المقالات المنشورة بهذا القسم تعبّر عن رأي كاتبها فقط و لا تعبّر بالضرورة عن رأي نواة
الصورة لصدري الخياري

عبارة الأخ هي مصطلح له تاريخية، وهو مصطلح متنقل ومتعدد المعاني حسب استعمالاته في سياقات تاريخية معينة وحسب تَموقع المجموعات التي تحمله من منظومة الحكم. وإن كانت الثورة الفرنسية كرّست في شعاراتها مصطلح ”فراترنتي“ (fraternité). تبيّن سريعا أن ما يُقصد به ليس الأخوية الإنسانية بل أخوية أولا بين الذكور البيض وفي مرحلة ثانية بين الذكور والإناث البيض على حساب ”شعوب الجنوب“ وأبنائهم المقيمين في الغرب، الذين ذاقوا الأمرين استعمارا وعبودية.

مفهوم الأخ والتحرر من الاستعمار

كان استعماله من طرف حركات المقاومة مختلفا عن استعماله من طرف الأنظمة الاستعمارية. وقد استُعمل كذلك في مرحلة ”التحرر الوطني” للتمايز مع المجموعات اليسارية، وعبارة ”الرفيق” المتداولة في الصفوف اليسارية باعتبارها دخيلة كالرأسمالية على واقع الشعوب المستعمرة، وكذلك لإبراز التفريق العنصري داخل النقابات بين العمال الأوروبيين والعمال التونسيين، إذ لم تتخلص هذه النقابات من بعدها الأورومركزي والعنصري من ذلك ما أوردته الباحثة هالة يوسفي في كتابها ”الإتحاد العام التونسي للشغل قصة شغف تونسية“ عن عدم قدرة النقابة الفرنسية على فهم لجوء العمال التونسيين إلى التمسك بالتآزر العائلي والجهوي والقبلي وتوصيفها ذلك بعدم قدرة التونسيين على عقلنه نضالاتهم وتجاوز بُناهم التقليدية، ضاربة عرض الحائط المسألة الاستعمارية. وكذلك على غرار الحزب الشيوعي الفرنسي في تونس الذى كان يعتبر أن بناء الاشتراكية في فرنسا يعد أولوية نضال التونسيين وأن مسألة التحرر الوطني مسألة ثانوية، من ذلك نجد مثلا الاتحاد العام التونسي للشغل يستعمل عبارة الأخ وهو ما ورثته المنظمة خلال نضالها ضد الاستعمار.

كما نجد هذا المصطلح مُتداولا لدى حركات المقاومة الإسلامية على غرار حركة حماس. وقد سافر هذا المصطلح إلى الغرب، خلال الفترة الاستعمارية ليعود أبناء المهاجرين القادمين من ”ما بعد المستعمرات“ إلى استعماله للتعبير على الانتماء إلى مجموعة مضطهدة وعن تواصل السياسات الاستعمارية تجاههم، وللتمايز مع اليسار الذي لا يعتبرهم سوى خزان وقود لنضالاته، ولرفض القمع الخصوصي الذي يعيشونه المتمثل بـ”الإسلاموفوبيا“ و”النڨروفوبيا“، وهو نفس استعماله لدى مجموعات السود في أمريكا على غرار ”البلاك بنتيرز“.

“الفرار” و “الفرارة”

عاد هذا المصطلح المهاجر إلى تونس في الفترة الأخيرة بصيغة جديدة ليصبح أداة للتخاطب بين شباب وشابات الأحياء الشعبية والأحواز الفقيرة للمدن الكبرى، وهو لا يدل على سمات معينة بقدر ما يدل على الشعور بالانتماء إلى مجموعة مضطهدة والإحساس بتآزر في ما بينها والتماهي مع ما يعيشه السود والعرب والمسلمون في الغرب من سياسات الحڨرة. لكن الخطاب العنصري حوّله إلى وصم وأعطاه مفهوما شموليا، وهذا أساسا من سمات العنصرية والهيمنة وهو خطاب رائج في صفوف حراس النمط والحداثة وأوليائهم على غرار تصنيف الباجي قايد سبسيي للجهات الداخلية باعتبإرها ”خناخش الإرهاب” أو وزير التربية السابق ناجي جلول، المحسوب على التيار اليساري، الذي فسر تكثف التصويت لحركة النهضة في جنوب البلاد بأنه انعكاس لحالة محافظة لم يخترقها المشروع التحديثي لدولة الاستقلال.

من سمات الخطاب العنصري أنه ينفي الاختلاف والتعقيد عن المجموعات البشرية وذلك قصد الاستنقاص من إنسانيتها. وهذا ليس سلوكا فرديا في المجتمع وليس قائما على حب الآخر أو كرهه، فما يُترجم بسلوك اجتماعي عنصري إنما ينم على تقسيم هيكلي يجد جذوره في المرحلة الاستعمارية. ومع بناء الدولة الحديثة -التي كما أشرنا إلى ذلك في النص السابق- قامت على ثنائية تمايز بين الناس حسب انتمائهم وتداخلهم في المنظومة الحداثية. إن العنصرية لا تمت بصلة إلى الأعراق المختلفة ولا إلى اختلافات بيولوجية فلو كان الأمر كذالك لاندثرت مع الدراسات العلمية التي تكذّب تعدد الأعراق وتؤكد انتماء الجنس البشري إلى جذع واحد، فكما يقول المناضل والمثقف الديكولونيالي صدري خياري ”لا يهم أن لا تكون الأعراق مثبتة علميا فالعنصريون مؤمنون بذلك ويبنون سياستهم على ذلك“. كما إن العنصرية ليست من مخلفات الفترة الماقبل-حداثية، إنما هي من أسس الحداثة الغربية التي حدّدت مفهوم الإنسان مع ما يتماشى مع مصالحها، والعنصرية تقوم أساسا على تحقير مجموعات بشرية، تصنيفها وتحديدها قصد الهيمنة عليها ثقافيا وماديا واستبعادها من السلطة السياسية.

ويكفي الإشارة في النهاية إلى العبارات المُستعملة لوصم أبناء الجهات المضطهدة وأبنائهم المقيمين في أحواز المدن على غرار ”الأفاقيين“ ”الزرڨ“ ”08“ ”الجبورة“ ”ورا البلايك“، وكل ما قِيل خلال اعتصامات القصبة عن زحف العربان والهمج كما قال ستوكلي كار مايكل أحد قيادات ”البلاك بنتيرز“ :

يجب علينا أن نصارع لكي نخلق الكلمات التي تحددنا وتحدد علاقتنا بالمجتمع، يجب علينا أن نقاوم لنجعلهم يخضعون. هذه هى الحاجة الأولى لشعب حر وهذا أول حق ترفضه كل سلطة قمعية.