صورة لأحمد الزروقي

وبدا البابا فرنسيس، لأول مرة منذ توليه كرسي البابوية في مشهد مثير، وكأنه معلق على أسوار الفاتيكان. وفي مكة، ظهرت صورة الكعبة على مواقع التواصل الاجتماعي خالية وحزينة في مشهد نادرا ما حصل منذ ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية. وعلقت السلطات السعودية السفر من جميع الدول إلى أقدس المواقع بالنسبة للمسلمين في مدينتي مكة والمدينة لأداء العمرة بسبب مخاوف من انتشار فيروس كورونا. وتعد هذه الفترة، اشهر رجب وشعبان ورمضان، فترة الذروة السنوية لزيارة الأماكن المقدسة في السعودية، التي تستقطب ملايين الزائرين كل عام.

”للبيت رب يحميه“

وفرض فيروس كورونا المستجد نفسه على أجندة الأديان العالمية الكبرى، فبعد فترة من الترقب تراوحت بين الانتظار والارتباك، استسلم رجال الدين في نهاية المطاف للأمر الواقع. وقد بلغ عدد المصابين بمرض كوفيد19 المنجر عن فيروس كورونا أكثر من نصف مليون شخص عبر العالم توفي منهم أكثر من 25 ألف شخص، وعرفت إيطاليا أكبر حصيلة بأكثر من 8  آلاف شخص من ضمن أكثر من ثمانين ألف مصاب.

وقد واجه رجال الدين في بداية الأمر دعوة السلطات الصحية والمدنية إلى غلق دور العبادة. وذهب العديد منهم إلى تحدي قرارات الغلق، باعتبار أن ”للبيت رب يحميه”، وأن دور العبادة محصّنة باعتبارها أماكن مقدسة. ففي إيطاليا، ظهرت بعض المجموعات الدينية المتشددة والتي رفضت غلق المعابد وأصبحت تُروج للعمل الكنسي السري، لكنها سرعان ما اندثرت أمام تزايد أعداد ضحايا الوباء.

وتظاهر المئات من المواطنين في شوارع الاسكندرية وخرجت مجموعات يقودها إسلاميون متشددون للدعاء والتكبير والصراخ واللّعنة على الفيروس وكذلك في المغرب حيث خرجت مظاهرات للتكبير والتهليل داخل عدد من المدن المغربية مثل طنجة وتطوان وفاس وسلا. وفي تونس، دعا بعض المتشددين للخروج إلى الشارع وكسر الحضر الذي فرضته الدولة. الأمر الذي دفع ريتشارد دوكنز وهو واحد من أشهر علماء البيولوجيا في العالم يكتب متهكّما على تويتر: ”اليوم تلقيت رسالة من مصر تقول إن الناس يجتمعون من أجل الصراخ و لعنة الفيروس ودعوة الله والنبي للمساعدة. أفترض أنّه كل ما كانت الصرخة أو اللعنة أعلى، كانت أفضل لنشر الفيروسات“.

عنصرية وخوارق

العقل الديني يتصرّف بنفس الطريقة اللاّعقلية واللاّعلمية، وتفسير الظواهر باعتماد الخوارق، والتعامل العنصري مع الآخر. وحاول بعض الحاخامات إيجاد تفسيرات دينية للفيروس باعتباره ”نتيجة طبيعية لأن غير اليهود يأكلون أي شيء“. وذهب بعض الدعاة الإسلاميين إلى تقديم تفسيرات مفادها أن ظهور فيروس كورونا في الصين كان ”عقابا من الله للصينيين بسبب ما ارتكبوه من مجازر ضد المسلمين في بورما“. لكن الفيروس سرعان ما انتشر إلى مناطق أخرى خارج الصين من بينها بلدان إسلامية.

وتواصلت فتاوى رجال الدين في إيران حيث قال حسين رافازاده، المعروف باسم ”أبو الطب الإسلامي في إيران”، إن وضع قطرة واحدة أو أكثر من زيت الحنظل في الأذنين سيمنع التقاط عدوى فيروس كورونا. وقبل ذلك كان رجل الدين المثير للجدل عباس تبريزيان نصح بدهن ​فتحة الشرج بزيت البنفسج، من أجل القضاء على فيروس كورونا.

ووزع أحد الحاخامات اليهود جعة ”كورونا“ على المؤمنين، طالبا منهم احتساءها والدعاء إلى الله أن يحد من انتشار الوباء. وطرح الحاخام مئير معزوز تفسيرا آخر ”يتعلق بالشذوذ الجنسي إذ أن الله ينتقم من الشخص الذي يقدم على أفعال غير طبيعية“. وذهب الحاخام المتشدد رون تشابا بعيدا معتبرا الوباء ”علامة على ظهور السيد المسيح“. الامر الذي تبنّاه وزير الصحة الإسرائيلي الحاخاميعقوب ليتسمان الذي كرر بأنه ”ينبغي الصلاة على أمل أن يأتي المسيح المنتظر قبيل عيد الفصح رمزالخلاص في الشهر القادم لينقذنا من عدوى الكورونا“، مطالبا بعدم غلق الكنس والمعابد اليهودية لأن ”ذلك يتنافى مع تعاليم التوراة والديانة اليهودية التي تحرم الإغلاق الجارف للكنس أو حظر تدريس التوراة أو التأثير على العلاقة الروحانية ما بين الفرد والخالق“.

وفي مستشفى بهشتي بمدينة أنزلي الإيرانية، لقي شخص مصاب بكورونا حتفه بعدما منحه رجل دين ما وصفه بأنه «علاج معجزة» لعلاجه من الفيروس. حيث أزال الرجل قناع الحماية عن المريض وفرك وجهه بسائل معطر، وتوفي المريض بعد ذلك بثلاثة أيام. وتواصلت الإصابات بعدوى فيروس كورونا بنسق سريع وغير متوقع في إيران، التي سجلت أكثر من 23 ألف حالة إصابة بالفيروس وأكثر من   1800 حالة وفاة.

الواقع أصدق من الكتب

تواصل أخبار ارتفاع عدد الموتى والمصابين بسبب الفيروس من كل أنحاء العالم جعل العديد من رجال الدين يراجعون مواقفهم. ولأن الواقع وأخباره المرعبة أشد صدقا من الكتب والتفسيرات، وافق رجال الدين في مختلف الديانات في الشرق والغرب والشمال والجنوب، على أن علاقة الإنسان بربّه لا تحتاج تأويلاتهم. فأقفلت الكنس والمعابد اليهودية. كما ألغى اليهود إحياء عيد المساخر ”بوريم“ الذي يشبه إلى حد كبير احتفالات الكرنفال. وكذلك فعلت الكنائس والجوامع في مختلف أنحاء العالم، حتّى أن مهرجان “هولي” الهندوسي للألوان ألغي هذا العام لنفس السبب.

وفي تونس، أعلن مفتي الديار ”تعليق إجراءات اعتناق الإسلام“ توقيا من عدوى فيروس كورونا. وأكد ديوان الإفتاء عبر صفحته الرسمية على فيسبوك أنه ”في نطاق الاحتياط المتبعة للتوقي من فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، فقد وقع التعليق الوقتي لإجراءات اعتناق الإسلام أو التثبيت عليه، إلى موعد لاحق.“

وبعيدا عن الجدل الديني، يحتد التنافس بين المخابر العلمية للتوصل إلى دواء، ويحتد معه النقاش حول مدى نجاعة الكلوروكين لعلاج فيروس ”كوفيد 19“. وانقسمت المواقف بين مساندين لهذا الدواء ”المعجزة“، الذي يستخدم في علاج وباء الملاريا منذ أكثر من خمسين سنة، وبين من يرى أن فعاليته الطبية لم تثبت لغاية الآن رغم الاختبارات التي قام بها الدكتور ديدييه راوولت بمعهد المستشفى الجامعي للأمراض المعدية بمرسيليا. ولكن الأكيد أن الحل للجميع، متدينين وغير متدينين، أن الكلمة الفصل ستكون للمخابر والعلماء.