اتخذت الحكومة التونسية عقب اجتماع وزاري خصّص للنظر في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتنموي بولاية تطاوين، يوم 23 سبتمبر، عدة قرارات بنيّة إيجاد حلول لمشكلة التشغيل بالجهة وتنفيذ بنود اتفاق الكامور الذي أمضت عليه حكومة يوسف الشاهد مع ممثلي تنسيقية معتصمي الكامور سنة 2017 بوساطة من اتحاد الشغل. اتفاق لم يتم تنفيذ كامل بنوده لحد الآن وأهمها تخصيص 80 مليون دينار لتنمية الجهة وتشغيل 1500 عاطل عن العمل في الشركات البترولية. الكلفة الإقتصادية لهذا التعطيل باهضة جدا وتواصله يفقد الدولة موارد هامة. إذ أفاد حامد الماطري، المستشار لدى وزير الطاقة والمناجم والانتقال الطاقي في حكومة الفخفاخ أن “الخسائر يمكن أن تكون كبيرة لأن نصف إنتاج تونس من البترول يمر عبر خط الأنابيب هذا”.

تطاوين، جوان 2020

تفاصيل الخطة الحكومية

من بين أهم القرارات الأولية التي اتخذها رئيس الحكومة هشام المشيشي خلال اجتماع وزاري بخصوص اعتصام الكامور، عقد بتاريخ 23 سبتمبر، هي الانطلاق الفوري في إجراءات انتداب الدفعة الأخيرة الخاصّة بشركة البيئة والغراسة والبستنة والمقدّرة بـ 500 موطن شغل، حسب ما جاء في بيان لرئاسة الحكومة.

من بين القرارات الأخرى التي اتخذتها الحكومة في علاقة بقضية اعتصام الكامور هو “تكليف فريق عمل متكوّن من ممثّلين عن وزارات الصّناعة والطاقة والمناجم، الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار، التّجهيز والإسكان والبنية التحتية، الفلاحة والموارد المائية، الشّؤون المحلية والبيئة، الشباب والرياضة والإدماج المهني والشّؤون الاجتماعية لحل كافة الإشكاليات العالقة، والتي تحول دون تفعيل بند الاتفاق المتعلق بتمويل صندوق الاستثمار وبقية المشاريع المعطلة بالجهة”.

تطاوين، جوان 2020

الجديد في مهمة البعثة الحكومية، والذي لم يحظى به جوهر بن مبارك مستشار رئيس الحكومة الأسبق إلياس الفخفاخ ومبعوثه لتطاوين لإعداد تصور لتنفيذ بنود اتفاق الكامور، هو تمتع فريق المشيشي بصلاحيات تقريرية دون الحاجة للرجوع إلى الإدارة المركزية. المنتظر من هذه الزيارة، حسب متابعين لملف الكامور، هو تفعيل أحد بنود اتفاق الكامور المتعلق بتشغيل 1500 عاطل عن العمل دفعة واحدة أو على مراحل. إضافة إلى البند المتعلق بتخصيص 80 مليون دينار سنويا لتنمية الجهة، والطرق والتعهدات التي سيتم التفاوض حولها لتنفيذ هذين البندين.

ومن بين النقاط الأخرى التي أقرتها الحكومة هي مراجعة كافة التراخيص المسندة لاستغلال مقاطع الجبس بالجهة وإمهال أصحابها إلى نهاية سنة 2020 للانطلاق الفعلي في الاستغلال أو سحبها وإعادة منحها.

تطاوين، جوان 2020

هي نفس النقاط التي تطرح مع كل حكومة جديدة في كل مناسبة يثار فيها ملف التنمية والتشغيل بولاية تطاوين ولم يتخذ فيها قرار حكومي شامل لحد الآن ينهي هذه القضية، خاصة وأن مقاطع الجبس الممتدة على طول سلسة جبال مستاوة  شرق ولاية تطاوين تحوي مخزونا ثرياً من الجبس جيد النوعية قادر على الحد من نسبة البطالة والمساهمة في تنمية الجهة.

كيف تفاعل معتصمو الكامور مع قرارات الحكومة؟

قرارات وخطة حكومة هشام المشيشي لإيجاد تسوية لقضية التنمية والتشغيل في جهة تطاوين، استقبلتها تنسيقية اعتصام الكامور بتفاؤل مثلما جاء على لسان الناطق الرسمي باسم التنسيقية طارق الحداد الذي قال “نقراو حسن النيّة من البيان (الحكومي)”، غير أن ذلك لا يعني أن المعتصمين يقدمون شيكا على بياض للحكومة. فقد سبق للناطق باسم التنسيقية أن لوّح بمواصلة الاعتصام والإبقاء على غلق “فانة” البترول في وحدة الضخ رقم 04 إن لم تتم الاستجابة لمطالبهم المتمحورة أساسا حول تشغيل الــ 1500 عاطل في شركات الإنتاج والخدمات البترولية وضخ 80 مليار من المليمات في صندوق استثمار

وأشار الحداد إلى أن الــ80 مليار المخصصة لصندوق استثمار حسب اتفاق الكامور سيتم التفاوض حول طرق وكيفية صرفها مع الوفد الحكومي الذي سيأتي للجهة الأسبوع القادم، حسب ما جاء في كلامه في التسجيل الذي نشرته تنسيقية الكامور على صفحتها يوم الخميس الفارط. أما بالنسبة للقرار الحكومي بتشغيل 500 عاطل في شركات البيئة والبستنة، فإن التنسيقية اعتبرت أن هذا الأمر من المحصول الحاصل ويعود، حسب الاتفاق، لدفعة 2019، المفترض تشغيلها حسب اتفاق 2017 ، مشيرا إلى أن الشركة لم تحظى لحد الآن بوضع قانوني ثابت.

تطاوين، جوان 2020

وفي اجتماع مواطني جمع عددا من أهلي تطاوين وشخصيات جهوية وممثلين عن منظمات وطنية ونشطاء بالمجتمع المدني، بحضور رئيس بلدية تطاوين والنائب صهيب الوذّان، أكد المجتمعون في بيان نشر على صفحة التنسيقية على مواصلة النضال و الإبقاء على الفانا مغلقة حتى تحقيق أهداف اعتصام الكامور، محملين في ذات الوقت المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية ETAP ما تشهده الجهة من احتقان.

يجمع خبراء الاقتصاد والطاقة على أن فتح فانة البترول في منطقة الكامور بات أمرا حيويا ملحا للاقتصاد التونسي يتطلب اتخاذ قرارات جدية ومستدامة، خاصة مع وصول قيمة عجز الميزان الطاقي لــ1923 مليون دينار تونسي نهاية شهر أفريل من العام الحالي حسب التقرير الذي نشرته وزارة الطاقة والمناجم بتاريخ 10 جوان 2020. وهو رقم خطير يتطلب استنفارا لمختلف الفاعلين في ملف الكامور لوضع حد للنزيف الطاقي الذي تضررت منه البلاد كثيرا بسبب تعطيل إنتاج البترول ونقله منذ شهرين ونصف.

فهل الحكومة التونسية جادة هذه المرّة في إنهاء أزمة الكامور والتوصل لفتح الفانا وعودة وحدات ضخ البترول للاشتغال أم أننا سنعيش مرحلة أخرى من التصعيد بين الطرفين الحكومي والمحتجين إذ لم يتم التوصل لاتفاق على النقاط المطلبية للمحتجين، خاصة وأنه جاء في نهاية البيان الحكومي جملة تفتح الباب على عدة تأويلات: “الرفض المبدئي لكل وسائل الضغط باستعمال الثروات الوطنية باعتبارها ملكا لجميع التونسيّين”، معتبرا أنّ” هذا الضغط من شأنه مزيد تعميق أزمة البطالة وتغذية حالة الاحتقان بالجهة.”