لا يمكن تناول علاقة حركة النهضة، وغيرها من الأحزاب السياسية، بالقنوات المخالفة للقانون بمعزل عن ملكية وسائل الإعلام ودون معرفة أصحابها. إذ غالبا ما اتُهمت قناة حنبعل مع قنوات أخرى بتلقي تمويلات مشبوهة مثلما صرح بذلك هشام السنوسي عضو الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري. حيث قال إن قناتي حنبعل والزيتونة تتلقيان تمويلات مشبوهة. وتشير تصريحات السنوسي إلى أن وسائل الإعلام في تونس تتبع لجهات سياسية داخل تونس وخارجها ولا تحترم القانون وتساهم في تشويه المشهد السمعي البصري لخدمة ممولي هذه القنوات. واليوم، بعد عشر سنوات من الثورة، تجد تونس نفسها في مرحلة إعلام في خدمة الجهات السياسية والمالية بدل أن يكون إعلاما في خدمة البلاد ويستجيب لتطلعات المواطنين. وبطبيعة الحال، يحتدم النقاش حول وظيفة وسائل الإعلام والجهات التي تملك وتمول هذه القنوات وصلاحيات الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري.

وسائل إعلام خارجة عن القانون

السجال القائم بين الهايكا والقنوات التلفزية ليس وليد اللحظة، بل يتواصل منذ تأسيس الهيئة في سنة 2013 ويتجدد في كل مرة يتم فيها منح إجازات بث لقنوات تلفزية وإذاعية أو تُعاقب فيها مؤسسات سمعية بصرية لسبب أو لآخر. هذه المرة اختارت الهايكا التصعيد تجاه قناة حنبعل حيث قررت في سبتمبر 2020 “إيقاف إجراءات تسوية وضعية القناة التلفزية الخاصة حنبعل وذلك لعدم قيامها بإجراءات تغيير الصبغة القانونية للشركة المستغلة للقناة من شركة ذات مسؤولية محدودة إلى شركة خفية الاسم وفق ما تقتضيه أحكام كراس الشروط المتعلق بالحصول على إجازة إحداث واستغلال قناة تلفزية خاصة”، وذلك قبل أن تحيل الهايكا ملف قناة حنبعل على هيئة مكافحة الفساد في أكتوبر الماضي.

ولم تتوقف المعركة بين الهايكا وقناة حنبعل عند هذا الحد، فقد اتهم هشام السنوسي حركة النهضة صراحة بالسيطرة على قناة حنبعل، بالإضافة إلى شبهات تمويلها من قبل جهات أجنبية (يقصد شركة سعودية-تركية) .الإشارة إلى سيطرة حركة النهضة على قناة حنبعل (وقناة الزيتونة) لم تبدأ مع تصريحات عضو الهايكا أو مع إحالة ملفها على هيئة مكافحة الفساد، بل هو مسار من التراكمات ساهم في ترسيخ هذه الصورة على قناة حنبعل.

حنبعل والنهضة: علاقة قديمة متجددة

بدأ عهد التعاون بين قناة حنبعل وحركة النهضة قبل ثماني سنوات، فقد استفردت  قناة حنبعل بنقل أشغال المؤتمر التاسع لحركة النهضة (دون بقية الأحزاب) بقصر المعارض بالكرم في جويلية 2012. خلال تلك التغطية التي استمرت ثلاثة أيام، جدت حادثة نادرا ما تحصل وتمثلت في تحية وجهها “باعث القناة” العربي نصرة إلى رئيس النهضة راشد الغنوشي عبر الصحفية التي تقدم البرنامج، فرد عليها الغنوشي بالقول “وأنا كذلك أحييه”. تبادل تحية في الظاهر كان يشير إلى تدشين عهد من التعاون بين القناة والحزب. بعد ذلك بأشهر، بثت القناة بإيعاز من باعث القناة احتفال عائلة راشد الغنوشي بعيد الاضحى سنة 2012 لينطلق مسار التوظيف السياسي للقناة لفائدة حزب النهضة الذي يقود الترويكا الحاكمة آنذاك.

وتواصل ذلك إلى حد الآن من خلال الاستضافات المتكررة لقيادات الصف الأول في النهضة بصفة شبه دورية في برامج القناة، وأيضا من خلال اختيار محللين للبرامج السياسية مقربين من الحركة من بينهم فتحي لعيوني بعيد الثورة وآخرون التحقوا بالقناة في فترات مختلفة منهم رضا الكزدغلي، المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة الأسبق حمادي الجبالي، ومحمد الحمروني، رئيس تحرير جريدة الضمير سابقا والمحسوبة على النهضة.

استضافة راشد الغنوشي للعربي نصرة في مقر حركة النهضة قبيل إنتخابات 2014.

من يملك قناة حنبعل؟

تُعتبر ملكية وسائل الإعلام أحد أهم العوامل التي تفسر انحياز هذه المؤسسات لهذا الحزب أو ذاك، لذلك نصت التشريعات السارية في تونس على ضرورة الإعلان عن قائمة واضحة بأسماء الشركات والشخصيات المساهمة في وسائل الإعلام السمعية البصرية والمشرفين عليها لضمان حد أدنى من الشفافية ومعرفة من يملك وسائل الاعلام. وبالنسبة لقناة حنبعل فإن هوية مالكيها ضبابية خاصة منذ سنة 2015، حيث لم تنشر الجلسة العامة المنعقدة بغرض إعادة النظر في تركيبة مجلس الإدارة أية معلومات حول من يقود القناة ويضع سياساتها ويتخذ القرارات فيها حسب تقرير ملكية وسائل الإعلام الذي نشرته  منظمة اليقظة من أجل الديمقراطية والدولة المدنية الصادر في نوفمبر 2016.

وأفاد تقرير “من يملك وسائل الإعلام في تونس” بأن قائمة المساهمين في قناة حنبعل تضم العربي نصرة (مؤسس القناة) بنسبة 10 في المائة، ومجموعة حشيشة ومجموعة مقني بالإضافة إلى شركة تابعة لصندوق الاستثمار السعودي Equity والتي يمثلها رجل الأعمال السعودي من أصل فلسطيني طارق سليم قدادة الذي تولى رئاسة مجلس إدارة القناة قبل أن يستقيل ويخلفه الرئيس المدير العام الحالي زهير القمبري في 12 ماي 2014. وهو ما يُعتبر سابقة في تونس باعتبار أن حنبعل هي القناة التلفزيونية الوحيدة التي تترأس مجلس إدارتها شخصية أجنبية.

طارق سليم قدادة

ويسرد التقرير مراحل التفويت في رأس مال شركة تونيميديا Tunimedia المستغلة لرخصة قناة حنبعل من المؤسس العربي نصرة إلى أبناءه ثم إلى مساهمين آخرين من بينهم رجال الأعمال نور الدين حشيشة ومنجي مقني وحبيب مقني وعماد غيث، بالإضافة إلى السعودي من أصل فلسطيني طارق سليم قدادة.

من جهته، قال السنوسي إن شركة تركية تمتلك نسبة 49 بالمائة من أسهم تونيميديا المستغلة للقناة وهي في الأصل لا وجود لها في تونس، معتبرا أن امتلاك الأجانب لقرابة نصف أسهم القنوات التونسية يعتبر مبالغا فيه ولا يمكن القبول به. لكن هذا القانون موجود منذ عهد بن علي في إطار قوانين تشجع على الاستثمار حسب قوله. موضحا أنه “في التجارب الدولية هناك دول تسمح بامتلاك الأجانب لنسب معينة بين 10 و20 بالمئة من أسهم القنوات السمعية البصرية، كما تمنع عدة دول ديمقراطية مساهمة الأجانب في هذا المجال جملة وتفصيلا”.

تصريح هشام السنوسي تؤيده مصادر أخرى حتى من داخل القناة نفسها، حيث ذكر مصدر خاص بموقع نواة أن “الأمور غامضة من حيث القائمين على القناة أو الأموال المتدفقة إليها”، وأن “تمويلات شركة تونيميديا المستغلة القانونية للقناة متأتية أساسا من الأموال التي يقوم الشركاء الأجانب بضخها في حين أنه لا أثر في الكشوفات الواردة عن البنك المركزي لأي تحويلات بنكية أو معاملات بالعملة الصعبة في حسابات الشركة المذكورة وهو ما يعني أن هذه التمويلات لا تتبع المسالك الرسمية ولا تسجل في السجلات المحاسبية للشركة” حسب نفس المصدر.

ومن خلال تقرير للبنك المركزي تبين أن الشركة ليس لها حركية مصرفية بالعملة الصعبة رغم أن القناة مستمرة في البث على القمر الصناعي، في حين أن الممثل القانوني لشركة تونيميديا أن الشركاء الأجانب يمولون القناة وهو ما يفترض أن يتم عبر تحويلات بنكية.

هذه الضبابية التي ترافق القناة منذ تأسيسها، خاصة مع قرار غلقها أثناء حكومة محمد الغنوشي الأولى بعد الثورة على خلفية الشائعات التي نشرتها قناة حنبعل ونقلها لتحركات وهمية لميليشيات مسلحة وإعادة فتحها بعد يوم بتدخل من الوزير الأسبق أحمد نجيب الشابي دون الكشف عن أسباب ذلك، جعلتها محل اتهامات بالتوظيف السياسي و الحزبي والإنتخابي. بالإضافة إلى الضبابية التي تحوم حول ملكيتها وعدم التصريح بتركيبة مجلس إدارتها والمساهمين فيها كالمالكين الحقيقيين للشركة التركية التي استحوذت على قرابة نصف الأسهم. كل ما تقدم جعل من القناة مسرحا مناسبا لحركة النهضة حتى توظفها لخدمة أجندتها و تمرير سياساتها في إطار تبادل للمصالح بين الطرفين يقضي بتوفير حماية سياسية للقناة من قبل النهضة مقابل التمتع بخدمات القناة الإعلامية لفائدة الحزب.