جاءت تصريحات راشد الغنوشي، التي قال فيها أن “القضاء فقط هو من يصدر أحكاما في قضايا فساد”، وأن دور رئيس الدولة هو “دور رمزي، وربما ستكون النتيجة التي سنصل إليها هي أن نقيم نظاما برلمانيا كاملا يتم فيه الفصل بين السلط الثلاث وتكون السلطة التنفيذية كلها بيد واحدة هي رئيس الوزراء”، لتسكب المزيد من الزيت على النار وتزيد من توتير العلاقة بين باردو وقرطاج.

وكان قيس سعيّد قد أشار خلال اشرافه على اجتماع لمجلس الأمن القومي، يوم الاثنين الماضي، إلى أنّ بعض المقترحين في التحوير الوزاري تتعلق بهم قضايا فساد أو قضايا تضارب مصالح، ولا يمكن لمن تعلقت بهم مثل هذه القضايا تأدية اليمين، “لأنه ليس إجراء شكليا بل هو إجراء جوهري”. وتساءل سعيد “كيف تتم محاولة الإطاحة برئيس الحكومة السابق قبل أن يقوم بتقديم استقالته بسبب قضية تتعلق بتضارب المصالح، في حين يتم اقتراح من تعلقت به قضية فساد ومن له قضايا في تضارب المصالح”.

معركة ظاهرها إجرائي، باطنها سياسي

ووجّه راشد الغنوشي بصفته رئيسا للبرلمان مراسلة إلى رئيس الجمهورية تتضمن قائمة الوزراء الجدد من أجل دعوتهم لأداء اليمن الدستورية. لكن قيس سعيد طلب من الغنوشي تصحيح خطأ ورد في مراسلته حول تاريخ انتهاء الجلسة، وهو ما يؤشر لتواصل التصادم بين سعيّد والغنوشي، وتأكيد ما أعلنه قيس سعيد قبل ذلك من أنه لن يستدعي الوزراء الذين تحوم حولهم شبهات لأداء اليمين الدستورية.

وصادقت الأغلبية البرلمانية التي تقودها حركة النهضة يوم الثلاثاء الماضي على منح الثقة للتعديل الوزاري الذي قدّمه هشام المشيشي وشمل 11 حقيبة وزارية، وكان رئيس الجمهورية قد انتقد خلال ترؤسه اجتماع مجلس الأمن القومي التعديل الوزاري في حكومة المشيشي، وقال أن هذا التعديل غير دستوري، وبأنه لا مجال لأن يؤدي أي وزير جديد القسم أمامه إذا ما تعلقت به شبهات فساد.

وفي هذه الحالة قد يجد المشيشي نفسه مضطرّا لأن يعين وزراء بالنيابة ريثما يحل الإشكال قانونيا عبر التوجه للمحكمة الإدارية أو أي جهاز قانوني آخر، أو الالتجاء إلى اعتماد “نظرية الإجراءات المستحيلة” بهدف عدم تعطيل سير دواليب الدولة كما ذهب إلى ذلك أستاذ القانون الدستوري عياض بن عاشور، الذي اعتبر أنه يمكن في هذه الحالة أن تصدر الحكومة إعلانا تؤكد فيه رفض رئيس الجمهورية دعوة الوزراء لأداء اليمين الدستورية، وتنتظر مهلة زمنية معقولة ثم يتم تطبيق هذه النظرية، وينطلق الوزراء في أداء مهامهم دون أداء اليمين الدستورية.

إمكانية عزل الرّئيس

من جانبه، لوّح النائب عن قلب تونس عياض اللومي بفرضية توجّه البرلمان نحو عزل رئيس الجمهورية إذا تشبث بموقفه ورفض أن يؤدي الوزراء الجدد اليمين الدستورية أمامه، معتبرا أن ذلك يرتقي لدرجة “الخطأ الجسيم” الموجب لهذا الإجراء وفق مقتضيات الفصل 88 من الدستور. وينص هذا الفصل على أنه “يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معلّلة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه”. واعتبر اللّومي أنه يمكن إعفاء الرّئيس من مهامه إذا تواصلت الأزمة وتعطل معها سير عمل الحكومة، وأن توفر أغلبية الثلثين في البرلمان كاف لاتخاذ أي إجراء ضد رئيس الجمهورية. وقال أيضا أن مرور بعض وزراء المشيشي خلال جلسة منح الثقة بمجموع أصوات بلغ 144 نائبا، مؤشر هام على سهولة توفر أغلبية الثلثين في البرلمان للقيام بأي إجراء يراه البرلمان مناسبا لعدم تعطيل المؤسسات السيادية.

لكن أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ قال إنه لا وجود لنص دستوري صريح يجبر رئيس الجمهورية على استقبال الوزراء المعينين في إطار التحوير الوزاري لأداء اليمين الدستورية. وأوضح محفوظ أن رئيس الجمهورية يكون مجبرا، دستوريا، على استقبال الوزراء، فقط عند تسميتهم بعد تشكيل حكومة كاملة منبثقة عن الانتخابات، “إلا أن الدستور لا يجبره على ذلك في إطار التحوير الوزاري، في ظل غياب النص الصريح، ما يمنح رئيس الجمهورية إمكانية الاجتهاد، وفي حال رفض رئيس الجمهورية استقبال الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أو استقبال بعضهم، فإنه ليس بالإمكان الاتجاه نحو عزله، في ظل غياب المحكمة الدستورية، صاحبة الاختصاص الحصري في عزل رئيس الجمهورية”.

أزمة في القصر وغضب في الشارع

وفي الأثناء، أعلنت رئاسة الجمهورية في بيان لها أن مصالح الرئاسة تلقّت يوم الاثنين الماضي بريدا خاصا موجّها إلى رئيس الجمهورية يتمثل في ظرف لا يحمل اسم المرسل. وقد تولت مديرة الديوان الرئاسي فتح هذا الظرف مما تسبب في تعكر وضعها الصحي والشعور بحالة من الإغماء وفقدان شبه كلي لحاسة البصر. وقد أثارت هذه الحادثة الكثير من الجدل حول مدى مصداقيتها وخطورتها، لتزيد في تأزيم الوضع العام بالبلاد.

وتواصلت يوم السبت الماضي الاحتجاجات الشبابية، رغم التعزيزات الأمنية الاستثنائية التي شهدتها العاصمة، للمطالبة بإسقاط كامل منظومة الحكم، التي تعتبرها فشلت فشلا ذريعا في إدارة الأزمة المركبة التي تمر بها البلاد، في ظل انشغال الطبقة السياسية الحاكمة بالصراع على المواقع في مراكز القرار، بالتوازي مع تعكّر الوضع الصحي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد.