على الرغم من مداخلة الناطقة الرسمية سم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش على إحدى الإذاعات الخاصة يوم غرة جويلية على الساعة منتصف النهار والنصف، والتي أشارت فيها إلى أن “صحة رئيس الجمهورية في تحسن مستمر” وأنه “سيعود إلى ممارسة مهامة قبل 6 جويلية” وهو الموعد الذي من المفروض أن يدعو فيه رئيس الجمهورية الناخبين إلى الانتخابات المرتقبة في نوفمبر القادم، إلا أن قلق الشارع التونسي لا يزال مستمرا في ما يتعلق بصحة الرئيس، خاصة وأن صورة مغلوطة تم تداولها على فايسبوك كان مصدرها سمير عبد الله عضو المجلس الوطني لحركة تحيا تونس الذي نشرها يوم 1 جويلية مساء. في حقيقة الأمر، هي صورة قديمة لزيارة الطبيب الشخصي للرئيس و الناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية سعيدة قراش للشاعر محمد الصغير أولاد أحمد، إلا أن سمير عبد الله علق عليها قائلا “صورة من داخل غرفة الرئيس بالمستشفى العسكري” مضيفا “الحمد لله على سلامتك سيد الرئيس”.
الضبابية وضعف الأداء الاتصالي
لم تلبث تلك الصورة أن انتشرت بقوة على فايسبوك حتى انكشف زيفها من ناحية، ودفعت رئاسة الجمهورية إلى نشر صورة للرئيس الباجي قائد السبسي في ذات اليوم حوالي الساعة الثانية بعد الزوال، حاطا بأطبائه في المستشفى العسكري للقول بأن الرئيس يتماثل للشفاء وهو بصدد مغادرة المستشفى. وفي سياق هذا الارتباك الاتصالي، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة على فايسبوك، بيان غير موقع يحمل هاشتاغ #من_حقنا_نعرفو تمت مشاركته من قبل العديدين منذ مساء يوم الأحد 30 جوان، يطالب بنشر معلومات واضحة عن صحة رئيس الجمهورية “ومدى انعكاس ذلك على منصبه وممارسته لصلاحياته، بصفة دورية، من مصادر لا يشوبها تضارب للمصالح، وأن يستند هذا الإعلام لوثائق طبية يتم عرض محتواها على العموم، بما يحفظ كرامة رئيس الجمهورية والسر الطبي، والحق كمواطنين ومواطنات في المعلومة”.
يأتي هذا البيان كجزء من ردود الأفعال إزاء ضعف الأداء الاتصالي الذي طبع سلوك مسؤولي الاتصال في رئاسة الجمهورية، خاصة مستشار الرئيس فراس قفراش الذي نشر تدوينة لى صفحته في الفايسبوك على الساعة 13:19 يشير فيها من ناحية إلى أن “حالة الرئيس حرجة” و من ناحية أخرى دعوته الناس إلى “الدعاء” له بالشفاء، زد على ذلك تدوينة الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية فايسبوك التي أشارت فيها إلى أن الوعكة التي تعرض لها الباجي قائد السبسي هي “وعكة حادة”. كل هذه المؤشرات كانت تثير الريبة وتغذي الشكوك حول حقيقة حالة الرئيس الصحية.
مستشارون رئاسيون غير مؤهلين
عند الاقتراب أكثر من الشخصيات المحيطة برئيس الجمهورية والتي برزت على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي كمصادر مباشرة بالنسبة لوضعية الرئيس الصحية، نجد أن ضعفا واضحا تعاني منه هذه الشخصيات في المستوى الاتصالي، الأمر الذي ترك الباب مفتوحا أمام انتشار الشائعات خاصة تلك المتعلقة بوفاة الرئيس. فمستشار الرئيس الباجي قائد السبسي فراس قفراش هو في الأصل طبيب، وخريج كلية الطب بسوسة، وقد تم تعيينه مستشارا مكلفا بالتوثيق والمعلوماتية سنة 2015 ثم أصبح مكلفا بالإعلام والاتصال سنة 2016. من المعروف أن قفراش يعد أحد المستشارين الفاقدين لتجربة تذكر في مجال الإعلام والاتصال، باستثناء تمكنه من تقنيات إعلامية خاصة كانت تميز نشاطه في فترة النظام السابق من استعمال مكثف للفضاء السيبراني للدفاع عن بن علي ونظامه.
أما الناطقة باسم الرئاسة سعيدة قراش، فبجانب غيابها عن وسائل الإعلام لمدة 4 ساعات على الأقل بعد تسرّب إشاعة وفاة الرئيس، فقد عانت من ضعف واضح بدورها في نفي الإشاعة والبطء في القيام بالتحركات الضرورية لإعادة الأمور إلى نصابها والدفع إلى التركيز في ذلك اليوم على العمليات الإرهابية فقط حتى لا تتعقد الأمور أكثر. يذكر أن سعيدة قراش هي محامية وذات تكوين قانوني وليس بصحفي أو اتصالي. الشخصين الأقرب إذا إلى مهمة طمأنة الرأي العام التونسي فشلا في اختبار تبديد إشاعة وفاة رئيس الجمهورية في ظرف أمني دقيق ومساحة زمنية صغيرة ومتسارعة. فتح هذا الضعف الباب أمام تدخل وسائل إعلام أجنبية لمزيد تأجيج الوضع وتوسيع نطاق إشاعة وفاة الرئيس.
رهانات إقليمية
تلفزيون النهار الجزائري أذاع خبر وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي في صيغة تقريرية واضحة أثناء نشرة الأنباء على التلفزيون بما أربك المتابعين في تونس وأدى بجزء من الرأي العام التونسي والجزائري والعالمي إلى تأكيد نبأ الوفاة على الرغم من عدم صحته، بما يخدم أولا الجهة التي لها مصلحة في إفشال الاحتجاجات الجزائرية التي تدخل أسبوعها العشرين، ومحاولة إظهار مآلاتها التي ستكون كمآل تونس في الفوضى وضعف النظام السياسي الجديد الذي تم بناؤه بعد الثورة.
ليست النهار فقط، فمراسلة قناة العربية في تونس أكدت على المباشر أن “الرئيس الباجي قائد السبسي قد توفي” إلا أن الأمر اتضح أنه إشاعة، ما يكشف طابع السياسة العامة للسعودية التي تسعى إلى إعادة محيطها الإقليمي والعربي إلى مربع ما قبل الثورة التونسية، وإجهاض كل توق لأي شعب لتأسيس نظام تعددي وسائر نحو الدميقراطية على غرار التجربة التونسية.
Merci pour l’article .
Rien à ajouter.