استقبال الرئيس قيس سعيّد لفاروق بوعسكر، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. قرطاج، الأربعاء 18 ماي 2022.

أعلن رئيس الجمهورية قيس سعيد عن خارطة الطريق السياسية للخروج من الحالة الاستثنائية في ديسمبر 2021، وتضمنت خارطة الطريق محطات سياسية تبدأ بالاستشارة الوطنية التي ستُفرز جملة من المقترحات، يتمّ النّظر فيها وفرزها من قِبل لجنة تُحدث للغرض تتولّى تأليف مختلف المقترحات حتى نهاية جوان لتُعرض على الاستفتاء الشعبي في 25 جويلية. وتنتهي الرزنامة التي أعلن عنها الرئيس يوم 17 ديسمبر بتنظيم انتخابات تشريعية. لكنّ اللجنة المُكلَّفة بالنّظر في مقترحات الاستشارة وعرضها على الاستفتاء الشعبي لم تُشكل بعد. فنحن على بعد شهرين من استفتاء لا نعلم مضمونه ولا الجهة التي ستُشرف على صياغة المقترحات أو المواد الدستورية المعروضة على الاستفتاء.

على ماذا يُستفتى الشعب؟

قبل صياغة هذا المقال فحصنا جيدا الرائد الرسمي للجمهورية التونسية منذ 15 ديسمبر (تاريخ الإعلان عن خارطة الطريق) إلى حدود كتابة هذه الأسطر، ولم نجد أثرا لمرسوم أو أمر رئاسي يضبط التواريخ المعلن عنها، التي تبقى إلى الآن مجرّد إعلان نوايا طالما لم يتمّ تحديدها رسميّا بنصّ قانوني. فحتى الاستشارة الالكترونية تمّ تنظيمها دون أن يُنشر أمر أو مرسوم رئاسي يضبطها.

أمّا اللّجنة التي ستتولى التأليف بين المقترحات الواردة في الاستشارة الالكترونية فهي لم تُحدَث بعد، رغم أننا نقترب من شهر جوان والذي من المقرّر أن تُنهي فيه هذه اللجنة أشغالها. وفي تصريح سابق لنواة قبل تعيين التركيبة الجديدة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بخصوص مشاركة الهيئة في أعمال “لجنة الرئيس”، قال عضو مجلس الهيئة محمّد التليلي المنصري إنّ المسألة لم تكن محلّ نقاش لا على مستوى مجلس الهيئة وعلى مع رئاسة الجمهورية.

بالإضافة إلى عدم وجود أي أثر لتحديد تاريخ 25 جويلية المقبل موعدا للاستفتاء، لم يصدر بعد الأمر المتعّلق بدعوة الناخبين للتوجه إلى صناديق الاقتراع إلى حدود كتابة هذا المقال، والّذي لا يجب أن يتجاوز تاريخ 25 ماي الجاري. إذ ينصّ الفصل 110 من القانون الانتخابي على “دعوة الناخبين بأمر رئاسي في أجل أدناه ثلاثة أشهر قبل يوم الاقتراع بالنسبة إلى الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية والرئاسية، وفي أجل أدناه شهران بالنسبة إلى الاستفتاء”. كما ينصّ الفصل 113 من نفس القانون على “دعوة الناخبين إلى الاستفتاء بأمر رئاسي يلحق به مشروع النص الذي سيعرض على الاستفتاء. وينشر هذا الأمر وملحقه بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية”. فالقانون يفرض نشر النص المعروض على الاستفتاء (دستور جديد أو تعديلات دستورية) مع أمر دعوة الناخبين.

فهل سيتجاوز الرئيس هذين الفصلين، أم أنه سيعين اللجنة ويسمي أعضاءها ويتسلم تقريرها في ظرف أيام معدودات، أم أن الحل يكمن في اعداد الرئيس لمشروع الدستور أو تعديلات دستورية يعرضها على الاستفتاء، أم أنه ببساطة سيتجاوز هذه الشروط القانونية اعتمادا على قراءته الخاصة والفريدة للفصول الدستورية والتدابير الاستثنائية والقوانين والواقع السياسي بصفة عامة؟ أسئلة مُعلّقة تنتظر تفسيرا.

نقلنا هذه التساؤلات إلى الطرف المعني بالأمر، وهو رئاسة الجمهورية، وطرحنا سؤالين: من هم أعضاء اللجنة المكلفة بتأليف مخرجات الاستشارة الوطنية وبلورتها في مقترحات عملية؟ ولماذا تأخر الإعلان عن هذه اللجنة علما وأن الرئيس قد تعهد في ديسمبر 2021 بتشكيلها والاعلان عنها قريبا؟ لم نتلقَّ إجابة عن أسئلتنا من طرف السيد وليد حجام مستشار رئيس الجمهورية الذي اعتذر عن الإجابة بحكم اختصاصه في المجال الدبلوماسي حسب قوله.

استعدادات الاستفتاء: نوايا دون مواعيد رسميّة

بالنسبة إلى قيس سعيد، فإن الاستعدادات الرسمية للاستفتاء تقتصر، إلى حد الآن، على إصدار المرسوم عدد 22 لسنة 2022 والمتعلق بتنقيح بعض أحكام القانون الأساسي المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بالإضافة إلى الأمر الرئاسي عدد 459 والمتعلق بتسمية أعضاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. أمّا بخصوص اللجنة المكلفة بإعداد المقترحات التي ستُعرض على الاستفتاء فلم يُعلن الرئيس عن ملامحها وأعضائها ومهامها. ولئن تداول المتابعون للشأن السياسي أسماء أساتذة القانون الدستوري الذين اجتمع بهم سعيد في مناسبات عدة (الصادق بلعيد وأمين محفوظ ومحمد صالح بن عيسى والصغير الزكراوي)، إلا أنها تبقى مجرد توقعات لا صبغة رسمية لها. وبتسارع الأحداث والتطورات طفت الخلافات على السطح وخرج الأستاذ الصغير الزكراوي عن الخط الداعم لرئيس الجمهورية وتحول إلى معارض له بسبب خلافات حول التمشي السياسي وأفكار قيس سعيد بخصوص النظام السياسي الجديد.

ولكنّ التخوّفات تبقى قائمة نظرا لتداخل آجال انتهاء عمل اللجنة المُكلَّفة بصياغة المقترحات التي ستُعرض على الاستفتاء والمحدّدة بموفّى جوان 2022، مع آجال دعوة الناخبين إلى الاقتراع على الاستفتاء والتي لا يجب أن تتجاوز 25 ماي 2022. في هذا السياق، اقترح عضو الهيئة محمّد التليلي المنصري في تصريح سابق لنواة إمّا تأجيل موعد الاستفتاء أو إصدار مرسوم لاقتصار آجال تسجيل الناخبين وتحيين السجلاّت وتقديم الطّعون. وقد طرح سامي بن سلامة عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على الرئيس خلال موكب تنصيب أعضاء الهيئة الجديدة الإشكال المتعلق بالآجال، قائلا “لا يمكن القيام بالعمل بدون التسريع”، فكانت إجابة قيس سعيد: “نحن في سباق ضدّ الساعة حتّى نكون في موعد مع التاريخ”. فهل يكمن الحلّ في تعطيل الساعة مثلا؟

الرزنامة المُقترَحة للاستفتاء

تتركز أنظار المتابعين للشأن الانتخابي من أحزاب ومنظمات مختصة في شفافية ونزاهة الانتخابات على استقلالية الهيئة وضمانات عدم التلاعب بأصوات المقترعين واحترام معاييرالشفافية والنزاهة، في حين غاب التركيز على مضمون الاستفتاء والنصوص التي سيعرضها الرئيس، رغم أنها ستحدد مستقبل تونس ومصير أجيال لعقود من الزمن. وهنا اقترحت الهيئة الانتخابية مشروع رزنامة وفق القانون الانتخابي الحالي الّذي يبدو أنّ الاستفتاء سيتمّ بناء على أحكامه، رغم تأكيد الرئيس مرارا ضرورة تنقيحه أو تغييره.

وفق الرزنامة المقترحة، فإنّ عملية تسجيل الناخبين تنطلق يوم 27 ماي الجاري وتغلق يوم 5 جوان “وذلك إثر استيفاء إجراءات انتداب الأعوان وتكوينهم والاتفاق مع المزوّدين واستيفاء مجموعة من الاستعدادات التنظيمية واللوجستية في فترة أسبوعين”، على أن تنشر الهيئة القائمات الأولية للناخبين بتاريخ 12 جوان ثم القائمات النهائية للناخبين بعد الطعون بتاريخ 8 جويلية 2022. وتقترح الهيئة أن تبدأ أيام الاقتراع في الاستفتاء خارج تونس أيام 23 و24 و25 جويلية القادم، ويوم الاقتراع بالداخل 25 جويلية، فيما حُدّد تاريخ الإعلان عن النتائج النهائية يوم 28 أوت 2022. وإلى حدّ الآن لم يتفاعل الرئيس قيس سعيد مع مقترح رزنامة الاستفتاء إمّا سلْبا أو إيجابا.

بعد الإعلان عن تكوين لجنة للنّظر في مقترحات الاستشارة الوطنية، أعلن قيس سعيّد عن تكوين لجنة لتسيير الحوار الوطني، يتمّ إحداث هيئتين داخلها إحداهُما مخصّصة “للحوار”، في الوقت الّذي طالما انتقد فيه الرئيس “الأجسام الوسيطة” والمؤسسات والهيئات، التي كانت على الأقلّ توفّر حدّا أدنى من الشفافية في تركيبتها وفي سير أعمالها.