اختتم مجلس نوّاب الشعب أعماله خلال الدورة البرلمانية الثالثة بجلسة عامّة يوم السبت 29 جويلية 2017 خُصّصت للتصويت لسدّ الشغور صلب الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات. وبحضور 138 نائبا فقط، عجز المجلس عن تحقيق النصاب واستكمال عملية التصويت لسدّ مقعدين ضمن مجلس الهيئة العليا للانتخابات ورُفعت الجلسة الأخيرة مع تأجيل عمليّة سدّ الشغور إلى دورة استثنائية للمجلس لم يتمّ الإعلان عن موعد محدّد لها بعد.

هذا ومثّل القانون الانتخابي ومشروع مجلّة الجماعات المحلية وهيئة الانتخابات محاور أساسية صلب أولويات مجلس نوّاب الشعب منذ انطلاق هذه السنة البرلمانية. إلاّ أنّ المجلس أعلن انتهاء دورته العادية الثالثة دون الالتزام بدوره التشريعي والرقابي والتمثيلي رغم اقتراب الاستحقاق الانتخابي الذي تمّ تحديده في ديسمبر القادم. في هذا السياق، عبّر عدد من منظّمات المجتمع المدني الناشطة في مجال الحوكمة المحليّة في بيان مشترك لها يوم الاثنين 7 أوت 2017 عن قلقها إزاء هذا التأخير في استكمال المحددات القانونية والهيكلية لإجراء الانتخابات في موعدها مُحمّلة المجلس مسؤولية تعطيل مسار اللامركزية، كما طالبت في نفس البيان بتنظيم دورة برلمانية استثنائية “يكون من ضمن أولوياتها سد الشغور الحاصل بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات ومناقشة مشروع مجلّة الجماعات المحلية”.

الدور التشريعي في 3 محطّات كبرى

 

31 جانفي2017 : المصادقة على مشروع القانون الأساسي عدد 2016/01 المتعلق بتنقیح وإتمام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء

تمّ استئناف العمل على القانون عدد 2016/01 المتعلّق بتنقيح وإتمام قانون الانتخابات مع انطلاق الدورة البرلمانية الثالثة. مشروع القانون قدّمته وزارة الداخلية وتمّ إيداعه لدى مجلس نوّاب الشعب منذ 11 جانفي 2016، وتمّ عرضه على 6 جلسات عامّة بين 1 جوان 2016 و31 جانفي 2017 تاريخ المصادقة عليه. وقد ألحقت جملة من التنقيحات على فصوله من بينها الفصل 103 مكرّر المتعلّق بتصويت الأمنيين ومشاركتهم في الحملات الانتخابية (الفصل 52 مكرّر) بالإضافة إلى الفصول المتعلّقة بنظام الاقتراع وشروط الترشّح والتمويل بالنسبة للانتخابات البلدية والجهوية.

أثار التصويت على تنقيح القانون الانتخابي جدلا واسعا داخل المجلس وخارجه، وضغطا من قبل مكوّنات المجتمع المدني والهيئة العليا المستقلّة للانتخابات للمصادقة عليه باعتبار أهميّته في تحديد موعد الانتخابات البلدية وضبط رزنامتها. وقد برزت أهميّة السياسة التوافقية لأحزاب الأغلبيّة البرلمانيّة خلال نقاش هذا القانون، حيث لم تتمّ المصادقة عليه إلاّ بعد مروره عبر لجنة التوافقات التي استطاعت تجاوز العديد من النقاط الخلافيّة، أهمّها الفصل المتعلّق بتصويت الأمنيّين.

11 ماي2017: إحالة مشروع قانون أساسي عدد 2017/48 المتعلّق بإصدار مجلة الجماعات المحلّية على أنظار لجنة تنظيم الإدارة والقوّات الحاملة للسلاح

أحال مكتب مجلس نوّاب الشعب خلال اجتماعه يوم الخميس 11 ماي 2017، مشروع قانون أساسي عدد 2017/48 المتعلّق بإصدار مجلّة الجماعات المحلية إلى لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوّات الحاملة للسلاح مع طلب استعجال نظر مُقدّم من طرف الحكومة. وقد انطلقت أعمال اللجنة المختصّة يوم 8 جوان 2017 بالنظر في روزنامة مناقشة مشروع القانون. تبعتها جلستي استماع لجهة المبادرة يومي 13 و14 جوان 2017 وثلاث جلسات استماع أخرى في 15 و20 و21 جوان، خُصّصت لمنظّمات المجتمع المدني بمشاركة 13 منظّمة وجمعية، تلتهم جلستي عمل أخيرة يومي 13 و14 جويلية.

ومثّل مشروع مجلّة الجماعات المحليّة محطّة تشريعية كبرى ورهانا داخل البرلمان وخارجه، إذ شهد تعطيلا على مستوى المجلس الوزاري بعد أن كان من المنتظر إيداعه في مارس 2017 نظرا لنقاط خلافية طرحتها بعض الجهات الحكومية استلزمت تعديلات أخيرة على نصّ مشروع القانون ولم يتمّ إيداعه إلاّ في نسخة جديدة في ماي 2017. وتجدر الإشارة إلى  أنّ المجلس لم يلعب دورا في الضغط على الحكومة للتعجيل بالمبادرة التشريعية رغم انطلاق الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات في الإعداد للانتخابات البلدية وضبط رزنامتها منذ شهر مارس الفارط.

إضافة إلى البيان الأخير الذي نشرته منظّمات المجتمع المدني يوم الاثنين 7 أوت الجاري الذّي طالبت فيه بدورة استثنائية وإدراج مجلّة الجماعات المحليّة صلب جدول أعمالها وتعجيل النظر فيها قبل موعد الانتخابات، سبق وأن شدّدت كلّ من منظّمة البوصلة وعتيد وكلّنا تونس والجمعية التونسية للحوكمة المحليّة في بلاغ جماعي سابق نشر يوم 10 أفريل على حتمية المصادقة على المجلّة قبل إجراء الانتخابات وعدم الاقتصار على القانون الانتخابي معتبرين أنّها “القانون الوحيد المحدّد لماهية الجماعات المحلية واختصاصاتها وصلاحيتها وتكوين مجالسها وتحديد مواردها وكيفية مراقبتها وآليات مراقبتها وفض نزاعاتها”. كما قدّمت هذه المنظّمات في ندوة صحفية يوم 13 أفريل 2017  خطّة لمناقشة مشروع المجلّة صلب مجلس نوّاب الشعب، مُقترحة تقسيم العمل على أكثر من لجنة قصد الانتهاء من مناقشة جميع فصولها في أقلّ حيّز زمني ممكن.

التأخير في النظر في مشروع مجلّة الجماعات المحليّة ساهم في تغذية الشكوك حول الالتزام بالموعد الانتخابي في 17 ديسمبر القادم. وقد اعتبر أغلب المشكّكين أنّ المجلس عاجز عن الانتهاء من مناقشة مشروع المجلّة التي تتضمّن 363 فصلا خصوصا الجانب المالي منها قبل موعد الانتخابات.

28 و29 جويلية 2017: جلسة عامّة للتصويت على المرشّحين لسدّ الشغور صلب الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات

اختتم مجلس نوّاب الشعب أعماله خلال الدورة البرلمانية الثالثة بجلسة عامّة يوم السبت 29 جويلية 2017 خُصّصت للتصويت لسدّ الشغور صلب الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات. وبحضور 138 نائبا فقط، عجز المجلس عن تحقيق النصاب خلال الدورة الثالثة من التصويت على الصنف الثاني من المرشّحين واستكمال عملية التصويت لسدّ مقعدين ضمن مجلس الهيئة العليا للانتخابات ورُفعت الجلسة الأخيرة مع تأجيل عمليّة سدّ الشغور إلى دورة استثنائية للمجلس لم يتمّ الإعلان عن موعد محدّد لها بعد. هذا وسبق للمجلس النظر في تركيبة الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات وتعويض ثلث أعضائها وفق ما يقتضيه القانون عدد 23 لسنة 2012 إذ تمّ التصويت على كلّ من محمد التليلي المنصري وعادل بن محمد البرينصي ونبيل بن الطاهر العزيزي خلال جلسة 18 جانفي 2017.

واثر إعلان رئيس الهيئة شفيق صرصار ونائبه مراد بن مولى والقاضية العدلية لمياء الزرقوني استقالتهم يوم 9 ماي 2017 حمّل رئيس الهيئة المستقيل خلال جلسة استماع المسؤولية لمجلس نوّاب الشعب باعتباره مسؤولا بشكل مباشر عن اختيار أعضاء الهيئة وبالتالي عن استقلاليتها وحيادها. رغم فشل النوّاب في ثني رئيس الهيئة ونائبه وزميلته عن قرارهم فقد توجّهت الهيئة بمعاينة سدّ الشعور بتاريخ 18 ماي 2017 لتنتهي بالتصويت على 3 أصناف من المرشّحين لم تكلّل بالنجاح قبل إعلان انتهاء الدورة البرلمانية الثالثة.

الدور الرقابي والدور التمثيلي: الحصيلة السلبية

يضطلع مجلس نوّاب الشعب إلى جانب سلطته التشريعية بدور رقابي على أداء السلطة التنفيذية رئاسة وحكومة. وقد كرّس الدستور في الباب الرابع المتعلّق بالسلطة التنفيذية هذا الدور، كما وردت آليات الرقابة في  الباب التاسع من النظام الداخلي للمجلس. وشملت أعمال الرقابة خلال السنة المنقضية جلسة التصويت على أعضاء الحكومة المقترحين في إطار التحوير الوزاري في 16 مارس 2017 إضافة إلى الأسئلة الكتابية والشفاهية التّي وجّهها النوّاب إلى أعضاء الحكومة وفق ما ينصّ عليه الدستور في الفصل 69.

لكل عضو بمجلس نواب الشعب أن يتقدم إلى الحكومة بأسئلة كتابية أو شفاهية طبق ما يضبطه النظام الداخلي للمجلس.

وقد توجّه النوّاب خلال هذه الدورة البرلمانية بـ4 أسئلة كتابية موجّهة إلى وزير الشؤون المحلية والبيئة رياض المؤخّر ما بين شهري أفريل وماي تمّت الإجابة عنها. وتمحورت الأسئلة الكتابية حول: شبهات فساد في الوكالة الوطنية لحماية المحيط، وحول الدراسات والاستشارات المنجزة لفائدة وزارة الشؤون المحلية والبيئة ولفائدة المؤسسات والمنشآت تحت إشرافها تقدّم بها كلّ من النائب غازي الشوّاشي والنائبة سامية عبّو عن الكتلة الديمقراطية، وحول منتزه المروج والعقار الكائن بالعقبة من منطقة الحرايرية من النائبة ابتسام الجبايلي عن كتلة نداء تونس.

كما جوبه وزير الشؤون المحليّة والبيئة بـ17 سؤالا شفاهيا خلال أربع جلسات عامّة من الدورة البرلمانية الثالثة (6 منها من كتلة حركة النهضة و5 منها من الكتلة الديمقراطية و3 أسئلة وجّهها نوّاب الجبهة الشعبية وسؤالين من كتلة الاتحاد الوطني الحرّ وسؤال من النائب مصطفى بن أحمد عن الكتلة الوطنية). وقد تناولت الأسئلة مواضيع مختلفة منها التقسيم الترابي والتنظيم البلدي الأخير، والمشاكل البيئية في عدد من البلديات سواء المتعلّقة بالشريط الساحلي أو بالمستودعات أو المسالخ، كما تمّت مسائلته أكثر من مرّة حول الموارد البشرية في البلديات وتعويض النيابات الخصوصية.

رغم أنّ أسئلة النوّاب تمثّل انعكاسا لشواغل المواطنين في البلديات (الدور التمثيلي للنوّاب) فإنّ الأسئلة الشفاهية كآلية رقابية بعدية لم تكن ناجعة على مستوى الضغط على السياسات العامّة للوزارة المعنية سواء فيما يتعلّق بالمسائل البيئية أو بالشؤون المحليّة.

إلى جانب دورهم التشريعي والرقابي، يضطلع النوّاب بدور تمثيلي في علاقة مباشرة بالسلطة المحليّة عبر ما يعرف بأسبوع الجهات. حيث تُمكّن هذه الآلية النوّاب من الانتقال إلى المناطق التي تمّ انتخابهم فيها. وينصّ النظام الداخلي للمجلس على ضرورة تخصيص أسبوع من كلّ شهر للتواصل مع المواطنين في الجهات كما يخصّص مكتب المجلس الدعم المادي واللوجيستي للاضطلاع بهذا الدور. إلاّ أنّه إلى جانب عدم التزام النوّاب بهذا الدور وعدم انتظام تواجدهم خارج المجلس في الجهات وبالقرب من المواطنين، فإنّ تحرّكاتهم ارتبطت أساسا بدورهم السياسي لا بصفتهم كنوّاب مجلس الشعب، لتحيد هذه الآليّة عن هدفها الأساسي نحو السياقات الحزبية مثلما سنشهده قريبا في سياق الحملة الانتخابية.