تلاحق هذا الحي عديد الاحكام المسبقة السلبية، اذ ارتبط الحديث عن حي هلال بالجريمة والعنف والانحراف والبؤس والبناء الفوضوي. يرفض سواق التاكسي الدخول إلى الحي، يشبهه العامة بأحياء تجارة المخدرات في بلدان أمريكا اللاتينية والتي تغيب فيها الدولة تماما. صحيح أن متساكني حي هلال يعانون من هذا الوصم على المستوى المهني والاجتماعي والاقتصادي، إلا أن الدولة ساهمت في ترسيخ هذه الصورة بغيابها شبه التام عن حي هلال، حيث لا وجود مقر أمني أو نقل عمومي أو مركز ترفيهيأ ومقر صحي يحترم الذات البشرية.
ونتحدث هنا عن غياب مركز الشرطة بحي هلال منذ ثورة 2011، حيث تم احراقه بالكامل مع العديد من المقرات الأمنية الأخرى في مختلف مناطق الجمهورية، لكن معظم هذه المراكز عادت إلى العمل باستثناء مركز الامن بحي هلال وبقي سكان الحي دون خدمات أمنية أو إدارية طيلة ثماني سنوات. ويُفسر المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد الحيوني بأن مركز الشرطة بحي هلال تعرض للحرق بالكامل في أحداث الثورة مما جعله غير قابل للاستغلال منذ ذلك الوقت، لكن الوزارة تقدم الخدمات الأمنية بالمنطقة عبر التمركز الأمني القار في الشارع وعبر الدوريات في مداخل ومخارج الحي على مدار الساعة.
صعوبات واقعية وميدانية
حاولنا الاتصال بالمتحدث خالد الحيوني طيلة شهر لكنه لم يجب عن تساؤلاتنا البسيطة المتعلقة بوضعية مركز الامن بحي هلال رغم اتصالنا به عشرات المرات دون إجابة تُذكر، رغم أنه أبدى موافقة مبدئية للإجابة عن هذا الموضوع البسيط الذي لا يحتاج كثيرا من الجهد والوقت. ولضرورة سير العمل والحرص على تضمين الرواية الرسمية ضمن هذا المقال، اخذنا تصريح المتحدث الرسمي من مداخلة سابقة له على إذاعة موزاييك.
وحسب الحيوني فإن الوزارة تقوم بتأمين منطقة حي هلال من خلال مركز أمن موجود بمنطقة يسمونها “بطحاء الأثاث”المحاذية لمنطقة الملاسينوالتي تتبع إداريا حي هلال حيث يقدم هذا المركز لمتساكني الحي خدمات منية بالإضافة إلى استخراج الوثائق الإدارية والرسمية.
وبالحديث عن أسباب عدم إعادة فتح مركز الامن الذي تم حرقه في 2011 أكد خالد حيوني أن “وزارة الداخلية واجهت العديد من الصعوبات الواقعية والميدانية أهمها أن حي هلال هي منطقة سكنية يتعذر فيها وجود مقرات تستغلها وزارة الداخلية لتكون مركزا للأمن لأن ذلك يخضع إلى مواصفات دقيقة وشروط محددة تتعلق بحماية أعوان الشرطة والمقر الأمني وكذلك بحماية المواطنين وهو ما يحتاج تأمينا من نوع خاص لا يمكن تحقيقه في حي سكني كحي هلال”.ووعد المتحدث باسم وزارة الداخلية بأن الوزارة “حريصة” على إيجاد مقر مناسب ورصدت لذلك “اعتمادات مالية هامة” من أجل بناء مركز أمن يستجيب للمواصفات والشروط الأمنية ولطلبات المواطنين وسيكون مقرا امنيا نموذجيا حسب قوله.
من جهته يعتبر السيد الأسعد خضر، رئيس الدائرة البلدية السيجومي والتي تتبعها منطقة حي هلال، أن المركز الموجود حاليا بمنطقة تُسمى “بطحاء الأثاث” بعيد جدا عن متساكني حي هلال ويشق عليهم التنقل إلى هناك لاستخراج وثائقهم الإدارية حسب قوله. وصرح إلى موقع “نواة” أن “الامر يتجاوز صلاحيات المجلس البلدي إلى وزارة الداخلية التي تتخذ جملة من المعايير لبناء مركز للشرطة، كما أن المركز القديم يقع في منطقة يصعب تأمينها وليست صالحة لأن تحتضن مقرا أمنيا”. وقال خضر إن البلدية “ساعدت في إيجاد حل لهذه المشكلة حيث جلسنا مع منطقة الأمن ووضعنا على ذمتهم قطعة أرض بيضاء تابعة للبلدية وقمنا بزيارة ميدانية للمكان الذي يقع بجانب الملعب في مدخل حي هلال، وهو مكان قريب جدا من المتساكنين من أجل توفير الخدمات الإدارية والأمنية في ظروف طيبة”.
“في هذا الحي نعيش على الهامش”
يُجمع سكان حي هلال على أن علاقتهم بالدولة لا تتجاوز حدود بطاقة التعريف الوطنية وأعمدة الإنارة، لكن أكثر ما يزعجهم هو الوصم الذي يلاحقهم والصورة النمطية المتداولة عن الحي على أنه مرتع للجريمة والعنف والسرقة والانقطاع المبكر عن الدراسة، ولم تعالج الدولة هذه المشاكل بل زادت في ترسيخها عبر غياب مرافقها الأساسية عن الحي.
في هذا الحي نعيش على الهامش في جميع مجالات الحياة، لا أتحدث عن وسائل الترفيه بل عن الأساسيات حيث لا مركز أمن ولا طرقات جيدة وغالبا ما نغرق في مياه الامطار بسبب غياب شبكات تصريف المياه والصرف الصحي والتي يتسبب فيها أساسا البناء الفوضوي في المنطقة، بل إن هناك مناطق لا يصلها الماء الصالح للشراب. الوضع الذي نعيش فيه أصعب من أن تجد الكلمات لوصفه.
هكذا تحدث إلينا حسان والذي يقطن على مرمى حجر من مقبرة الشهداء، تلك المقبرة التي يحج اليها السياسيون ورموز الدولة سنويا بمناسبة ذكرى الشهداء.
ويقول صديقه أسامة، وهو طالب بالمدرسة العليا للتصرف، بنبرة ساخطة:
ماذا تنتظر الدولة من منطقة لا تجد فيها وسائل الترفيه ومراكز للشباب والطفولة او مكتبة عمومية، باستثناء ملعب وحيد لآلاف السكان، ماذا تنتظر من هذه المنطقة غير الجريمة وانتشار المخدرات والعنف، عندما يعرف احدهم أنني من حي هلال يتجنب الحديث معي. لا أجد شيئا يربطني بالدولة، حتى مركز الأمن لم يُفتح منذ تم حرقه في احداث الثورة.
وحتى علاقتهم بالطبقة السياسية تكاد تكون منعدمة، بل إن الوعود التي قدمها السياسيون زادت من نقمتهم وعزوفهم عن المشاركة، فوزير التربية الأسبق ناجي جلول كان قد وعد منذ 2016 ببعث مدرسة اعدادية ومركب تربوي وثقافي ورياضي في حي هلال لكن لم يتحقق شيء إلى حد الأن. وحتى الباجي قائد السبسي، الذي زار الحي اثناء حملته الانتخابية بعد اطلاعه على ظروف عيش سكان حي هلال والبنية التحتية وغياب الخدمات الأساسية، وعد بأن احوالهم ستتغير نحو الأفضل لتحقيق مستوى عيش يليق بهم وأن هذه المناطق يجب أن تلقى حظها من التنمية والازدهار والنمو، لكن بعد خمس سنوات لم تقدر الدولة على توفير الحد الأدنى الذي يضمن كرامة الانسان فضلا عن الازدهار.
iThere are no comments
Add yours