بدأ رشاد الماجري صحبة جمع من أبناء ولاية منوبة بإجراءات تأسيس شركة أهلية جهوية للفلاحة المندمجة تعنى بالإنتاج الحيواني والنباتي، أطلقوا عليها اسم شركة ”منوبة البية“، كان ذلك في ديسمبر الماضي، وما يزال أصحاب المشروع في طور جمع المساهمات بعد أن فُتح الاكتتاب في رأس مال الشركة منذ شهرين. يقول رشاد الماجري وهو أحد المساهمين في شركة ”منوبة البية“ لنواة ”الشركة أسسها شبان عاطلون عن العمل إضافة إلى موظف في مصحة خاصة وآخر مهندس يعمل بالخارج، ومن المنتظر أن نكمل عملية التأسيس الأسبوع القادم بعد اقترابنا من جمع مبلغ رأس المال الاجتماعي الذي يجب ألا يقل عن عشرين ألف دينارا“.
تسلك شركة ”منوبة البية“ طريقا شائكا من أجل توفير مصاريف إجراءات التأسيس، فتوجه شبابها إلى والي منوبة من أجل طلب مساعدة مادية من الولاية لمواجهة تلك المصاريف، فكانت إجابة الوالي بأنه لا يوجد أي أساس قانوني يمكن أن تستند عليه الولاية لتقديم المساعدة. يتهم رشاد الماجري المسؤولين الجهويين ومسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية الراعية لملف الشركات الأهلية، بالتقصير في التعريف بالشركات الأهلية خاصة في المعتمديات، ما شكل عائقا لشركته في جمع رأسمالها عن طريق الاكتتاب. ويضيف الماجري ”راسلنا والي منوبة أكثر من مرة من أجل الدعوة لجلسات تعريفية للشركات الاهلية لكنه لم يتجاوب مع مراسلاتنا، معللا ذلك برفض مستشار وزير الشؤون الاجتماعية المكلف بملف الشركات الأهلية، وقال لنا حرفيا لقد أنهيتم تأسيس الشركة فلم تهتمون بمسألة التعريف بالشركات الأهلية“.
يرجع شباب شركة ”منوبة البية“ التعطيل خلال مسار تأسيس شركتهم الأهلية إلى عدم دراية المسؤولين بالمرسوم عدد 15 المتعلق بالشركات الأهلية. يقول رشاد الماجري إن مجرد إيداع محضر تكوين الشركة بالمحكمة الابتدائية بمنوبة تطلب ثلاثة أسابيع لأن كاتبة المحكمة رفضت تسلم الوثائق بحجة أنها تجهل ماهية الشركة الأهلية في حين طلبت رئيسة المحكمة من المؤسسين تسليمها المرسوم عدد 15 للاطلاع عليه قبل تسلم وثائق الشركة حسب قوله. كما تطلب فتح حساب للاكتتاب في رأسمال الشركة بالبنك الوطني الفلاحي قرابة شهر ونصف لأن المسؤولين في أحد فروع البنك المذكور تعللوا بعدم معرفتهم بماهية الشركة الأهلية وطلبوا مهلة لاستشارة القسم القانوني بالبنك قبل قبول فتح حساب الاكتتاب حسب تصريح رشاد الماجري.
تواجه الشركات الأهلية في ولايات كثيرة حزمة من العوائق، ما دفع بعض مؤسسي شركات أهلية من 8 ولايات إلى توجيه مراسلة جماعية إلى رئيس الدولة ووزارات المالية والاقتصاد والتخطيط. فإحدى الشركات الأهلية ببني خيار أوقفت مسار التأسيس بطلب من ولاية نابل من أجل النظر في مسألة تمكينهم من إحدى الأراضي الدولية، في الوقت الذي وعد فيه الرئيس قيس سعيد مؤسسات شركة ”الكادحات“ بطبربة يوم 23 أوت، بتمكينهم من إحدى الأراضي الدولية رغم أن الشركة ما تزال في طور التأسيس.
فخاخ قانونية
نص الفصل 29 من قانون المالية لسنة 2023 على تخصيص مبلغ 20 مليون دينار من أجل تمويل الشركات الأهلية الجهوية والمحلية المنصوص عليها بالمرسوم عدد 15 لسنة 2022 ويخصص المبلغ حسب ذلك الفصل لإسناد قروض بشروط تفاضلية خلال الفترة الممتدة من 1 جانفي إلى 31 ديسمبر 2023، عُهدت تلك المبالغ إلى البنك التونسي للتضامن بمقتضى اتفاقية مع وزارة المالية والوزارة المكلفة بالتشغيل لضبط شروط التصرف فيه، اتفاقية انتظرت أواخر مارس الماضي حتى ترى النور. كما لم يتم صرف أي قسط من ذلك المبلغ لأن القانون الأساسي للبنك التونسي للتضامن يحدد سقف قيمة القرض المسند ب 300 ألف دينار.
يقول رشاد الماجري لنواة ”تبلغ قيمة إنجاز مشروع شركة في الفلاحة المندمجة 5.5 مليون دينار في حين أن سقف القرض من البنك التونسي للتضامن لا يمكن أن يتجاوز 300 ألف دينار إضافة إلى أن قانونه الأساسي ينص على عدم تمويل البناءات ما يشكل عائقا أمام تمويل مشاريع الشركات الأهلية خاصة أمام ضعف رأسمال تلك الشركات“. وعلى عكس شركة منوبة البية، توجه صابر فرحات أحد مؤسسي الشركة الأهلية الجهوية لصناعة الطابوق الخلوي بقفصة إلى وضع خطط بديلة لبنك التضامن لتمويل شركته، حيث عرض مشروعه على بعض البنوك الخاصة التي قدمت له موافقة مبدئية بتمكينه من قرض من أجل إطلاق مشروعه. يقول صابر فرحات لنواة ”فكرنا في إنجاز المشروع منذ سنة 2015 غير أننا لم نجد الطريق معبدا أمامنا. وبعد صدور المرسوم المتعلق بالشركات الأهلية، اغتنمنا الفرصة وانطلقنا في دراسة المشروع وسجلنا الشركة في مارس الماضي. تبلغ قيمة المشروع 6.6 مليون دينار، وسنوفر مبالغ الاستثمار بالاعتماد على تمويل من بعض البنوك الخاصة التي وعدتنا بتمويل المشروع في انتظار صدور مرسوم رئاسي يعدل من القانون الأساسي للبنك المركزي حتى يرفع سقف تمويل الشركات الأهلية. كما سنعتمد على التمويل من عائدات لجنة الصلح الجزائي وفق ما نص عليه المرسوم“.
ينص الفصل 30 من المرسوم عدد 13 المتعلق بالصلح الجزائي على أن تُخصص 20 بالمائة من عائدات الصلح الجزائي للجماعات المحلية بغاية المساهمة في رأسمال الشركات الأهلية ما يطرح ثلاث إشكاليات، الأولى أنه تم حل المجالس البلدية في مارس الماضي والثاني هو الصبغة العمومية التي ستكتسبها الشركات الأهلية بمساهمة المجالس المحلية في رأسمالها والثالثة أن اللجنة الوطنية للصلح الجزائي، وهي الهيكل المكلف بتلقي مطالب الصلح الجزائي، تعمل بفريق غير مكتمل بعد إقالة فاطمة اليعقوبي في جويلية الماضي وهي الممثلة عن المكلف العام بنزاعات الدولة.
يواجه المستثمرون الجدد الذين اختاروا مظلة الشركات الأهلية سرابا سوقته الدولة بأنه العصا السحرية التي ستغيٍّر أوضاعهم، غير أنهم واجهوا عصيّا غليظة تمسكها القوانين المتشابكة المنظمة لأملاك الدولة والغابات والتراخيص والتمويل والتي جعلتهم يأملون أن تكون العصا السحرية قلما يمضي به قيس سعيد قرارات تغيير تلك القوانين.
iThere are no comments
Add yours