على إثر هذه الحملة الالكترونية، صدرت عريضة عن عدد من الجمعيّات والشخصيات تندّد “بحملات الشتم والسب والتخوين التي تستهدف شخصيات سياسية وحقوقية عُرفت بمواقفها الناقدة لإجراءات الاستفتاء والدستور الجديد ولمشروع قيس سعيد الانفرادي عموما”، معتبرة أنّ “هذه الحملات الوضيعة، جزء من حملات الترهيب ومحاولة لإسكات الاصوات الناقدة والمعارضة”. كما حذّرت العريضة من مواصلة بثّ خطاب الكراهية والعنف والتخوين الّذي استعمله قيس سعيد ضد معارضيه منذ الخامس والعشرين من جويلية 2021.
الأطراف الممضية على البيان، من جمعيات ونشطاء مدنيين وسياسيين، حملت الرئيس سعيد مسؤولية سلامة الأشخاص الّذين تعرّضوا للتشويه، مثل الناشطين ضمن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات.


مسيرة 22 جويلية 2022 المناهضة للاستفتاء

تشويه الكتروني واستهداف مباشر

“خلال الوقفة الاحتجاجية ليوم 22 جويلية، لاحظنا استهدافًا مباشرا لرموز المجتمع المدني، مثل سناء بن عاشور ورئيس نقابة الصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي وعلى شخصي أيضا”، يقول بسّام الطريفي، نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لنواة، في إشارة إلى العنف المادّي المُسلّط على المتظاهرين، مؤكّدًا أنّ ما حصل يومَها شبيهٌ بالعنف الّذي شهدته مظاهرات يوم 09 أفريل 2012. “رغم أنّ المظاهرة كانت سلميّة، إلا أنّها لم تخلُ من العنف”، يُضيف نائب رئيس الرابطة.
رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيّات نائلة الزغلامي تستذكر “الحقب المشابهة” في العنف والتشويه، وتقول لنواة “ما أشبه اليوم بالأمس”، في إشارة إلى تكرّر السيناريوهات ذاتها، وتعقّب:

“عدنا إلى مربّع ما قبل الترويكا. يوصموننا بـ “نساء الصالونات ونساء المساحيق، ونسوا أنّنا نناضل من أجل سنّ قوانين لفائدة النساء ضحايا الحيف الاجتماعي والاقتصادي، وأنّنا لا نتقاضى أجرًا إزاء عملنا، ولا نتمتّع لا بامتيازات ولا بوصولات شراء مجانية”.

خلال الفترة الممتدّة من 2011 إلى 2014، حين بلغ الانقسام السياسي والاستقطاب الثنائي أقصاه، برز خطاب العنف والكراهية والتكفير في وسائل الإعلام التقليديّة والحديثة كوسيلة لفرض الرأي بالقوّة وإقصاء الآخر. ومع إرساء منظومة حكم جديدة منذ 25 جويلية 2021 نسفت المؤسسات وافتكّت الصلاحيات التشريعيّة والتنفيذيّة، تغيّرت الرّهانات السياسيّة، ولكنّ الانقسام يبقى قائما. “منطق التخوين لا يبعد كثيرًا على منطق التكفير. فإذا كان الحاكم يستبيح افتكاك الحريّة لمعارضيه ويُقاضيهم أمام المحاكم العسكرية، فهذا لا يختلف كثيرا عمّن يستبيح قتل من يخالفه الرّأي”، تُعلّق رئيسة الجمعية التونسيّة للنساء الديمقراطيّات لنواة، مؤكّدة أنّ مختلف الجمعيّات الّتي تنشط إلى الآن “لم تخرج من منطق المجتمع المدني”، ومن دائرة النّقاش والحوار: “نحن لا نمارس الشيطنة على من يخالفنا الرأي في تقييم الوضعيّة”، تضيف نائلة الزغلامي.

مسيرة 22 جويلية 2022 المناهضة للاستفتاء

مناخ سياسي متأزّم يخلق مزاجًا شعبيّا سيّئا

” في الأزمات السياسيّة، يتمّ حلّ المشاكل عن طريق الحوار، لنقاش اختلاف الرّؤى وتباين المواقف. ولكنّ الحياة السياسية الآن ليست مبنيّة على النقاش والاحترام، بل يُنظَر لها كمعركة تُستخدَم فيها كلّ الأساليب المُتاحة”، يُفسّر أستاذ علم الاجتماع محمّد الجويلي في تصريح لنواة، مُضيفًا أنّ الديمقراطية خلقت مؤسّسات لدعم “اللعب النّظيف” بين مختلف الفاعلين السياسيّين، بغرض تطويق العنف السياسي وخطاب التخوين. ويُضيف: “الأزمات السياسية خلقت مزاجًا سيّئا من الانتقال الديمقراطي، وقد يصل الأمر إلى حدّ النفور من الديمقراطية برمّتها، والمقايضة بين الأمن والديمقراطية، وهي مقايضة خاطئة”.

أمّا بخصوص حملات التشويه عبر مواقع الميديا الاجتماعية، يقول محدّثنا إنّ ما كان يقوم به الإعلام الرّسمي زمن الدكتاتوريّة من تشويه الخصوم السياسيّين أصبح الآن يُروَّج له عبر صفحات التواصل الاجتماعي بهدف التقليل من شأن ما سمّاه “الغريم السّياسي”. فالخلاف السياسي تطوّر ليصبح معركة يكون فيها البقاء للأقوى، وتبعًا لذلك، يتمّ اللجوء إلى العنف اللفظي أو المادّي أو الاثنين معًا لفرض المواقف بالقوّة.
تُشير نائلة الزغلامي عن جمعية النساء الديمقراطيات إلى أنّ حملات التخوين مردُّها التمويلات الأجنبيّة التي تتمتّع بها الجمعيّات والمنظّمات غير الحكومية.

“إذا كانت هناك تحويلات مالية مشبوهة أو تمويلات لفائدة نشاطات غير مرخّص لها بالإمكان التثبّت فيها عبر تدقيق حسابات الجمعيّات المعنيّة، ومن ثمّ يتمّ تطبيق القانون على المخالفين. ولكن لماذا يتمّ تشويهنا وتخويننا والحال أنّنا كمنظّمات نعاضد مجهودات الدّولة، وهي التي تحظى بدورها بدعم من المؤسسات المانحة؟”
تستنكر رئيسة الجمعيّة

حين يتعلّق الأمر بالخصوم السياسيّين، تغضّ السلطة الطّرف عن خطاب العنف والتحريض عليه في وسائل التواصل الاجتماعي، وهي تدرك أنّ هذا الخطاب لم يكن حربًا كلاميّة فقط فيما مضى، بل أدّى إلى ارتكاب اغتيالات سياسيّة. مقابل ذلك رأى الجميع الرئيس غاضبا حانقا يشتكي التشويه وهتك الاعراض لقيادات وزارة الداخلية، عندما تعلق الامر به وبمحيطه العائلي.

وحتى نقد سياسات رئيس الدولة، تُكيَّف له القوانين لتقييد الحريّات وإيقاف من ينتقد أداءه، مثلما حصل مع أحد أنصاره السابقين الّذي أشار في تدوينة ساخرة إلى غياب الموادّ الأساسية مقابل التشجيع على الإقبال على الاستشارة الالكترونية، ليحال بتهمة “ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية”. سياسة الكيل بمكيالين في أبهى تجلياتها وتطبيق القوانين وتكييف التشريعات حسب درجة القرب من السلطة، سياسة كلّفت تونس عقودًا من الاستبداد، فكما قال الرئيس في إحدى خطاباته التحريضية الشهيرة من قصر قرطاج: أفلا يعقلون… أفلا يتذكرون؟