بعد أكثر من شهر من المشاورات والمفاوضات التي قادها المكلف بتشكيل الحكومة الحبيب الجملي، عادت الوضعية إلى نقطة البداية وغادرت ثلاثة أحزاب وازنة المشاورات. لم يتحمل مسؤولية فشل المفاوضات أي من الأحزاب المعنية، بل تبادلت الاتهامات فيما بينها بإفشال مسار تشكيل الحكومة.
حركة النهضة حملت التيار الديمقراطي وحركة الشعب مسؤولية فشل المشاورات وبرهنت عن حسن نيتها تجاه هذه الأطراف من خلال انعقاد أربعة لقاءات رسمية على أعلى مستوى حتى قبل تكليف الجملي رسميا بتشكيل الحكومة. واعتبر رئيس المكتب السياسي وعضو الفريق المفاوض لحركة النهضة نور الدين العرباوي في مؤتمر صحافي الاثنين 23 ديسمبر أن التيار الديمقراطي “تعنت” ولم يكن مرنا في المفاوضات وتمسك بشروطه المتمثّلة في منحه وزارات الداخلية والعدل والإصلاح الإداري، في حين اقترحت النهضة أن تكون وزارة الداخلية محايدة دون اعتراض على تولي التيار لحقيبة العدل حسب قوله.
من جهته يعتبر التيار الديمقراطي أن العرض الذي قدمته حركة النهضة بتولي التيار لوزارتي العدل والإصلاح الإداري والوظيفة العمومية لم يكن رسميا باعتبار أنه لم يكن مقدما من المكلف بتشكيل الحكومة، بل إن القيادي في التيار الديمقراطي هشام العجبوني صرح لموقع نواة أن “الحبيب الجملي تراجع عن منح التيار وزارة العدل يوم 5 ديسمبر وهو ما دفع الحزب إلى الانسحاب من المشاورات”.
كل ما تقدم يؤكد وجود مناخ من انعدام الثقة بين الشركاء المحتملين في الحكم طغى على منطق المشاورات، فالنهضة عرضت على التيار الديمقراطي وحركة الشعب التصويت لراشد الغنوشي في رئاسة البرلمان كبادرة حسن نية تجاهها، في حين يعتبر التيار والشعب أن النهضة بتحالفها مع قلب تونس في انتخابات رئاسة مجلس نواب الشعب منحتهم كل أسباب انعدام الثقة فيها، بل إن تجربة حكم النهضة لسنوات تفرض عليها المبادرة “بإثبات حسن نواياها تجاه الشركاء وليس العكس” حسب ما صرح به النائب عن التيار الديمقراطي هشام العجبوني.
مبادرة جوهر بن مبارك والحبيب بوعجيلة
أثارت مبادرة الثنائي أستاذ القانون جوهر بن مبارك والناشط السياسي الحبيب بوعجيلة جدلا كبيرا لدى الرأي العام والمتابعين، حيث تهدف هذه المبادرة الغير رسمية إلى “تفكيك الخلافات بين الأحزاب وأساسا النهضة والتيار الديمقراطي ومحاولة إيجاد توافقات فيما بينها بهدف تشكيل حكومة متماشية مع اهداف الثورة” حسب تصريح نور الدين العرباوي.
انطلقت هذه المبادرة يوم 8 ديسمبر 2019 وانعقدت بمقتضاها أربعة لقاءات (أيام 8 و14 و 19 و21 ديسمبر) شاركت فيها أحزاب النهضة والتيار الديمقراطي وائتلاف الكرامة وحركة الشعب وتحيا تونس. هذه اللقاءات نتج عنها عرض كتابي بين النهضة والتيار الديمقراطي قدمه عضو الوفد المفاوض لحركة النهضة عماد الحمامي يوم 16 ديسمبر (تحصلت نواة على نسخة منه) يتضمن أربع نقاط: منح وزارة العدل للتيار الديمقراطي مع منح النهضة حق الاعتراض على اسم المرشح لهذا المنصب وإلحاق الشرطة العدلية بوزارة العدل، حصول التيار على وزارة الإصلاح الإداري والوظيفة العمومية مع إلحاق أجهزة الرقابة تحت هذه الوزارة، وزارة ثالثة للتيار، تسمية وزير للداخلية من بين الشخصيات الوطنية المستقلة الثلاثة المقترحة من طرف النهضة والتيار الديمقراطي وتحيا تونس مع حق الاعتراض لهذه الأحزاب.
النهضة اعتبرت أن التيار يتعمد إضاعة الوقت والمماطلة في الإجابة على مقترحاتها، خاصة وأن الحبيب الجملي استجاب لجميع شروط التيار الديمقراطي وتفاعل إيجابيا للوساطة التي قادها جوهر بن مبارك والحبيب بوعجيلة، حسب عماد الحمامي.
هذا الاتفاق اعتبره التيار الديمقراطي “غير رسمي” نظرا لأنه لم يكن مقدما من طرف المكلف بتشكيل الحكومة الحبيب الجملي، بل يذهب النائب عن التيار الديمقراطي هشام العجبوني إلى أن الجملي “أظهر تلكؤا في إلحاق الشرطة العدلية بوزارة العدل بتعلة رفض النقابات الأمنية لذلك”.
حكومة الكفاءات، أو الخطة البديلة
تزامنا مع اللقاء الذي دعا إليه رئيس الجمهورية قيس سعيد والذي جمع رؤساء أحزاب النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس، أعلن الحبيب الجملي في ندوة صحفية مساء الاثنين 23 ديسمبر عن تشكيل “حكومة كفاءات وطنية مستقلة عن جميع الاحزاب في أقرب الآجال” وذلك بعد انسحاب الأحزاب المذكورة، باستثناء النهضة، من المشاورات.
جاء قرار الجملي بتشكيل حكومة كفاءات متناغما مع النقطة الخامسة في بيان المكتب التنفيذي لحركة النهضة يوم 22 ديسمبر 2019 والتي جاء فيها “تجدد النهضة باعتبارها الحزب الفائز المكلف بتشكيل الحكومة، تعهدها بتقديم حكومة كفاءات وطنية مفتوحة أمام الجميع في الأيام القليلة القادمة” وذلك بعد أن اعتبرت أن”المفاوضات مع الحزبين المذكورين (التيار وحركة الشعب) قد فشلت وانتهت رغم الاستجابة للمطالب التعجيزية والمشطة التي طالبا بها” حسب بيان النهضة.
هذه الخطة التي تحدث عنها الحبيب الجملي سابقاً كحل بديل في حال فشل المشاورات مع التيار وحركة الشعب وتحيا تونس، تهدف إلى تشكيل حكومة من المرجح أن يشارك فيها حزب قلب تونس عبر شخصيات غير منتمية تنظيميا اليه. خطة استعملتها النهضة منذ البداية كورقة مفاوضات، ودافع عنها بعض من قياداتها على غرار رفيق عبد السلام وسيد الفرجاني المقرب من نبيل القروي ونور الدين البحيري. ربما يعتقد هؤلاء أنه من غير المجدي الدخول في مشاورات تشكيل الحكومة مع التيار وحركة الشعب في حين أن التفاوض مع حزب قلب تونس قد يكون أسهل وأكثر مرونة بالنسبة لهم. وصرح رفيق عبد السلام بذلك الأسبوع الماضي حين قال على قناة التاسعة إن حركته “تتجه إلى تعايش حكومي مع حزب قلب تونس” وذلك قبل اعلان توقف المشاورات.
iThere are no comments
Add yours