

هذا ولاحظ تقرير دائرة المحاسبات وجود شركات مصادرة يتصرف فيها مالكوها الأصليون بالرغم من تعيين هياكل تسيير من قبل شركة الكرامة القابضة وذلك على غرار شركتي “إنفستاك” و”م.ب.ه” والتي تبلغ القيمة الاسمية لمساهمة الدولة في رأس مالها قرابة 41 مليون دينار. وقد بلغت مداخيل التفويت في المساهمات الراجعة للدولة في رأس مال 7 شركات مصادرة مليار و400 مليون دينار تمّ تخصيص59% منها لخلاص قروض لفائدة البنوك “بغاية رفع اليد على الرهون الموظفة على الأسهم التي تمّ التفويت فيها”. ليسجّل التقرير مخالفة الكرامة القابضة للفصل الخامس للاتفاق المبرم بين هذه الشركة والدولة التونسيّة في 13 ديسمبر 2012 والذي ينصّ على أنه “يتمّ دفع الثمن المتفّق عليه بعقد البيع خلال فترة لا تتجاوز 3 أشهر”، في حين تمّ تحويل مستحقات الدولة على أقساط وبتأخير تراوح بين 15 و22 شهرا.

ردود باهتة أو متأخّرة

ردود لجنة المصادرة والكرامة القابضة كانت مقتضبة ولا تتوافق وحجم الملاحظات التي اشتملها الفصل الخاصّ بآلية المصادرة في تقرير المحاسبات والذي تجاوز الثلاثين صفحة. فبين إلقاء اللوم على وزارة أملاك الدولة أو ديوان قيس الأراضي والهروب نحو تبرير أخطاء فرديّة في التسجيل، أو التعامل مع حالات خاصّة وتجديد الوعود بالتسريع أو إعادة النظر، لم تقدّم الردود المرفقة بالتقرير المذكور أجوبة شافية حول الملاحظات التي استخلصتها المهمّة الرقابيّة لدائرة المحاسبات والتي أثبتت وجود خلل حقيقي ومزمن في عمل اللجان الوطنيّة المعنية بالمصادرة والتصرّف في الأملاك المسترجعة.

خلل يتجاوز الخطأ الفردي أو المصاعب اللوجيستية والبشرية ليعكس تهاونا وارتجالية في التعاطي مع هذا الملّف الذّي يزداد تعقيدا أكثر فأكثر مع استئناف عمليات المصادرة خلال حملة الإيقافات الأخيرة التي طالت عددا من رجال الأعمال وموظّفي الدولة والمهرّبين.