لم يحظَ شكري البحري بالأغلبية المطلقة للأصوات لدى إعلان هيئة الانتخابات عن النتائج الأولية للفائزين. وهو سيتنافس مع كمال البكاري لينال أحدهما تمثيل منطقته في البرلمان. ولكنّ يوم الاقتراع في 17 ديسمبر، كان حاسما بالنسبة إلى المترشّح شكري البحري. لكن لا يبدو أن سكان مدينة عقارب يتقاسمون الحماس ذاته تجاه الانتخابات إجمالا. فمراكز الاقتراع الأربعة تبدو خالية، وأغلب مكاتبها تخلو من الناخبين، وقد أسرّ مدير مركز الاقتراع بالمدرسة الابتدائية 2 مارس 1934 بعقارب لموقع نواة أن نسبة الإقبال ضعيفة جدا بعد قرابة أربع ساعات من فتح مراكز الاقتراع، وأن النسبة ستبقى ضعيفة في كل الأحوال باعتبار أن وجهة أغلب السكان ستكون في الساعة الرابعة مساء، نحو مباراة المغرب وكرواتيا لا مراكز الاقتراع.

 

متهم بالمعارضة والموالاة

 

يسير شكري البحري، وهو أبرز وجوه حركة “مانيش مصب” التي أجبرت السلطات الجهوية والمركزية على تنفيذ حكم قضائي بإغلاق مصب القنة الذي فاضت الفضلات منه، في محيط مركز الاقتراع بمدرسة 2 مارس 1934، ويستوقفه بين الحين والآخر بعض السكان متمنين له الحظ الوفير. وقد يكون “غرافيتي” عبد الرزاق لشهب أحد ضحايا الاحتجاجات التي اندلعت سنة 2021 من أجل إغلاق مصب القنة، والذي طُبع على جدران المحلات المجاورة لمركز الاقتراع والطريق المؤدي له، تميمةَ شكري البحري التي أسندته وذكّرت سكان عقارب بمحنتهم البيئية فاقتادتهم إلى التصويت، فقد ظهر اسم شكري البحري وسط تلك المحنة منذ 2019، وهو ما جعل البعض يتهمه بأنه استغل حراك “مانيش مصب” من أجل الوصول إلى مجلس النواب.

يرفض شكري البحري وهو أستاذ مسرح بالأساس، تلك الاتهامات ويقول لموقع نواة

لم أكن أنوي الترشح للانتخابات. لكن اقترح عليّ أبناء حراك مانيش مصب الترشح لتمثيل الجهة فقبلت بذلك. بدأ الحراك فعليا ضد مصب القنة منذ العام 2017، وكان جليا حينها أن الدولة مساهمة في الجرم البيئي في عقارب، ورفعنا قضية ضد الدولة من أجل إغلاق المصب وكان الحكم لصالحنا، لكنّه لم يُنفذ لأنه لم يكن هناك صوت حاسم في السلطة إلى جانب عقارب، بما في ذلك نواب الجهة.

شكري البحري، ومن ورائه حراك “مانيش مصب” الذي أجج المدينة أواخر سنة 2021 مُخلّفًا مقتل عبد الرزاق لشهب ووفاة آمال إبراهيم إثر لسعة بعوضة سامة، تلاحقه تهم بأنه مناهض لمسار قيس سعيد. ويواجه أيضا تهما قضائية بسبب مشاركته في الحراك. ويقول لنواة إنه تم استدعاؤه للتحقيق في أوج الحملة الانتخابية بتهم متنوعة منها تكوين وفاق وتهديد الأمن العام وتعطيل سير العمل، ويدفع عنه التهم التي تصنفه بأنه مناهض لقيس سعيد ولمساره قائلا

نحن ضحية صراع بين فكر سعّيد وفكر معارضيه. لا أصنف نفسي معارضا ولا مساندا لقيس سعيد رغم أنني كنت من ضمن المستبشرين بقرارات 25 جويلية لأنه كان لا بد من وضع حد لتلك المنظومة. ولكن قبولنا بمسار الانتخابات كان بسبب تركيز منظومة تمكّن دائرة عقارب من أن تغنم صوتا داخل السلطة وهي فرصة لم تتح لها رغم مرور أكثر من نصف قرن على تركيز نظام الجمهورية. فتجربة صغيرة خلال حراك “مانيش مصب” كانت كفيلة باغتنام الفرصة لأن تكون عقارب ممثلة في البرلمان، فلو كان لنا صوت هناك لما بقي 120 مطلب نفاذ للمعلومة بخصوص مشاكل الجهة معلقا في انتظار الإجابة عليه.

لا يخفي شكري البحري خيبة أمله من الرئيس قيس سعيد، وهو الذي استقبله مرة وطُرد من القصر مرة أخرى بسبب قميصه المكتوب عليه “مانيش مصب”، فهو قد استبشر علنا بالإجراءات التي اتخذها سعيد يوم 25 جويلية، ولكنّ ردّ السلطة على المحتجين بعد قرابة شهرين من تلك الإجراءات، كان سببا في تلك الخيبة. يقول البحري لنواة:

زارنا قيس سعيد في ملتقى ثقافي وبيئي قبل أن يترشح للانتخابات الرئاسية، وفهم مشاكلنا بل وحرّضنا على أن نتحرك وأن نستعمل القانون من أجل إيصال صوتنا وبدا لنا أنه فهم جيدا مشاكلنا. لكنّ سعيد نفسه الذي يؤمن بالقانون لم يطبق القانون نفسه الذي ينص على حقنا في بيئة سليمة ولم يطبق حكما قضائيا لصالح جهتنا بإغلاق المصب.

 

صوت في مجلس محدود الصلاحيات

 

لم يقدم شكري البحري برنامجا انتخابيا ولا وعودا عالية السقف. ففي قرابة دقيقتين من التعبير الحر خاطب سكان دائرته الانتخابية بشيء من السجع، وبلهجة حماسية تمتدح عقارب، فالأهم بالنسبة إليه هو أن يكون لمنطقته صوت في أروقة الحكم حتى لو كانت هوامش تلك الأروقة ضيقة. يقول البحري لنواة:

أعلم محدودية صلاحية مجلس النواب وفق الدستور الجديد، وأعلم أن تركيبة المجلس قد تكون مختلفة وقد يكون من الصعب أن نحقق تغييرا. لكن الأهم هو أن يكون لعقارب صوتا في البرلمان وسط أناس لم يسمعونا طيلة عقود. ستكون مهمتنا في البرلمان رقابية وتشريعية وخدماتية أيضا لأننا سنتمكن من إيصال مشاكل أبناء المنطقة وحلها. باختصار سنكون صوتا مختلفا عن الأصوات الأخرى الموجودة في البرلمان.

يستحضر شكري البحري أفلاطون في حديثه عن انقلاب مسيرته من الفن إلى السياسة. فالفن هو فعل سياسي بامتياز حسب قوله، وهو يعلم ضريبة صعوده إلى مجلس النواب في حال فوزه، لأن الفن والمسرح هما حياته والسياسة ستجمّدها. وقد قاد حملته الانتخابية المبنية على فكرة أن المسرح هو فعل سياسي وأن الفن سيغير العالم وأن العالم يبدأ من موطنه، وهي رسائل عصية على منطقة تعاني ارتفاع نسبة الأمية التي تصل إلى 23.8% ونسبة الفقر فيها تناهز 10% ومعدل البطالة يفوق 20%. يصف شكري البحري نفسه بأنه ممثل عقارب وسط جهاز الدولة بغض النظر عن المسار السياسي الذي يحكمها، ويقول:

لا أؤمن بأي مسار. فمساري هو الذي يضمن الشغل والحرية والكرامة. وحين توجهت إلى السكان في حملتي الانتخابية كانت الرسالة واضحة، وهي أنّ عقارب تحتاج إلى تشريعات تضمن لها حقها.

يرفض شكري البحري الحديث عن تحالفاته الممكنة وسط مجلس محدود الصلاحيات، لأن الأمر سابق لأوانه حسب رأيه ولأن ملامح النواب في المجلس القادم لم تتبين بعد، لكنه يقول إنه إذا تمكن من الفوز في الانتخابات فإنه سيحمل معه حزمة من التصورات التي سيدافع عنها من أجل أن تصبح قوانين منها التنصيص على عدم تجريم الحركات الاجتماعية وحماية البيئة وعلى أولوية الشركات التونسية في التصرف في النفايات ويقول:

ستكون مهمتي الأولى الدفاع عن الأفراد وعن جملة من القضايا. مشكلة منظومة الأحزاب أنها تدافع عن مركزية القرار وهي مسألة نعارضها. لكنني في المقابل سأدافع عن وجوب سن قانون يخصص تمثيلية بين 40 و50 بالمائة للأحزاب داخل مجلس النواب، إضافة إلى تمثيلية المرأة المغيبة تماما لأن الدولة تعول على الوعي المجتمعي وهو غائب للأسف لأن المجتمع ذكوري. لذلك سأدافع عن فكرة سن قانون يضمن مشاركة كبيرة للمرأة في القرار السياسي إضافة لمشاركة المرأة الريفية والشباب.

يعترف شكري البحري بأنه لم يقدم وعودا خلال حملته الانتخابية لأنه يعرف حدود مهمته إذا فاز حسب قوله، لكنه يقول إنه سيدافع عن حقوق جماعية وأساسية مثل الحق في الماء والكهرباء والتشغيل وبنية تحتية جيدة.

صباح الأحد، عقب يوم الانتخابات، لاحت حصيلة التصويت في دائرة عقارب في اللوحات البيانية للهيئة الفرعية للانتخابات صفاقس 2 بالقاعة الرياضية الرائد البجاوي، وتصدر شكري البحري تلك الحصيلة بـ1772 صوتا. لكنّ مرشّح عقارب لم يظهر في قائمة المقبولين ضمن النتائج الأولية الّتي أعلنت عنها هيئة الانتخابات يوم 19 ديسمبر، وسيخوض دورًا ثانيًا مع منافسه كمال البكاري.
يقول شكري البحري لنواة “أنتظر نتائج الانتخابات ولا تهمني النتيجة كثيرا. ما خضته هو مغامرة ستبين لي الفرق بين العمل على قضية بيئية تجمع كل الناس وبين العمل على مسار سياسي يفرق بينهم. لا أعلم إلى ما ستقودني تلك المغامرة لكن ما أعلمه أنني سأواصل قناعتي بأن الفن يمكن أن يحرك الجميع وأن يصل إلى عمق الأرياف مهما كانت المسارات والسياق”.