بالتزامن مع ذكرى عيد الشهداء في 09 أفريل 2022، صدر المرسوم المُحدث لمؤسسة فداء، وتمّ ضبط تركيبتها وطريقة تسييرها بأمر رئاسي صدر في 22 ديسمبر 2022. وتتكوّن المؤسّسة وفق الأمر الرئاسي الّذي يضبط تنظيمها الإداري والمالي من خمسة هياكل، منها إدارتان عامّتان، تتعهّد الأولى بضحايا الاعتداءات الإرهابية من العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي والديوانة، والثانية بأولي الحق من شهداء الثورة وجرحاها. “أن يتمّ وضعنا في ذيل القائمة هو إهانة لشهداء الثورة وجرحاها”، يقول جريح الثورة عبد الحليم عبد الحليم في تصريح لنواة، معبّرا عن خيبة أمله من عدم تحقيق أهداف الثورة ومن عدم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الحاصلة.

تدشين مؤسسة فداء، الجمعة 24 جوان 2022

احتجاج الجرحى وعائلات الشهداء

مع صدور المرسوم وإدراج شهداء الثورة وجرحاها ضمن المؤسسة ذاتها الّتي تُعنى بضحايا العمليات الإرهابية من القوات الحاملة للسلاح، احتجّ عدد من عائلات الشهداء والجرحى وعقدوا ندوة صحفيّة يوم 11 جانفي الجاري طالبوا فيها بفكّ الارتباط مع ضحايا المؤسّستَين الأمنية والعسكرية، مجدّدين مطالبهم بإنصافهم وتحسين وضعيّاتهم. مطالب ارتفع صداها بعد وفاة جريح الثورة محمّد الشابي إثر إضرامه النار في جسده يوم 22 جانفي بمدينة نابل.

“مؤسّسة فداء سراب”، تقول ليلى الخضراوي المتحدّثة باسم عائلات شهداء الثورة، مذكرةً بالمسار القضائي الطّويل المتلكّئ في حسم قضايا الشهداء والجرحى، معبّرةً عن استيائها من إدراج شهداء الثورة وجرحاها مع أصناف أخرى من الضحايا. تطلب ليلى الخضراوي إفراد شهداء الثورة وجرحاها بمؤسّسة خاصّة بهم، وألاّ يتمّ ضمّهم لا مع المتمتّعين بالعفو التشريعي العامّ، ولا ضمن ضحايا المؤسّستين الأمنية والعسكرية.
يؤكّد عبد الحليم عبد الحليم لنواة أنّ مطالب عائلات الشهداء والجرحى تتمّ بالتنسيق مع منظّمات وجمعيّات، وأنّهم يستعدّون لخوض تحرّك خلال الأيام القادمة. “سنلجأ إلى منظّمات دولية أو إلى محاكم دوليّة لتفعيل مطالبنا”، يقول عبد الحليم.

تتلخّص المطالب إجمالاً في تحسين الوضعيات الاجتماعيّة للجرحى. “أغلب الجرحى يشتغلون أعوان حراسة لدى مؤسسات ووزارات مثل وزارة التربية، ومتوسّط الأجر الّذي يتقاضونه يتراوح بين 800 و900 دينار، وهي جراية غير كافية لتغطية مصاريف العلاج. تقريبا 20 أو 25% من جرحى الثورة فقط تمّت تسوية وضعيّاتهم، وهناك أسماء لم تُدرَج ضمن القائمة التي صدرت بالرائد الرسمي”، يقول عبد الحليم عبد الحليم لنواة. وهي الملاحظة ذاتها الّتي ذكرتها ليلى الخضراوي المتحدّثة باسم عائلات الشهداء. “أنا أمّ شهيد، واسم ابني لم يُذكر بالقائمة”، تُصرّح لنواة.

تضخّم مؤسساتي

في 19 مارس 2021، صدرت قائمة شهداء الثورة ومصابيها بقرار من رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان ورئيس لجنة شهداء الثورة ومصابيها بالعدد 26 من الرائد الرسمي، وتضمّنت 129 شهيدًا و634 جريحًا في الفترة الممتدّة بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011. كما صدر الأمر الحكومي عدد 202 لسنة 2021 المتعلّق بالمصادقة على القائمة الاسمية للشهداء والجرحى من العسكريين الذين استشهدوا أو أصيبوا في إطار أداء واجبهم المهني خلال أحداث الثورة، تضمّنت القائمة 5 شهداء و32 جريحًا. وفي وقت سابق، تكوّنت الهيئة العامّة لشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية بمقتضى المرسوم عدد 338 لسنة 2016، الّذي يتعهّد بملفات مقاومي وشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية من المدنيين وأعوان قوات الأمن الداخلي والعسكريين وأعوان الديوانة.
وقد تمّ إحداث المرسوم عدد 97 لسنة 2011 المتعلّق بالتعويض لشهداء الثورة وجرحاها، إلى جانب تعهّد هيئة الحقيقة والكرامة بملفّات الشهداء والجرحى وإدراجهم ضمن قائمة المستفيدين من التعويضات.

أمّا بالنسبة إلى مؤسّسة فداء، فقد مكّنت جرحى الثورة من التعويضات عبر جرايات شهريّة وفق نسبة الضرر الجسدي الحاصل. فإن كانت نسبة السقوط البدني تتراوح بين 6 و25%، فإنّ الجريح يتمتّع بالأجر الأدنى المضمون لمختلف القطاعات غير الفلاحيّة الخاضعة لمجلّة الشغل. وإن كانت نسبة الضرر تفوق 26% ولا تتجاوز 50%، تُضاعف قيمة الجراية. أمّا إذا كانت نسبة السّقوط البدني تتجاوز نسبة 50%، فإنّ مقدار المنحة يُضرب في ثلاثة.

رغم التضخّم التشريعي والمؤسساتي، إلاّ أنّ ملفّ الشهداء والجرحى بقي عالًقا في انتظار تحديد المسؤوليّات ورفع المظالم وتحقيق أهداف الثورة المتمثّلة أساسًا في المحاسبة، بينما أنّ قيس سعيّد لا يتوانَ عن توجيه عبارات الشكر والامتنان لضحايا الثورة. لكنّ المسار عالق ولا مؤشّرات فعليّة لاستئنافه.