منذ الإعلان الرسمي عن النتائج الأولية للانتخابات البلدية 09 ماي 2018، بدأ الحديث عن طبيعة التحالفات الحزبية التي ستتحكم في هندسة السلطات المحلية الجديدة. ورغم الحصيلة الهزيلة المتوقعة التي حققتها بعض قوى المعارضة مقارنة بحزبي حركة النهضة ونداء تونس، نظرا لعدم قدرتها على المشاركة في 350 دائرة بلدية، فإنها أبدت تماسكا سياسيا إزاء الأغلبية الحاكمة من خلال مواقف بعض مكوناتها التي دعت إلى ضرورة كسر التحالف النهضاوي-الندائي أثناء تشكيل المجالس البلدية الجديدة. في هذا السياق برز التقارب بين الجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي وحركة الشعب، التي شرعت في فتح نقاش جديد حول توحيد مُرشّحيها لترؤس البلديات وحول مُمكنات العمل البلدي المشترك.
تقارب بين الجبهة والتيار وحركة الشعب
يَلوح الشأن المحلي حاملا لخصوصيات التشعب، إذ تحكمه ديناميات اجتماعية وسياسية مستعصية على المركزة، وهو ما جسّدته القائمات المستقلة التي مثلت بشكل أو بآخر إجابة محلية على عدم نجاح مراكز القرار الحزبي في إقناع بعض المنتسبين إليها بمساندة قوائم انتخابية بعينها. من هذا المنطلق يلوح التحالف الحزبي بمضمونه الكلاسيكي المركزي غير قادر على استيعاب هذه الفسيفساء المحلية، وهو ما جعل الأحزاب المعارضة تبحث عن قواعد التقاء عامة بإمكانها استيعاب التنوع المحلي. في هذا السياق أفاد عمار عمروسية، النائب عن الجبهة الشعبية، لنواة أن ”التوجه العام للجبهة هو لا نهضة ولا نداء، مع الانفتاح على المستقلين الذين لديهم خطوط تمايز مع الائتلاف الحاكم“ مضيفا ”نحن بصدد التنسيق مع التيار الديمقراطي وحركة الشعب وهناك نقاشات مركزية وأخرى جهوية تشهد تقدما في بعض الجهات“.
تلتقي الجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي وحركة الشعب حول مسألة رفض التنسيق مع نداء تونس وحركة النهضة فيما يتعلق بانتخاب رؤساء البلديات وتوزيع المسؤوليات في المجالس البلدية. في هذا السياق قال غازي الشواشي، الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي، لنواة ”لن ندعم أي مترشح يكون وراءه النهضة والنداء. وبالمقابل سندعم مُرشحين لحركة الشعب والجبهة الشعبية“. وقد فسّر الشواشي هذا الخيار قائلا ”التحالفات القائمة على مصالح حزبية ستضر بالتجربة المحلية لأنها ستخلق أغلبية لها مناصب وأقلية تعارض. ويجب أن تكون هناك برامج عمل مشتركة خدمة للمواطن. النهضة والنداء يمسكان بزمام الحكم وقد أثبتا فشلا في إدارة الشأن العام، وبالتالي سيقع تصدير هذا الفشل من المركزي إلى المحلي“. من جهته أوضح زهير المغزاوي، أمين عام حركة الشعب، لنواة أن ”الحركة لن تتحالف أو تُنسق مع نداء تونس وحركة النهضة في توزيع المسؤوليات أو في اختيار رؤساء البلديات وبالمقابل ستكون هناك تقاطعات مع المستقلين والتيار الديمقراطي والجبهة الشعبية“، مشيرا إلى أن ”الشأن البلدي هو شأن محلي، وسنتعاون مع الأكثر قدرة على التجميع وإدارة الشأن العام. وفي المجالس البلدية لا تُوجد تحالفات بالمنطق المعهود بل هناك توزيع للمسؤوليات“.
حركة النهضة: مأزق التوازن بين المحلي والمركزي
في الوقت الذي تتجه فيه المعارضة إلى خلق فَعالية محلية مناوئة لحزبي الحكم، تُواجه حركة النهضة مأزق الحفاظ على التوازن بين الالتزام بخطها السياسي المركزي القائم على التوافق مع حليفها في الحكم، نداء تونس، وبين استيعاب مجمل الخصوصيات المحلية التي قد تُظهر في بعض المناطق امتناعا عن القبول بالتوجه المركزي للحركة. في هذا السياق أفاد نوفل الجمالي، النائب عن حركة النهضة، لنواة أن ”التحالفات في الانتخابات البلدية ستَأخذ بعين الاعتبار التوجه السياسي للحركة القائم على التوافق لأنه هو الحل. وهناك هامش للتحرك على المستوى المحلي سيُأخذ بعين الاعتبار أيضا“.
تسعى حركة النهضة على لسان الكثير من قيادييها إلى الإعلاء من توجهها المركزي المرتبط بتحالف الحكم القائم، وهو ما عبر عنه محسن النويشي، رئيس مكتب الانتخابات بالحركة، الذي أشار إلى أن ”نتائج الانتخابات البلدية لن تمس بالهندسة السياسية التي انبنت على نتائج انتخابات 2014“. وبالتوازي مع ذلك تسعى الحركة إلى التخفيض من إكراهات تعميم التوافق على المستوى المحلي، الذي سيحد من القيمة السياسية لفوزها الانتخابي باعتبار أنه سيضطرها إلى الكثير من التنازلات، وقد يُؤلب ضدها جزءا من قاعدتها المحلية ويدفع مجددا نحو تقليص جديد لخزّانها الانتخابي، وقد جاء البيان الأخير للحركة مُثقلا بهذه الهواجس، الذي ورد فيه ”يؤكد (المكتب التنفيذي) حرص النهضة على أن تتشكل المجالس البلدية على قاعدة الالتزام بتحقيق مصالح المواطنين وخدمة الجهات بعيدا عن التجاذبات السياسوية، والحسابات الانتخابية الضيقة، لتتوفر لها مقومات النجاعة والتجانس والفاعلية في تنفيذ التزاماتها الانتخابية“. ويلوح أن نداء تونس –رغم خطاب التمايز الذي يذيعه المتحدثون باسمه- يدفع نحو جر الحركة إلى القبول بتحالفات بلدية مشروطة تجبرها على تقديم تنازلات في بعض المواقع من أجل الحفاظ على شعار التوافق المركزي، وتُعتبر رئاسة بلدية تونس التي أثارت تنافسا بين الحزبين بالونة اختبار بالنسبة لنداء تونس، سيَمتهن من خلالها مدى استعداد حليفه للتراجع في بلديات يحظى فيها بنصيب الأسد، على غرار البلدية المذكورة التي تحصلت فيها حركة النهضة على 21 مقعدا مقابل 17 مقعد لنداء تونس.
صعود أغلابيات معارضۃ في عديد البلديات سيكون تجربۃ ثمينۃ قد تدفع علی المستوی المركزي عديد أحزاب المعارضۃ لتشكيل توافقات كبری خلال المشوار الإنتخابي القادم التشريعي , ثم حتی ربما علی مستوی الإنتخابات الرءاسيۃ . إذ سيتقلص عدد المترشحين للرءاسۃ , و قد لا تتبعثر أصوات الناخبين بين 20 أو 30 مرشح لقصر قرطاج .. هذا كله سيكون أساسا مرتبط بمدی نجاح الأغلابيات المعارضۃ في تسيير الشأن المحلي … دخول تونس في تجارب جديدۃ سيكون دعم قوي للديمقراطيۃ .. هذا ما نتمنی .